مساهمة في تحليل الأوضاع الراهنة وتأثيرها على مفاوضات وقف عدوان الإبادة، بقلم : مروان اميل طوباسي
في السياق السياسي والتحديات الداخلية، تشير الأوضاع الحالية إلى وجود تكهنات واسعة حول إمكانية إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين المقاومة وإسرائيل بخصوص وقف العدوان وصفقة تبادل إطلاق سراح الأسرى. هناك عدة عوامل رئيسية تؤثر على هذه التوقعات، منها الوساطات الدولية، الوضع الميداني، المواقف السياسية الداخلية والضغوط الدولية ومواقف الأطراف. رغم أنه ولحتى اللحظة، الوضع الحالي لهذه المباحثات لا يتجاوز عمليه جس نبض لا أكثر، وهذا مؤشر على أن في إسرائيل وتحديدا رئيس الوزراء نتنياهو، عندما وافق على إيفاد رئيس الموساد، ووافق مرغماً بعد أن وجد بأن كافه أعضاء مجلس الحرب، بما فيه حامل أسراره وزير الشؤون الاستراتيجية ورئيس هيئة الأركان إلى جانب الوزراء الثلاثة جالنت والوزيران من معسكر الدولة يؤيدون جميعهم العودة إلى مائدة المفاوضات.
اليمين المتطرف ورؤية الحسم المبكر
التحالف الحكومي في دولة الاحتلال، وتحديداً بنيامين نتنياهو، يعتمد على دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل سموتريتش وبن غفير للحفاظ على ائتلافه الحكومي، هؤلاء الذين يروا في استمرار العدوان على غزة فرصة لتنفيذ خطة الحسم المبكر في الضفة الغربية بما فيها القدس من خلال ما يجري من تسارع الاستيطان وقوانين فك الارتباط الذي تم الاعلان عنه وسياسات التطهير العرقي الجارية، بهدف إنجاح محاولاتهم لايقاف الحديث عن الدولة الفلسطينية، ومنع إمكانية تجسيد إقامتها على الأرض.
هذه الأحزاب العنصرية، تتبنى مواقف متشددة ضد تقديم أي تنازلات لحماس وتمارس ضغطا من أجل تقويض دور السلطة الوطنية أيضا، مما يعقد إمكانية التوصل إلى اتفاق يتضمن وقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى. بالإضافة إلى ذلك يواجه نتنياهو ضغوطاً من قاعدته الانتخابية، وحتى من حزبه، التي تدعم مواقف اليمين المتطرف، مما يجعل أي خطوة نحو المفاوضات محفوفة بالمخاطر السياسية بالنسبة له.
تأثيرات العوامل المتعددة
في هذه الأجواء تبرز تأثيرات العوامل الدولية والمحلية، ومنها:
أولاً: الوساطات الدولية، حيث تلعب مصر وقطر دوراً مهماً في دفع الأطراف إلى طاولة المفاوضات ، فإذا تمكنت هذه الدول من الضغط على الطرفين وتقديم ضمانات كافية، فقد يسهم ذلك في بدء جولة مفاوضات جديدة.
ثانياً: الوضع الميداني: التوترات الميدانية والتطورات العسكرية على الأرض، تؤثر بشكل كبير على إمكانية بدء المفاوضات. إذا شهد الوضع الميداني تصعيداً كبيراً إضافياً من جانب الأحتلال، فقد يتراجع الاهتمام بالمفاوضات. أما إذا هدأت الأوضاع نسبياً، فقد تكون هناك فرصة أكبر لاستئناف المحادثات.
ثالثاً: الضغوط الدولية: الضغوط من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية يمكن أن تدفع حكومة نتنياهو نحو المفاوضات، خاصة وان هناك مأساة إنسانية كبيرة مرتبطة بالعدوان الجاري.
تأثير قرار محكمة العدل الدولية
قرارات محكمة العدل الدولية والتي تم الإعلان عنها، باعتقادي تزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل للانخراط في مفاوضات تسوية بشأن غزة. مثل هذه القرارات تؤثر على الرأي العام العالمي وتزيد الضغوط على إسرائيل من حلفائها أنفسهم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، التي تتصاعد فيها المظاهرات اليومية وخاصة بالجامعات ضد إسرائيل ومن أجل وقف العدوان. حيث قد تجد إسرائيل نفسها في موقف تحتاج فيه إلى تحسين صورتها الدولية، التي تكسرت والتي أصابها التشظي، من خلال خطوات ملموسة مثل الدخول في مفاوضات.
تأثير المقاومة والعمليات الميدانية
عمليات المقاومة العسكرية مثل العملية النوعية بأسر الجنود التي تمت أمس الأول في جباليا، وفق ما أعلنته المقاومة في إطار أسلوب حرب العصابات والشوارع التي تخوضها المقاومة بنجاح نسبي وتحقق أثرا على المستويات العسكرية والسياسية والنفسية للمجتمع الاسرائيلي وجنود حربه، بما في ذلك الأثر النفسي والسياسي السلبي على استمرار القدرة على إطلاق الصواريخ حتى يوم أمس الأول، تشكل سلاحاً ذا حدين. الأول قد يدفع إلى تصعيد العدوان وتزيد من صعوبة بدء مفاوضات، حيث تتعرض حكومة الاحتلال الإسرائيلي لضغوط من داخلها لاتخاذ إجراءات عسكرية قوية بدلاً من التفاوض. والثاني تأثر المجتمع الإسرائيلي بشعور ارتفاع كلفة الاحتلال بشرياً ومادياً، وعدم جدوى الاستمرار بالعدوان أمام استمرار قدرة المقاومة على المواجهة وعدم القدرة على إعادة اسراهم أحياء، وهذا ما نراه اليوم من مطالب بشوارع مدن اسرائيل يتصاعد.
