.
“الصفقة الأميركية المطروحة” في ميزان الربح والخسارة، بقلم : يحيى قاعود
قدم الرئيس الأميركي إعلانًا سياسيًا يطرح فيه صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وحركت الإدارة الأميركية مخابراتها ودبلوماسييها بزيارات مكوكية لعواصم الوسطاء، وطرح الصفقة على مجلس الأمن لاستصدار قرار يدعمها. ويأتي هذا التفاعل المتسارع تحت وطأة نار الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة. وقد بدأت إدارة بايدن منذ عدة شهور البحث في سبل إتمام صفقة لتبادل الأسرى تفضي إلى وقف الإبادة، وهو ما يطرح تساؤلا حول إمكانية وقف الإبادة الجماعية والبحث عن التنازلات المفروضة إسرائيليًا، والإنجازات التي يمكن تحقيقها فلسطينياً.
تحتوي الصفقة الأميركية مجموعة أفكار متناقضة تمثل في جوهرها الرؤية الإسرائيلية، والتي تشمل ثلاث مراحل مترابطة تبدأ بمبادلة الأسرى، ومن ثم انسحاب قوات الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة وعودة النازحين إلى منازلهم التي دمرت في كل المحافظات. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فيتم خلالها بحث عملية إعادة الإعمار بعد أن تجاوزت خسائر الإبادة حاجز الـ 50 مليار دولار. كل ذلك دون أن تضمن الولايات المتحدة تنفيذ الإعلان بمراحله الثلاث، ليس هذا وحسب، بل طالب بايدن بموافقة إسرائيل وحماس على الإعلان السياسي وتحويله إلى صفقة.
الصفقة ومعادلة القبول والرفض الإسرائيلية
منذ بدء الصراع الإسرائيلي- العربي والعالم الغربي يدعم السياسة الإسرائيلية التوسعية وحروبها مع الدول العربية مالياً وعسكرياً وقانونياً، ومنذ توقيع اتفاق أوسلو في تسعينيات القرن الماضي يدعم العالم الغربي الحقوق الفلسطينية اسمياً، لكنه بقي على دعم إسرائيل فعليًا. ويتضح هذا التوجه الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال ازدواجية السياسات والمقاصد رغم أن الحل السياسي المطروح لإنهاء الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية بالأساس هو غربي تمت شرعنته بقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي.
توظف إسرائيل الدعم الغربي لتحقيق تطلعاتها التوسعية الاحتلالية بغض النظر عمن يقود حكومتها، فبالكاد ترى الفوارق في البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية بعد طغيان اليمين بكل أشكاله وألوانه. وهو ما توضحه تصريحات بنيامين نتنياهو المتناقضة منذ إعلان بايدن، والتي يمكن تلخيصها جميعاً بـ (لعم) أي أنه موافق، ولكن دون أن يتخلى عن هدفه المعلن وهو القضاء على حماس وحكمها، ويشاركه في هذه الرؤية اليمين الديني الشعبوي في إسرائيل وبدرجة أقل المعارضة سواء الموجودة في حكومة الحرب أو خارجها. وقد اعتادت إسرائيل على استخدام معادلة التناقض (قبول ما يرفضه العرب، ورفض ما يقبلونه) طوال سنوات الصراع. أما الهدف الحقيقي لحرب الإبادة فهو شطب 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة من امتداده الفلسطيني إما بالقتل أو التهجير.
إسرائيل ليست معنية بالوصول لصفقة شاملة حتى وإن كانت هناك جملة من التحديات أمامها كالضغط لتحرير الأسرى بالتظاهرات الميدانية أو بالمعارضة السياسية؛ فهي تعمل على إعادة الاعتبار لنظرية الردع بعد أن تصدعت من خلال إبادة ما تبقى في قطاع غزة، وفي نهاية المطاف تعمل على إجبار الفصائل الفلسطينية بقبول ما عرضته وتم رفضه منذ شهور، بعد أن يكون عداد الخسائر البشرية والمادية قد تضاعف مرات ومرات؛ فلا يوجد ضغط دولي يجبر إسرائيل على دفع استحقاقات وقف الإبادة. ولا يمكن إجبار العالم أيضاً على دفع تكلفة عملية إعادة الإعمار.
الصفقة وديناميكية السياسة الفصائلية
إن الإنجاز الرئيس المنشود للفلسطينيين هو إقامة الدولة على حدود 4 حزيران 1967، وهو الهدف التوافقي للكل الفلسطيني رغم اختلاف البرامج السياسية، ولأن الظلم التاريخي والسياسي قائم منذ عقود لغياب العدالة الدولية، يناضل الفلسطينيون من أجل تحقيق الهدف بكل الوسائل والسبل المتاحة ضمن أدوات ووسائل نضالية متعددة، ورغم شرعية كافة الأدوات إلا أن المعادلة الفلسطينية يجب أن تقوم على “تقليل الخسائر الفلسطينية وتدفيع إسرائيل ثمن احتلالها”، ومراكمة الإنجازات لا الخسائر، وهذا يتطلب البحث عن كسر المعادلات الاحتلالية المدعومة من الغرب، بقراءة المعطيات المحلية والدولية، لشق مسارات وسياسات جديدة. لأن ثبات الموقف الفصائلي الحالي يعني استمرار الإبادة، وهو ما يعني الخسارة المحققة؛ فالسياسة ديناميكية لا تعرف الجمود. وهذا يقودنا إلى ضرورة توسيع الوفد الفلسطيني المفاوض بشكل يعكس توافقات فلسطينية جديدة، وتوفير حاضنة عربية لتكون قادرة على إقناع العالم وفتح مسارات جديدة، لوقف الإبادة وإعادة الإعمار.