المسؤولية الوطنية في ذكرى جريمة أحتلال أستيطاني واستمرار التطهير العرقي، بقلم : مروان اميل طوباسي
قبل البدء ، السؤال الهام الآن ، الا يستحق الأمر وما يجري اليوم من مجازر ومحارق وتصعيد عدوان الإبادة والتهجير الفاشي وما جرى منذ تسعة اشهر وما قبل طبعاً ، عقد لقاء عاجل يضم كافة القوى داخل وخارج منظمة التحرير والمستقلين ، بدل الإنتظار للقاء الصين ، والخروج بمبادرة سياسية واضحة متكاملة تحمي شعبنا والمقاومة ومشروعنا التحرري الوطني ، تتضمن تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في لقاء موسكو الشهر الماضي دون الحاجة الى تكرار الذات .
مبادرة وطنية سياسية يعلنها الاخ الرئيس ابو مازن بأسم شعبنا والكل الوطني تتضمن الرد الواضح على مبادرة بايدن وتعديلاتها الإسرائيلية والتواصل بذلك مع كافة اعضاء مجلس الأمن ؟ فنتنياهو يريد اشعال المنطقة والأمريكان ليسوا براء من ذلك . اما مسؤوليتنا الوطنية فهي واجبة الفعل فورا ولنترك المحاسبة والتقييم لشعبنا حين الانتخابات ليقرر هو ويحاسب ، فان الزمن لا ينتظر احدا .
ان ذكرى ٥ حزيران التي مرت علينا قبل ايام ليست “نكسة” كما يصفها البعض من حولنا ، إنها الذكرى ال ٥٧ لأستكمال المشروع الصهيوني العالمي بأحتلال أستعماري لمساحة ٢٢ % مما تبقى من أرض فلسطين التاريخية اضافة الى اراضٍ عربية أخرى .
إنها جريمة مكتملة الأركان قد ارتكبتها دولة إسرائيل الأستعمارية بمفهوم القانون الدولي بعد جريمة النكبة والتطهير العرقي ضد شعبنا قبل أكثر من سبعة عقود في عام ١٩٤٨ من خلال عصاباتهم الإرهابية التي أسست “لدولتهم” بهدف محاولات تنفيذ مشروعهم المتكامل بدعم قوى الأستعمار الغربي على حساب حقوق تاريخية وسياسية وقانونية لشعب اصلاني هو شعبنا الفلسطيني .
واليوم بعد تلك الجرائم المتنوعة والمستمرة شكلاً ومضموناً بحق شعبنا الفلسطيني وبحق الأعراف الدولية وتحديدا مبادئ حق تقرير المصير ، الحرية ، الديمقراطية والعدالة والسلام التي دفعت شعوب العالم تضحيات كبيرة من أجل ترسيخها بعد هزيمة النازية بالحرب العالمية الثانية وبشكل خاص في أوروبا وقبل ان تنقلب عليها الولايات المتحدة التي مارست الجرائم لاحقا بحق شعوب الأرض وهيمنت على النظام الدولي لخدمة رؤيتها ، تستمر الحركة الصهيونية بادواتها ومكوناتها المختلفة الاجناس والأعراق بتنفيذ أبشع جرائم عرفها التاريخ منذ ذلك الوقت بحق شعبنا وتلك المبادئ الانسانية السامية .
فلقد أصبحت هذه “الدولة” أن جاز تسميتها كذلك ، ترتقي في تكوينها بعد مفهوم الإستعمار إلى اشكال النظم الفاشية والفوقية الدينية العنصرية وتعيش ازمات عميقة وتناقضات متعددة الاتجاهات تنخر بالفكر الصهيوني نفسه الآن وبمكونات مجتمعاتهم المتباينة أصلا . فبالإضافة إلى كونها دولة احتلال استيطاني وابرتهايد وتطهير عرقي ، فهي دولة دون دستور أساسي ودون حدود معلنة وبنشيد وطني يقوم على أساس الكراهية والتحريض والقتل الدموي والإرهاب ضد الفلسطينين وأصولهم التاريخية ، وبالتالي لا اعرف اذا ما كان مصطلح ومفهوم دولة ينطبق على هذا الكيان ، سوى فرضه امرا واقعا ودون ان ينطبق مع القرار ١٨١ الأممي الداعي لأقامة دولتين .
انه كيان مصطنع وظيفي كولنيالي أقيم اساساً عام ٤٨ وتمدد عام ٦٧ على حساب حل المسألة اليهودية بالمجتمعات الأوروبية التي كانوا يعيشون فيها كجزء من شعوبها ، وفق رؤية تقوم على أساس الهجرة الأستيطانية والأحلال السكاني والتطهير العرقي لشعبٍ هو صاحب هذه الأرض ، وكاداة متقدمة للغرب الإستعماري لأجهاض تقدم العالم العربي وضرب نهوض حركة شعوبه القومية .
