محرقة الخيام هولوكوست فلسطينية من يوقف شهوة القتل وجنون المحتل؟ بقلم : سماح خليفة
“العربي الجيّد هو العربي الميّت”، “أقتلوهم…أبيدوهم بلا رحمة من أجل أمن إسرائيل”، تلك فتاوى من بين العديد من الفتاوى الأخرى لحاخامات إسرائيل تحض الجنود الإسرائيليين على قتل الفلسطينيين واقتراف المجازر بحقهم، حتى أصبحت شهوة القتل “عقيدة عسكرية” لدى جيش الاحتلال وفي ثقافته، فكان له سجل طويل في ذلك، آخره “محرقة الخيام” في اليوم 234 للحرب على غزة.
ضربت تلك العقيدة جذورها في عقلية اليهودي من خلال «الغيتو» الذي ساد قبل الحرب العالمية الثانية بكثير، ومنه ركزت جهودها على خلق اليهودي الحاقد، وترجمت هذا الحقد فيما بعد على “العربي الذي لا يستحق الحياة”، وهذا ما يفسر الأعمال الإجرامية التي بدأت في فلسطين قبل ستة وسبعين عامًا، حيث ارتكبت عصابات الهاجاناه أكثر من مئة وعشرين مجزرة، “لتطهير” فلسطين من أهلها في نكبة عام 1948م، ولم تكن مجازر الطنطورة والدوايمة ودير ياسين إلّا مجرد نماذج لتلك العقيدة التي تطورت فيما بعد على يد عصابة أسسها الحاخام ”شتاينليزتس” وأطلق عليها اسم حركة “هسنهدرين هحداشا”.
إن هذه الشهية المفتوحة على القتل وارتكاب أفظع المذابح والمجازر، تثير تساؤلًا لدى كل إنسان بفطرته السليمة عن أسباب هذه الوحشية في العقيدة الصهيونية المخالفة للفطرة الإنسانية، ولعل وهج التساؤل يخف إذا ما نظرنا بعمق في التربية الصهيونية التي تركز على الجانبين الديني والفكري، حيث تختار الهيئات المتخصصة في الجانب الديني نصوصًا من التوراة والتلمود (المحرّفة)، بعيدة كليًّا عن مفاهيم العبادات، وتركز فقط على الحروب، وتقوم بتحفيظها للطلبة، فضلًا عن علاقة اليهود بـ “أعداء إسرائيل”، “المجرمون الخونة القتلة” من الكنعانيين العرب والفلسطينيين والعمالقة، وغيرهم من بطون الشعب العربي القديم، الذي عاش في المنطقة منذ فجر التاريخ البشري على الأرض، ووجوب إبادتهم. وأما فكريا فهي تظهر تفوق اليهود، حسب ادعاءاتهم، فهم “شعب الله المختار” الذي لا يعادله شعب آخر، ويجب أن يعيش فوق الأرض المقدسة وحدة، وبمرتبته العليا، لا يتساوى مع البشر وخاصة العربي بمرتبته الدنيا، المسخّر لخدمة اليهودي.
تلك العقلية النسقية دفعت جيش الاحتلال إلى استهداف “منطقة آمنة” بقصف مخيمات النازحين في منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، بالقرب من مخازن الأمم المتحدة للمساعدات، وإشعال النيران في خيام المدنيين البلاستيكية، مما أدى إلى حرق الناس أحياء بشكل مأساوي، واستشهاد أكثر من 45 فلسطينيًّا، وجرح 249 آخرين.
الفلسطيني يعاقَب بذنب “هتلر” ويعيد المحتل في فلسطين حقبة الهولوكوست، الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها ملايين اليهود فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) على يد الحكم النازي في ألمانيا. المحرقة اليهودية تتحول إلى محرقة فلسطينية، والتعهد الذي قطعته الدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأن الهولوكوست “لن تتكرر أبدًا”، لم تلتزم به، بل نجد الهولوكوست تتكرر كل يوم في فلسطين، وستتسع رقعة الهولوكوست إذا ما استيقظ العالم من سباته وخرج عن صمته.
على العالم فرض عقوبات فورية على إسرائيل، لإجبارها على تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الخاص بوقف هجومها على رفح، في الوقت الذي تتنكر فيه إسرائيل لقرار المحكمة وتقصف خيام نازحين عزل لا يملكون شيئا للدفاع عن أنفسهم، وتحرقهم وهم أحياء بوحشية لا مثيل لها، وهذا إنما يعبر عن فشل إسرائيلي عسكري وسياسي وعن روح انتقامية خطيرة، وجنون حكومة بنيامين نتنياهو الإرهابية، وهذا الجنون الإسرائيلي لا يمكن إيقافه إلّا بفرض عقوبات على إسرائيل لردعها، وإيقاف تزويدها بالأسلحة، ومساءلة الدول الغربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وعن القانون الدولي، وتغيبها وهي تشاهد إسرائيل تقصف الفلسطينيين أحياء.
لن تنتهي الهولوكوست ولن ينتهي جنون إسرائيل دون ضغوط خارجية، وفرض عقوبات عليها وتعليق الاستثمارات والاتفاقيات والتجارة والشراكة معها، فالعالم يشهد تحديها الصارخ للقانون والنظام الدولي، والتسبب في مجاعة أهل غزة مع العلم أن المساعدات موجودة على بعد عشرات كيلومترات من المدنيين الذين يعجزون عن الوصول إليها، بسبب وجود التحديات المستمرة التي تواجه تلقي المساعدات وتسليمها في قطاع غزة، بما في ذلك عمليات التفتيش التعسفية المعقدة والقيود المفروضة على الوصول من قبل السلطات الإسرائيلية، فضلًا عن استهداف المستوطنين لها.
المحرقة اليهودية تتحول إلى محرقة فلسطينية، والتعهد الذي قطعته الدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأن الهولوكوست “لن تتكرر أبدًا”، لم تلتزم به، بل نجد الهولوكوست تتكرر كل يوم في فلسطين، وستتسع رقعة الهولوكوست إذا ما استيقظ العالم من سباته وخرج عن صمته.