فكرة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بحاجة إلى إصلاح، بقلم : د. محمد عودة
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن موضوع إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية حظي في الفترة الأخيرة بالكثير من الأفكار، والتي تم ترجمة بعضها إلى لقاءات دفعت الكثيرين من باب الحرص إلى الكتابة في كل المواقع والصحف في محاولة للإضافة حينًا والنقد أحيانًا كثيرة. وقد قمت بنشر مقال يصب في هذا الاتجاه في الصحيفة الإلكترونية لوكالة معا الإخبارية تحت عنوان “في الموضوع الوطني الضرورات لا تبيح المحظورات” وذلك بتاريخ 4/4/2024.
ولأهمية موضوع إجراء إصلاح بنيوي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا بد أن يكون ذلك على أسس معتمدة على فهم دقيق لتعريف الإصلاح البنيوي في المؤسسات الجامعة. حيث إن الإصلاح على قاعدة برنامج الجسم المراد إصلاحه يعتبر إصلاحًا بنيويًا يقتضي الانضمام إلى هذا الجسم والعمل من داخله على إصلاح بنيته، أما إذا كان الإصلاح من خارج الجسم المنوي إصلاحه فإن ذلك يعني انبثاق جسم جديد ربما لا تربطه أي صلة بالجسم القديم.
وانطلاقًا من كل ما سلف، لا بد من النظر بإيجابية إلى كل المحاولات التي جرت ولا زالت لإصلاح بنية منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة برنامجها السياسي والهادفة إلى تعزيزها وتأكيد دورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وتصليب موقفها من أجل إنجاز الحقوق المشروعة لهذا الشعب.
أما تلك المحاولات التي تعمل على الإصلاح من الخارج حتى وإن استخدمت أكثر الأدوات شرعية وهو الشعب الفلسطيني نفسه، فإن ذلك لا يعد إصلاحًا بل إيجاد جسم بديل قد تكون برامجه أكثر ارتباطًا بطموحات شعبنا الفلسطيني، أو ربما بغير قصد تصب هذه البرامج في مصلحة الاحتلال. وفي كلا الحالتين، لن تفضي نتائج الإصلاح من الخارج إلى إيجاد ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لأن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية محليًا ودوليًا كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني جاء في ظرف دولي مواتٍ غير متوفر في الظرف الراهن وبحجم تضحيات غير مسبوق.
كل ما يمكن إنتاجه في هذه الحالة هو شرذمة الوضع الفلسطيني أكثر مما هو مشرذم، وبالتالي سواء بقصد أم بغير قصد، تزويد الاحتلال بذريعة جديدة أن ليس هناك من يمثل هذا الشعب. يضاف إلى ذلك تعميق الصراع الداخلي بين شرائح المجتمع الفلسطيني التي بحكم طبيعة الإنسان تنتمي إلى عقائد مختلفة، وبالتالي قسمة الشعب بين الأجسام التمثيلية.
أما الطريقة الأمثل لإصلاح بنية منظمة التحرير الفلسطينية فيجب أن تعتمد على حوار جدي تقوم به فصائل العمل الوطني بما فيها حماس والجهاد الإسلامي يفضي إلى استيعاب كليهما داخل أطر المنظمة، يليها إجراء حوار مجتمعي مع كل شرائح المجتمع من مثقفين وأكاديميين ورجال اقتصاد غير محزبين للبحث في أفضل السبل لترميم مؤسسات ولجان المنظمة بما في ذلك المجلس الوطني.
إن القيام بذلك يحافظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني رغم سعي الأعداء لتقويض هذا التمثيل، ويضمن إسهام كل القوى والشرائح الفلسطينية في إجراء إصلاح جدي من الداخل سواء بنيوي أو برامجي يلبي طموحات الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. كما يضمن في الوقت نفسه مشاركة فعلية وبناءة لكل قوى المجتمع الحزبية والدينية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية للإسهام في إيصال رسالة إلى العالم تعبر عن الصورة الوحدوية الأكثر إشراقًا للممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ومن هنا، ومن أجل أن نختم هذه المحاولة، لا بد من توجيه نداء إلى كل أصحاب فكرة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أن أصلحوا الفكرة أولاً، ومن ثم نصلح معًا الإطار الأهم للشعب الفلسطيني وهو منظمة التحرير الفلسطينية.