بماذا اختلفت “مسيرة الأعلام ” هذا العام عن سابقاتها، بقلم : راسم عبيدات
هذا العام أتت ما يعرف مسيرة الأعلام في مدينة القدس ،والتي تحرص الجماعات الإستيطانية والتوراتية على اقامتها في مدينة القدس بشكل سنوي في ذكرى استكمال ضمها وإحتلالها للقسم الشرقي من المدينة…تحت شعارات بأن ” القدس عاصمة اسرائيل الموحدة” ،وهي غير قابلة للقسمة من جديد ،وهي لن تخضع لأي سيادة ” اجنبية” بلغة رئيس وزراء ” اسرائيل” نتنياهو …ولعل هذه المسيرة هذا العام، أتت في ظل حرب شاملة تشن على الشعب الفلسطيني،وإن كانت درجة ” تغولها” و” توحشها” في قطاع غزة تتجلى بشكل أكبر وأوضح، ولكن نفس المخطط والمشروع يستهدف القدس والضفة الغربية،طرد وتهجير وإقتلاع …ولعل اليمين المتطرف والصهيونية الدينية والقومية،حرصوا في مسيرة هذا العام،التي دعوا انصارهم واعضائهم وقياداتهم الى أوسع مشاركة فيها …أن تجري بهذا الشكل من باب السعي لتأكيد وحسم السيادة والسيطرة على مدينة القدس والتشديد على انها ستبقى خارج أي حلول سياسية،في رسالة واضحة الى الشعب الفلسطيني والى كل المطبعين العرب والى اعضاء حلف ” سديه بوكر” الأمني في النقب،التطبيع والتنسيق الأمني والتنازلات المجانية والهبوط السياسي والإستجداء،لن يجعلنا نقدم “تنازلات” في إطار الإستعداد لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ 1967،ولن يكون هناك شيء اسمه،قدس عاصمة للدولة الفلسطينية،ضمن ما يعرف بسيادة وسيطرة ” اسرائيل” ،وهذه المسيرة التي تقدمها قادة الأحزاب الصهيونية الدينية والقومية سموتريتش وبن غفير وغيرهم من اعضاء كنيست ووزراء وحاخامات …والتي كان هناك إصرار على ان يكون مسارها وبموافقة الشرطة ” الإسرائيلية” من منطقة باب العامود،والتي كان السعي لتهويدها واحد من الأسباب التي أدت الى معركة ” سيف القدس” في ايار/2021 ،حيث انطلقت الصواريخ من قطاع غزة،تلك الصواريخ التي عملت على تفريق تلك المسيرة ومنعها من السير والدخول الى القدس من باب العامود .
هذه المسيرة التي استبقت بعمليات اقتحام واسعة للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين وقياداتهم،حيث اقتحمه أكثر من 1600 متطرف ،وهم يطلقون الهتافات والشعارات العنصرية والمتطرفة “الموت للعرب ” و”محمد مات” وتوجيه الشتائم والسباب للعرب ويعتدون على التجار ويجبرون على اغلاق محلاتهم الواقعة ضمن مسارات تلك المسيرات المتلاحقة، ناهيك عن الإعتداء على الصحفيين والمصورين والمواطنين الفلسطينيين..وتقدم عمليات الإقتحام للأقصى عضو الكنيست السابق موشيه فيجلين وعضو الكنيست عن الصهيونية القومية يتسحاق كروزر ووزير ما يعرف بتهويد النقب والجليل يتسحاق فاسرلاف،ووزير الزراعة السابق اوري ارئيلي..حيث ادوا طقوس تلمودية وتوراتية في ساحاته ورقصوا وغنوا ورفعوا العلم” الإسرائيلي”،وقال بن غفير علينا ان نضربهم في أكثر نقطة اهمية لهم وأكثر قدسية،حتى يرتدعوا ولا يجوز لنا ان نتراجع امامهم،وفي هذا العام حرصوا على اقتحام الأحياء العربية في المدينة،لكي يقيموا طقوس تلمودية وتوراتية والرقص والغناء فيها،بطن الهوى في سلوان وحيي الشيخ جراح والطور وجبل المكبر وغيرها من الأحياء المقدسية…وفي وقت سابق لهذه المسيرة،اقتحم بن غفير المسجد الأقصى لتأكيد السيادة والسيطرة عليه،وكذلك ذهب الى اقتحام حي الشيخ جراح لاحقاً للمشاركة فيما يعرف بعيد الشعلة،الذي جرى نقل الإحتفال به من بلدة ميرون على جبل الجرمق شمال غربي مدينة صفد،الى الشيخ جراح لأهداف ليست أمنية فقط،بل لها علاقة بأهداف في الجوانب الإستيطانية والتهويدية لحيي الشيخ جراح الغربي والشرقي،وكذلك لأسباب سياسية تتعلق بالسيادة والسيطرة على القدس ك” عاصمة أبدي” ل” اسرائيل”.
مسيرة الأعلام لهذا العام يريدون من خلالها ان يدشنوا مرحلة جديدة ،مرحلة الحسم بالقوة على المدنية،مستخدمين كل فائض قوتهم في هذا الجانب،بتغيير واقعها الجغرافي والديمغرافي ومشهدها الكلي،بحيث يبدو يهودياً تلمودياً توراتياً بدل المشهد العربي الإسلامي – المسيحي.،وكذلك العبور بالمسجد الأقصى في ظل حالة ” الموات” العربي الإسلامي من الزمن الإسلامي الى الزمن اليهودي ،موظفين كل المناسبات والأحتفالات والأعياد القومية والدينية لتحقيق هذا الغرض والهدف الذي تعمل عليه الحكومة والدولة وأجهزة الأمن والحاخامات من مواقعها المختلفة.
