ما العمل (6) التعامل مع الفئات المهمشة في ظل الحروب، بقلم : د. غسان عبد الله
لو أمعنا النظر سريعا وبشكل فاحص فى الصراعات والحروب بين المجتمعات البشرية عبر التاريخ لوجدنا :-
⦁ أن غالبية الضحايا هم من الفئات المهمشة : أطفال ، نساء وذوي احتياجات خاصة
⦁ غالبية هذه الصراعات يتم تبريرها / تغليفها بمصوغات دينية يتم تفسيرها وفق رؤية- رؤى ، في حين تكون هناك دوافع أخرى خفيّة كمصالح استعماريّة
⦁ من لم يلق حتفه جسديا ، من هذه الفئات ، تراه جريحا فسيولوجيا أو سيكولوجيا . للأسف يتم الاهتمام ومتابعة الجرح الجسدي بشكل أكبر مما يتم التعامل معه مع الجرح المعنوي / السيكولوجي ، ولهذا جاء القول العربي الشهير :
جراحات السنان لها التئام أم جراحات اللسان فلا التئام
لست من أصحاب نظرية المؤامرة ، لكن أستطيع ألجزم بالقول أن استهداف الأطفال والنساء من قبل طرفي ليس من قبيل الصدفة، بل هو أمر معدّ له مسبقا ، قد يكون ذلك لترك اّثارا مستدامة بالهزيمة والضعف ، يشعر بها كل طرف من أطراف الصراع لفترة زمنية طويلة، تاركة أعراضا سيكولوجية تظهر عبر السلوكيات و الثقافات المتناحرة ، كون الانسان ثقافة وسلوك
ينطبق قولنا أعلاه على واقعنا المرير اليوم ،اذ نجد وبسهولة ارتفاع أعداد الضحايأ ( فتكا جسديا أو ايلاما سيكولوجيا من خلال ما يعرف ب اّثار ما بعد الصدمة / الصدمات النفسيّة PTSD سواء كانت عرضية incidental أو متعمدة Intentional PTSD .
أي كان النوع من هذه الصدمات واّثارها السلبية ، يتوجب تعاضد كافة مكونات المجتمع ( أسرة، روضة مدرسة،مؤسسة مجتمع لتقديم العون والمساعدة لهاتين الفئتين .
قبل البدء في مرحلة تقديم العون والمساعدة هذه من أجل التخفيف من حدة اثار الاضطرابات السلوكية الناجمة ، يقول المنطق يجب التعرف على نوعية هذه الاضطرابات والوباءات السلكية متعددة الأشكال و الأسماء والمرشحة للتكاثر وباضطراد.
نهتم هنا، وبشكل قد يكون أكثر من اللازم ، بضرورة متابعة ومواكبة مثل هذه الحالات كونها تؤثر على نمو وتطور الشخص ذهنيا – عقليا ،عاطفيا واجتماعيا وفسيولوجيا ،نظرا لما لها من فعل فصل في نمو / تراجع لدرجة اضمحلال مهارات حس حركيّة ضرورية ، ناهيك عن حالات الارباك الأسري اذا ما وجدت مثل هذه الحالات لدى أحد أفراد العائلة، مثل الخوف الدائم ، التوتر والقلق المتواصل لدرجة الشعور بالعجز والخذلان من عدم القدرة على مساعدة وتقديم العون لفلذة كبد أو أب – أم حنونة،مثل هذه المشاعر قد تدفع بالمصاب الى الجنوح لممارسة العنف حيال الذات أو الغير أو الانخراط في سلوكيات التنمر على الاّخرين .
للجنس البشري والعمر والتجارب السابقة دورا في تحديد درجة التأثر الملحوظ وقابلية التعافي والوقت الذي سيستغرقه ، دون اللجوء الى المسكنات والأدوية التي حتما لها التأثيرات السلبية اما فسيولوجيا أو على الجهاز العصبي مما قد يسبّب اختلالا في جهاز المناعة لدى الشخص المقصود، أدرك مسبقا أن الافصاح بهذه الأمور قد لا تروق الى غالبية الزملاء الذين/ اللواتي يسارعون / يسارعن الى اصدار وصفات طبيّة بهذه الأدوية- السموم المؤذية على المدى القصير، المتوسط أو الطويل . لهذا نعمد الى دوام الالتزام بتطبيق نهج الوقاية خير من العلاج – preventive approach – وذلك من خلال نشر وتعميم ثقافة الصحة النفسيّة ومقترحات للتعامل معها من قبل العائلة أولا والمتص ثانيا . شخصيا ،أرى أن للتعمق الايماني دورا فاعلا في الوصول الى تذويت القدرة الذاتية أولا للتعافي من اّثر الصدمات النفسيّة ،،و أسريا للتخفيف من حدة انعكاسات واّثار هذه الصدمات،وكذلك الحال الرياضة الروحية والبدنية وممارسة اللعب بكافة أنماطه.
من خلال الأعراض،التي سرعان ما تظهر على الضحيّة / المريض / المضطرب سيكولوجيا يمكننا تحديد أنجع الأساليب للتعامل مع مثل تلك الحالات .
فمثلا حين نرى الضحية عاجزة عن التعبير والافصاح عمّا تعانيه أو تخاف منه أو ما يزعجهم جرّاء حدث صادم ، سواء كان عرضيا أو متعمدا، كما أشرنا اليه سابقا ، أو حين نرى الشخص المقصود يعاني من اضطرابات في النوم وعدم الرغبة في النوم لوحده أو الذهاب الى الحمام ،وحين نشاهده يميل الى الانسحاب من أجواء العائلة مما قد يقود الى الانطواء ، الأتراب / الأقران ، أو المبالغة في تكرار الحديث وبشكل محزن ،عن الحدث الصادم، الخجل الزائد ،هنا علينا الاقرار بضرورة التوجه الى المستشار – الطبيب النفسي المختص اذا لم تنجح العائلة في التخفيف من حدة هذه الاعراض والوصول الى حالة دوام المحاولة من قبل الضحيّة للتعافي ذاتيا. للأسرة ،وبالتحديد الوالدين ،دورا هاما في انجاز ذلك ، ليس فقط من خلال ايحاد فرصا للتفريغ والافصاح ومناقشة الحدث الصادم ولعب الأدوار حيال ذلك ، وتأمين الألعاب اللازمة، بل ومن خلال دوام الحرص على التواجد مع الشخص المصاب ،كي يشعر بالأمن وببيئة اّمنة ، اضافة الى الحرص على مرافقته ،اذا ما لزم، حين الذهاب الى المدرسة – الروضة والتنسيق مع المدرسة بهذا الخصوص ، ولن ننسى ضرورة تأمين الاحتياجات الغذائية ” الذي أطعمهم من جوع و امنهم من خوف “اّية قراّني كريمة ( سورة ايلاف قريش).
اذا ما التزمت الأسرة بما ورد أعلاه ، تكون قد ليس فقط قد قطعت شوطا طويلا في مساعدة ألضحيّة ، بل ونالت بعض من رضى المولى عزّ وجل الذي حضّ على رعاية المريض وتأمين سبل المعيشة النفسيّة والغذائية والبيئية المطلوبة ، عملا بقول الخالق تعالى ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله”