ديمقراطية تحت لهيب الانتقائية والازدواجية والتضليل..!!بقلم : مرام هواري
في عقد يدور فيه الحديث عن حقوق انسان وديمقراطية بخطاباتها الرنانة وشعاراتها البرّاقة المثيرة للاعجاب، وفي كنف ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين يبدأ العد التنازلي لانهيارها واقترابها من حافة الهاوية الساكنة فيه أصلاً منذ سنوات، في بلاد المال والفرص معقل العلمانية والليبرالية، حيث الغاية تبرر الوسيلة شعارها، والحقوق لمن يستطيع اليها سبيلاً نهجها، لتُمنى بضربة قاضية في صورتها من أبناء جلدتها وأقرب الناس اليها، لتخليها عن مبادئها بعد هبوطها الى ادنى مستوى من الإنحطاط وهي تدافع عن إبادة شعب على يد أيديولوجيا عنصرية دينية، تُعرّف على انها واجهة الغرب وامتدادها الحضاري، منذ ستة وسبعون عاماً.
لتسقط اليوم سقوطاً مدوياً آخر ورقة من أوراق الزيف التي تنادي به حارسة الازدهار كما تدّعي، والتي على ما يبدو غلبها النعاس، غافلة ومتغافلة عن الدساتير والشرائع والقوانين التي ما لبثت تستعرضها وتتباهى بها، لتتحول مهد الحريات اليوم الى مسرح للعنف بلا قيود في جامعاتها وكلياتها، مكشرةً عن أنيابها، ملقية في القمامة انسانيتها، وهي التي لطالما اعتبرت نفسها معمل الديمقراطية والحارس اليقظ والمدافع الشرس عن مبادئها، حتى بدا للعالم أن النهر قد يملك أحياناً تغييراً لمجراه، وكيف لا وبقاء الحال على حاله بات اليوم من المحال…!
لتتجلى وتنوب عنها الديكتاتورية بأبهى صورها، حيث الحديد والنار سلاحها، والنازية الجديدة عنوانها، التي بدت تزحف لتطمر خرافات وتصحح أوضاع المفاهيم الإنسانية لديها، حتى تمكنت ببراعة من اضافة وحشو وحذف واخفاء ما يناسبها وما لا يناسبها، في حرب باتت تخطف الارواح، تفترس آلاف الاطنان من اللحم البشري كل يوم لشعب أعزل يموت ويُسحق حياً دون تحريك ساكن أو تسكين متحرك…!حتى انهارت معها كل المعايير الدولية والأخلاق، لتعود معها شريعة الغاب والبقاء للأقوى وثقافة الإفلات من العقاب. وهذا ظهر جلياً في تصريح لمسؤول بالخارجيه الامريكيه معترضاً على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين من الكيان الصهيوني بالقول ان هذه المحكمة تم انشاؤها من اجل الأفارقة وروسيا وليس لمحاكمة اسرائيل، وكأن التاريخ يعيد نفسه فنستذكر الشاعر جبران خليل جبران حينما قال : ” وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا بِهِ….وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا”.
فواقعياً وخلافاً للصمت العربي الذي لا نعرف له أسباب ها هو النظام الأمريكي-الغربي بعنصريته العميقة والراسخة التي تمنعه من النظر للشعوب المستضعفة على انها بشر، كان ومازال يتعامل مع المشهد الاقليمي عموماً وحرب غزة على وجه الخصوص بالشوكة والسكين وبانتقائية باهتة وبائسة ومقيتة، حيث نرى ونسمع بما لا يدعو للشك كيف ان ديمقراطيتها المزعومة تُداس اليوم بالأقدام عندما يتعلق الأمر بحلفائها، فبمجرد ان يدق جرس الانذار في بلد غربي يُسمع صوته وتهب لنجدته كل دول العالم، فنراها تحضر وبقوة حينما يتعلق الأمر بتظاهرات المثليين مثلاً، التي تصبح فجاة مضطهدة تستحق الحماية والتعاطف، بالمقابل تَحضُر ديكتاتوريتها لنصرة حلفائها ظالمة او مظلومة، في حين تتعامل مع المظلوم من شعوب أخرى بآذان صماء، مشهرة سيف اللاسامية في كل من يجرؤ او يفكر حتى بالانتقاد، لتسقط تباعاً كل الاوهام التي صدقها العالم يوماً وعاشها في واحة الحريات.
الا ان صوت الحقيقة يأبى الا ان يقف للباطل بالمرصاد امام حرب مازالت على وتيرة مرتفعة من الوحشية والإجرام، والذي بدأ يطل برأسه ويتجلى بسؤالٍ نسأله وفي القلب غصة “هل ستشرق شمس العرب من الغرب….؟! ” تحديداً من جامعاتها وطلابها جنود الانسانية التي أخرجتهم حرب الابادة والتجويع عن مقاعد الدراسة “كسفينة نوح في الطوفان”…. في وجه مذابح قد أُنجزت واخرى قيد الإعداد، وليهشموا كل ما روجته حكوماتهم على مدار مئة عام، والتي لطالما حاولت عبثاً طمس القضية الفلسطينية ومأساة اهلها، التي بدت تماماً كمن يحاول دحرجة صخرة صعوداً الى قمة جبل.
الا ان التطور اللافت والمفارقة الفاضحة في هذا السياق كان بظهور حركات طلابية من اليهود أنفسهم لمساندة التحركات الداعمة لفلسطين، بينما العرب و دول الخليج وتحديداً بلاد الحرمين وقِبلة المسلمين العائمة على بحار من النفط والغاز والقادرة على انارة العالم وتدفئته تأبى وتخشى وربما تعجزعن تحريك عربة اسعاف لجيرانها بالعروبة والدم ولو بقطرة غاز.في طريقها للتطبيع والخنوع والاستسلام.
فالحقيقة المرة والمريرة التي نعيشها اليوم نحن الشعوب العربية المسلوبة الارادة والقرار والبعيدة مسافات ضوئية عن ركب الحضارات، حيث حرية الرأي فقط في الاحلام والخروج عن المقرر من المحرمات، والطاعة العمياء نهجاً وسبيلاً للعيش بسلام حتى اصبح وجودنا كعدمه في ظل حكام ورؤساء ليس بمقدورهم نفخ ريشة في وجه الظلم والاستبداد، ماهرون بتعليم الأجيال فضيلة الصمت والاستسلام، حتى لم يعد لصوتنا صدى تسمعه الآذان، فلا يسمع عندنا الا صوتاً واحداً ومتحدثاً واحداً ورأياً واحداً الا وهو صوت ولي الامر من الحكام، الذين يكدسوننا في سجون كبيرة تسمى مجازاً بالأوطان، وكفى المؤمنين شر القتال…الا ان أمام هذه اللوحة السوداء التي تزداد حلكة وسواداً يوماً بعد يوم ما تزال هناك نار مضيئة بل ومشتعلة تحت الرماد…!