بعد هذه السنوات وضرورات استكمال مشروعنا التحرري الوطني الفلسطيني والبناء الديمقراطي ، فإن السؤال الذي يبرز الاَن هو ؛ كيف نبني نحن اليوم على تلك الأزمات وهذه العزلة المتزايدة التي يعيشها هذا الكيان ونعمقها خاصة في ظل تزايد مواقف اليهود حول العالم المناهضة لشكل وجوهر كيانهم الحالي ، وبدء تراجع الهيمنة الأمريكية وبدايات ظهور معالم نظام دولي جديد ومتغيرات واسعة وجذرية بالرأي العام الدولي وحتى في المواقف الرسمية لعدد من الدول وتعاظم مناهضة دولة الأحتلال ووقوفها في قفص العدالة الدولية لأول مرة ؟
اعتقد ان الإجابة على ذلك تكمن من خلال الضرورة لفهم المتغيرات الجارية بالعلاقات الدولية وصعود أقطاب دولية جديدة وتعاظم التضامن مع كفاح شعبنا الذي يحتاج منا مواقف واضحة من التشبيك معها والأرتقاء بمفاهيم واشكال التضامن الدولي مع الشعوب تحديدا من جهة ، ومن جهة اخرى ضرورة اكتمال الوحدة الوطنية لكافة مكونات شعبنا على قاعدة وحدة الأرض والشعب ووحدانية تمثيل منظمة التحرير باعتبارها جبهة وطنية عريضة والأرتقاء بدورها وتعزيز مكانتها وبناء مؤسساتها ديمقراطيا وانتخابيا باعتبار شعبنا هو مصدر السلطات ، حتى لا يبقى غياب ذلك مبررا للغرب استمرار حديثهم عن التجديد والمتجدد الذي يراد منه خدمة سياساتهم بالمنطقة وتنفيذ مشروعهم حول الشرق أوسط الجديد بادوات متعاونة في كامل المنطقة .
هذا يتطلب الابتعاد عن وهم مشاريع السراب الامريكي وعن استمرار جوهر مسلسل كليلة ودمنة للحوار الوطني والمصالحة ، كما والابتعاد عن مؤثرات من هنا وهناك لا تريد ان ترى شعبنا موحداً ، وبإعتماد برنامج وادوات كفاحية واضحة استنادا لقدرات شعبنا وتضحياته ورؤيته الراسخة نحو الوصول الى وحدة كافة مكونات شعبنا و الى حقنا بتقرير مصيرنا واستقلالنا الوطني وأسقاط نظام الفصل العنصري الأستعماري .
والان وقد تحول مضمون وشكل هذا الاحتلال الذي ظن البعض انه يتسم بطابع الاحتلال العسكري المؤقت عام ٦٧ وما سمي “بالنكسة”، الى تنفيذ شمولية المشروع الصهيوني الأستيطاني والأحلالي منذ فترة طويلة، بل منذ بدايته وفق مخططات الحركة الصهيونية ، فلا يمكن القبول باستمرار العلاقة التعاقدية معه وفق الاتفاقيات الموقعة والتي لم تلتزم بها دولة الأحتلال ، بل وتنكرت لها واعتبرها نتنياهو لاغية منذ زمن . وانما بضرورة صياغة هذه العلاقة على اساس كفاحي تقوم على التحرر الوطني أسوة بكل شعوب الارض التي تحررت ، والحاق الهزيمة بمشروعهم الهادف لاستدامة الأحتلال التوسعي بأشكال مختلفة .
كما ان اعتبار هزيمة الجيوش العربية “نكسة” عام ٦٧ كانت محاولة لاخفاء الأثر الفادح القادم من استكمال الأحتلال ، وذلك قبل ان تاتي ملحمة الكرامة ليعيد الفدائيين ومقاتلين الجيش الأردني فيها جزء من المفقود منها منذ عام ١٩٤٨ .
لم يكن مخطط له بان يكون احتلال عسكري مؤقت او ان يتسم بهذا الواقع امام حقيقة الامر الذي تنطبق عليه مواصفات القانون الدولي أو قوانين الحروب . فبعد ٥٧ عاما لم يعد مؤقتا لأغراض عسكرية ، وبعد ٥٧ عاما يعملون لان يكون مستداما بوجود قرابة المليون مستوطن صهيوني أو أقل بقليل في مناطق تم احتلالها عسكريا عام ٦٧ يعيشون وفق نظام قانوني خاص بهم تجسيدا لنظام الابرتهايد ، فيمارسون الإبادة الجماعية والتطهير العرقي حتى لا يتم وصف كيانهم على كامل ارض فلسطين التاريخية لاحقا وفق رؤيتهم الصهيونية التوراتية بنظام فصل عنصري ، بحيث يتخلصون من شعبنا اما بالقتل او الترحيل او التهجير ليبقى كيانهم هذا يهودي خالص وفق خطط الحسم المبكر القديمة الجديدة .
في هذه الذكرى التي تاتي اليوم في ظل ارتكاب أبشع جرائم التطهير العرقي والمحارق والأبادة والتدمير الذي يراد بها جعل غزة مكانا غير قابل للحياة كما في مخيماتنا وبكل فلسطين ، يصمد اهلها باصرار رغم التضحيات الكبيرة حتى تبقى بهم ويبقون بها قابلة للحياة والأنتصار ، فهل يرتقي الكُل الوطني بالمفهوم وبالأداء الى مستوى ذلك ؟