العنف القائم على النوع الاجتماعي ، بقلم : دينا الأمير
العنف الاقتصادي ضد المرأة
يعدّ العنف ضد المرأة أحد أكثر الانتهاكات انتشاراً واستمراراً في العالم، وهو عنف قائم على النوع الاجتماعي ويوجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة. وعلى الرغم أن المرأة أثبتت كفاءتها في شتى المجالات، ورغم محاولات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان السعي لتقليص هذه الظاهرة، إلا أن ذلك لم يمنع من تعرضها للعنف بمختلف أشكاله. إن العنف يرسخ الجهل ويمتد أثره على الأسرة والمجتمع ككل، ويلحق بالمرأة أضراراً جسدية واقتصادية ونفسية خطيرة ويشكل عائقاً أمام تقدمها ويعطل قدراتها بما يعود عليها وعلى المجتمع بالفائدة.
عرّفت المادة (1) من الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم 48/104 عام 1993 مصطلح العنف ضد المرأة بأنه “أي عمل من أعمال العنف القائم على نوع الجنس والذي يترتب عليه، أو من المحتمل أن يترتب عليه، أذى جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بالإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في مكان عام أو الحياة الخاصة”.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعد العنف الاقتصادي نوعاً من أنواع العنف المنزلي الممارس ضد النساء، ويظهر في العديد من المجتمعات، ويختلف عن الأشكال التقليدية للعنف كالإيذاء الجسدي أو المعنوي، وهو عادة يرتكب ضد النساء العاملات سواء كانت المرأة زوجة أو أخت أو ابنة، ويهدف إلى منع النساء من استخدام أو التصرف أو استغلال مواردهن المالية والاقتصادية. ويعتبر العنف الاقتصادي من أقلّ أنواع العنف المبلغ عنه، لذا لا توجد إحصائيات أو أرقام محددة حوله. وينص قرار الجمعية العامة المتعلق بالقضاء على العنف العائلي ضد المرأة 58/147 على ما يلي: “إن العنف العائلي يمكن أن يشمل الحرمان الاقتصادي والعزلة، وأن مثل هذا السلوك قد يسبب بالغ الأذى لسلامة المرأة أو صحتها أو رفاهتها”.
تتعدد أشكال العنف الاقتصادي ضد المرأة بشكل عام وضد الزوجة بشكل خاص وتتمثل في منعها من التعليم أو إكمال الدراسة مما يقلل من فرص العمل مستقبلاً، أو الحرمان من العمل أو اختيار نوعية العمل – خاصة إذا كانت المرأة تريد العمل لرعاية والديها مثلاً – أو السماح لها بالعمل بشرط حصول الزوج على جزء من راتبها، أو يتم استغلالها في العمل المنزلي ورعاية الأسرة بدون أجر، أو صرف أموالها والسيطرة على ممتلكاتها بدون رضاها، أو استخدام العنف الجسدي والتهديد لإجبارها على التخلي عن أموالها. إن التحكم في القرارات المالية للمرأة يؤثر على حياتها ومستقبلها وصحتها وسلامتها وكرامتها، وينتهك حقوقها ويهمشها ويقلل من دورها في المشاركة الاقتصادية ويجعلها معتمدة كلياً على الغير، كما يحد من قدرتها على التمتع بالحرية والاستقلال.
إن النهوض بأوضاع المرأة وتمكينها اقتصادياً وحمايتها من العنف الاقتصادي والعمل على المساواة بين الجنسين هو حق إنساني أساسي، ويتماشى مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) حيث تنص المادة 15 على: “المساواة في حقوق المرأة في إبرام العقود وإدارة الممتلكات”، والمادة 16 “المتعلقة بحق المرأة المتزوجة في حيازة الممتلكات وإدارتها والتصرف فيها على قدم المساواة مع الرجل”. كما أنه يتماشى مع خطة التنمية المستدامة الـ 17 لعام 2030 وعلى وجه الخصوص مع الهدف الخامس الذي يدعو إلى “منح المرأة حقوقاً متساوية في الموارد الاقتصادية، وكذلك في الوصول إلى الملكية والتحكم في الأراضي وغيرها من أشكال الملكية، والخدمات المالية، والميراث والموارد الطبيعية، وفقاً للقوانين الوطنية” والهدف الثامن بشأن “تعزيز النمو الاقتصادي المتواصل والشامل والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، والعمل اللائق للجميع”.
ولتخفيف معاناة النساء من العنف الزوجي الاقتصادي وما يصاحبه من صعوبة التبليغ عنه لاعتبارات عديدة، وللتقليل من انعكاساته الخطيرة على الأسرة والمجتمع، يجب تثقيف وتوعية المجتمع بحقوق المرأة وتغيير الثقافة السائدة التي تعزز العنف الاقتصادي ضد المرأة. كما يجب حماية النساء وتقديم المشورة القانونية والنفسية للاتي يتعرضن للعنف، وإشراك المرأة تشجيعها للانخراط في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن إنهاء العنف ضد المرأة بجميع أشكاله يسهم في بناء مجتمع أكثر تقدماً وعدالة وتنمية مستدامة للجميع.