روبوت بدرجة مواطن.. بقلم : عبد الرحمن الخطيب
شاركت في الأيام الأخيرة بأكثر من نقاش تقني أو قانوني حول الروبوتات والتشريعات الناظمة لها ولعملها وما لها من حقوق ومن واجبات.
وسنسرد في مقالنا هذا بعض الاأمثلة على ذلك حول العالم، فمن كان يظن أن العالم الذي كنا نشاهده في أفلام الخيال العلمي أصبح حقيقة؟ نعم، نحن نتحدث عن الروبوتات التي تجوب شوارعنا، تدخل منازلنا، وتشارك في مختلف جوانب حياتنا اليومية في المنزل وخارجه، في العمل وغيره.
ولتوضيح ذلك، دعونا نتخيل عالماً، حيث يمكن للروبوتات الحصول على بطاقة هوية وطنية! وربما حتى التصويت في الانتخابات! هل يمكن أن نشاهد روبوتاً مرشحاً لانتخابات البرلمان؟ دعونا نلقي نظرة على الموضوع بجدية وبعضاً من الفكاهة في آن واحد.
تخيل أنك في يومٍ من الأيام تذهب إلى المستشفى للعلاج، وتُفاجأ بأن الطبيب الذي سيعالجك ليس سوى روبوت مبتسم يرتدي لباساً أبيضاً، لا تقلق، فهو ليس روبوتًا شريراً Terminator، بل هو لطيف يتمتع بقدرٍ عالٍ من المشاعر، ومتخصص يعرف كل شيء عن جسدك، من خلال تحليل بياناتك الصحية المتاحة على السحابة الإلكترونية منذ أيام وسنين.
لقد أصبحت الروبوتات الطبية موجودة بالفعل في بعض المستشفيات حول العالم، تقوم بإجراء الجراحات المعقدة بكل دقة واحترافية، وتقديم التشخيصات الصحيحة بناءً على كم هائل من البيانات.
أما إذا كنت قد ارتكبت مخالفة مرورية وتوجهت إلى المحكمة، فلا تستغرب إذا وجدت القاضي روبوتًا آخر يرتدي عباءة سوداء ويحمل مطرقة العدالة.
في إستونيا، تم تجربة استخدام الروبوتات باتخاذ القرارات القانونية في قضايا بسيطة. وبهذا، يصبح بإمكانك أن تتوقع أن القاضي الروبوت لن يتأثر بعواطف أو رشوة، وسيصدر حكمه بناءً على الحقائق والقوانين فقط.
بالطبع، وجود الروبوتات في حياتنا يتطلب وضع تشريعات تضمن تفاعلها بشكل سليم وآمن مع البشر. فعلى سبيل المثال، يجب أن نضمن أن الروبوتات لا تنتهك خصوصيتنا، ولا تتسبب في أي ضرر جسدي أو نفسي للبشر. هنا يأتي دور القوانين التي تنظم حقوق وواجبات الروبوتات.
في أوروبا، هناك مبادرات جادة مثل “القانون الأوروبي للروبوتات” الذي يسعى إلى تنظيم تفاعل الروبوتات مع البشر، وضمان احترامها لحقوق الإنسان. تتضمن هذه القوانين مسؤوليات الشركات المصنعة عن أي أضرار قد تسببها الروبوتات، وتحديد معايير السلامة والأمان التي يجب أن تلتزم بها.
أما في اليابان، حيث تعتبر الروبوتات جزءًا أساسيًا من المجتمع، فهناك قوانين تضمن أن الروبوتات تحصل على “حق الصيانة”، بمعنى أنه يجب على الشركات المصنعة توفير الدعم الفني والصيانة اللازمة للروبوتات طوال فترة خدمتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك تشريعات تضمن ألا تتسبب الروبوتات في فقدان الوظائف للبشر بشكل كبير، عبر برامج تدريبية تهدف إلى دمج البشر والروبوتات في بيئة عمل مشتركة.
والآن، بعد أن استعرضنا هذه الأمثلة، هل يمكنك تخيل مستقبل حيث يكون للروبوتات حقوق وواجبات مثل المواطنين؟ ربما يكون لدينا يوماً ما روبوت مرشحاً عن حزب ما يمثلنا في البرلمان! كل هذا معتمد على مدى تطورنا في وضع القوانين والتشريعات المناسبة التي تضمن تعايشاً آمناً ومنصفاً بين البشر والروبوتات.
لا يمكننا أن ننسى الجانب الأخلاقي في هذه المعادلة. فمع كل هذه التطورات، يجب علينا أن نضمن أن الروبوتات لا تستخدم في أغراض ضارة أو تهدد وجود البشر. يجب أن نضع حدودًا واضحة بين ما يمكن وما لا يمكن أن تقوم به الروبوتات، وذلك لضمان أننا نبني مستقبلاً يسوده التفاهم والتعاون بين الإنسان والآلة.
باختصار، الروبوتات ليست مجرد آلات بلا روح، بل هي جزء من مجتمعنا المتقدم. ولضمان هذا التعايش السلمي والمثمر، علينا أن نكون مستعدين لقبول الروبوتات كمواطنين صالحين، مع كل ما يتطلبه ذلك من حقوق وواجبات. فلنستعد إذن لعالم جديد مليء بالمفاجآت والابتسامات، حيث يكون الروبوت جارًا، زميلًا، وربما حتى صديقا!
عبد الرحمن الخطيب
*مختص بتقنية الذكاء الاصطناعي