موقف الإدارة الأمريكية
إدارة بايدن يمكن أن تضغط على إسرائيل للدخول في مفاوضات إذا أرادت ذلك وقررت، وقد تدفع باتجاه تحقيق توازن بين الإجراءات الأمنية والجهود الدبلوماسية لمحاولة رفع الحرج الدولي عنها والذي أصابها هي نفسها، دون أن يؤثر ذلك على استمرار الولايات المتحدة في دعم إسرائيل أمنياً وسياسياً، لكنها قد تشجعها أيضاً على النظر في المفاوضات كجزء من الحل الذي تسعى لتنفيذه بالمنطقة ولمحاولة إنقاذ اسرائيل من أزمتها لتشارك معها لاحقا في مخططات الشرق الاوسط الجديد. وجود مدير الـCIA في ألمانيا قد يشير إلى جهود دبلوماسية مكثفة وراء الكواليس لدفع الأطراف نحو التفاوض، الأمر الذي أعلنت بعض الاطراف عدم علمها به.
تأثير موقف أهالي الأسرى والمظاهرات في إسرائيل
موقف أهالي الأسرى الإسرائيليين والمظاهرات التي تجوب شوارع تل أبيب والقدس وحيفا، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قرارات نتنياهو وحكومته. أهالي الأسرى يشكلون مجموعة ضغط قوية، حيث يتمتعون بتعاطف واسع من الجمهور الإسرائيلي. تغطية وسائل الإعلام لمطالبهم تجعل القضية أكثر إلحاحاً على الأجندة العامة والسياسية. المظاهرات الكبيرة التي بدأت تنادي بوقف الحرب، وليس فقط إجراء صفقة تبادل أسرى تخلق ضغطاً شعبياً إضافياً، والذي قد يدفع نتنياهو إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتلبية هذه المطالب، حيث باتت أيضا وسائل إعلام المقاومة تؤثر على الجانب النفسي لهم.
إعلان دولة تحت الأحتلال
وفي هي هذا السياق، يتوجب أن تحرص منظمة التحرير إلى الحفاظ على شرعيتها الدولية وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، وذلك من خلال استمرار الانخراط الدبلوماسي والسياسي المقاوم والتنسيق لنقل امر المحكمة الدولية الى مجلس الامن وإعلان فلسطين دولة تحت الأحتلال بعد تدحرج الاعترافات الدولية، كما وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية بين كافة مكونات شعبنا وتفعيل دورها وتوسيع قاعدة اتخاذ القرارات وتعزيز الديمقراطية كمنهج للعمل الداخلي، وتعزيز دور كافة المؤسسات الوطنية من اجل حماية المشروع الوطني التحرري. برأيي، فإن تحقيق هذه الأهداف والأستحقاقات الوطنية الكفاحية يتطلب منها العمل بالضغط على كافة الاتجاهات المتاحة لها لوقف العدوان والدفع نحو مفاوضات شاملة لإنهاء الاحتلال كاملاً بعيداً عن مقولة “اليوم التالي”، بحيث تشمل جميع الأطراف الفلسطينية والدولية ذات الصلة بعيدا عن الاحتكار الامريكي خاصة الآن بعد بدايات التغير في مواقف دول الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص بعد توالي الاعترافات بالدولة وتصريحات بوريل. وذلك حتى لا تتحقق مشاريع أخرى في مواجهة مشروع الدولة المستقلة على قاعدة وحدة الارض والشعب والقضية، وحتى لا يتاح تنفيذ مشروع الفصل بين غزة والضفة أو الدولة في غزة.
الخلاصة
الوضع الراهن معقد ويشمل عدة عوامل تؤثر على إمكانية بدء مفاوضات جديدة بين المقاومة وإسرائيل، حيث الضغوط الداخلية من الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتأثير العمليات العسكرية، والضغوط الدولية والمحلية، كلها تلعب دوراً في تحديد موقف نتنياهو وحكومته. الضغوط الشعبية والإعلامية الناتجة عن مظاهرات أهالي الأسرى، والمطالبات بوقف الحرب تزيد من احتمالية أن تتخذ حكومة الأحتلال خطوات نحو المفاوضات وصفقات تبادل الأسرى ووقف الحرب. في هذا السياق، قد يجد نتنياهو أن التفاوض قد يكون الخيار الأكثر واقعية للتعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، أو الأقل سوأً له من بين خيارات أخرى.
ففي سياق الحروب والصراعات، يُعتبر تحقيق الأهداف المعلنة معياراً رئيسياً لقياس النجاح أو الفشل. إن عدم تمكن حكومة الأحتلال من تحقيق الأهداف المعلنة من عدوانها ضد شعبنا الفلسطيني، رغم حجم التضحيات الكبيرة، يمكن اعتباره انتصاراً للمقاومة، ليس فقط من منظور عسكري بل أيضاً من منظور معنوي وسياسي. فالمقاومة تُظهر صمودها وقدرتها على الاستمرار في القتال والدفاع عن نفسها، مما يضعف موقف إسرائيل ويزيد من الضغوط عليها على مختلف الأصعدة، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد برأيي إلى تزايد فرص توقيع الإتفاق، خاصة بعد التحديات التي تواجه حكومة الاحتلال، من التكلفة البشرية والمادية، الضغوطات الدولية الشعبية والرسمية، من عدد من الدول أيضاً، وتفاقم حدة انعزال إسرائيل وتصاعد أزماتها الداخلية التي أصبحت تهدد استقرار هذا النظام الاستعماري، إضافة إلى قرارات العدالة الدولية.