الحرب على المدينة شاملة وبدون توقف،فلعل الإنشغال بما يجري في قطاع غزة،مع التصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية،عبر سياسات الضم والتهويد وتسليح المستوطنين،وقيامهم بشن حرب شاملة على المواطنين الفلسطينيين،بالإستيلاء على اراضيهم وحرق محصولاتهم وقطع اشجارهم وسرقة اغنامهم ومواشيهم وكذلك حرق بيوتهم وممتلكاتهم،والقيام بعمليات إطلاق نار عليهم والتي تسببت في قتل العديد منهم واصابة العشرات،تحت سمع وبصر الجيش ” الإسرائيلي”،يؤكد بأن مخطط الإقتلاع والطرد والتهجير واحد في كل فلسطين التاريخية.
المدينة لم تتعرض فقط للإستباحة هي واقصاها وساحاتها واسواقها وبلداتها من قبل هؤلاء المتطرفين المشبعين بالحقد والكراهية ونفي الوجود للشعب الفلسطيني، بل هناك خطوات عملية يجري تنفيذها لتكريس واقع جديد في المدينة، نامل ان تصحوا القيادة السياسية الرسمية الغائبة عن الوعي والمنفصلة عن الواقع،وعدم الإستمرار في ترديد اسطوانتها المشروخة عن ما يعرف بالشرعية الدولية وحل الدولتين،هذه الشرعية التي لا تقيم لها ” اسرائيل” أي وزن،بل تخرقها ليل نهار،فهناك امريكا ومعها دول الغرب الإستعماري،توفر لها الحماية القانونية والسياسية في تلك المؤسسات،وتفصل القانون الدولي على مقاساتها،وأي مؤسسة دولية، تخرق او تتمرد على الموقف الأمريكي، وتمس ب” البقرة المقدسة” باتخاذ قرارات ضدها او فرض عقوبات عليها لخرقها السافر للقانون الدولي،اللجنة الإنضباطية في مجلس الشيوخ الأمريكي جاهزة لفرض عقوبات عليها،كما حصل بحق محكمة الجنايات الدولية التي اصدرت أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية،فرئيس المحكمة جرى تهديده من اعضاء بارزين في الحكومة الأمريكية واعضاء من الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين،والقول له بأن ” اسرائيل” تعتبر “البقرة المقدسة” التي يجب ان لا تمس او يتم الإقتراب منها،وبأن هذه المحكمة اقيمت فقط من اجل محاكمة الأفارقة والرؤوساء البلطجية من امثال الرئيس بوتين،ويجب عليها ان لا تقترب من امريكا ودول الغرب وحلفائها مثل ” اسرائيل”.
وعلى خلفية الإعترافات للعديد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية مثل اسبانيا وايرلندا والنرويج وسلوفانيا،تقدم عضو الليكود زئيف اليكن الى الكنيست بمشروع قرار يحظر اقامة بعثات دبلوماسية في القسم الشرقي من المدينة،تقدم خدمات لغير اليهود ” الأجانب ” والمقصود هنا الفلسطينيين.حيث جرى الموافقة على مشروع القرار هذا،لكي يجري رفعه للجنة الدستور،للتصويت عليه بالقراءات الثلاث لإقراره في الكنيست.
وهنا من المهم جداً التطرق الى ما جرى اتخاذه بحق وكالة الغوث واللاجئين ” الأونروا” في مدينة القدس والتي تقدم خدماتها لللاجئين الفلسطينيين،حيث جرى اغلاق مقرها الرئيسي في الشيخ جراح،بعد عدة اعتداءات نفذها المستوطنين بحقه،وتهديدات للعاملين فيها للمس الجسدي بهم.،ولكي تطالب دائرة ما يعرف بأراضي ” اسرائيل” وكالة الغوث واللاجئين “الأونروا” بمبلغ 36 مليون شيكل كأجرة عن استخدام ارض بطريقة غير مشروعة،وليصار بعد ذلك لإتخاذ قرار في الكنيست بالقراءة التمهيدية، بإعتبار الوكالة منظمة غير مشروعة،لا يجوز التعاطي أو اقامة علاقات معها،في تصفية واضحة للوكالة وخدماتها ومؤسساتها،ليس في مدينة القدس،بل في الضفة والقطاع،وبما يعني تصفية هذا الشاهد على ما لحق بشعبنا من ظلم ونكبة.
الحرب الشاملة على مدينة القدس،لن تقف عند حدود “مسيرة الأعلام” هذا العام،بما حملته من رسائل واضحة …حسم السيادة والسيطرة على مدينة القدس،السعي لتكريس اغلبية يهودية فيها، وتفريغها من أي مؤسسات دولية وبعثات دبلوماسية،تذكر بوجود الإحتلال في المدينة،والتمهيد للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى بإلغاء الوصاية الأردنية وسحب الإشراف الإداري للأوقاف عليه، والإنتقال به من الزمن الإسلامي الخالص الى الزمن اليهودي،وبما يخرجه من قدسيته الإسلامية الخالصة ،نحو قدسية مشتركة إسلامية – يهودية في البداية ،لحين توفر الظرف المناسب لذبح البقرة الحمراء في ساحاته ،وتدشين إقامة ما يعرف بالهيكل الثالث عملياً.
فلسطين – القدس المحتلة