القضية الفلسطينية قضية العدالة وقضية كل الشعوب الحرة الرافضة للاضطهاد والتبعية والاحتلال، بقلم : محمد علوش
تحولات سريعة وعميقة تجري بالعالم، وعلينا تحديد موقعنا منها، وخصوصاً في ظل الهيمنة الأمريكية والشراكة الأمريكية المتكاملة في حرب الإبادة الجماعية والجرائم الوحشية والدموية الإرهابية التي تنفذها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص في قطاع غزة الذي يتعرض لجريمة منظمة ومتواصلة من قبل جيش الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي الكولونيالي.
ما يهمنا في هذه القراءة موقف الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والذي تميز بعكس كل الإدارات السابقة، وأخذ منحى ظهر فيه ابان الحملة الانتخابية مقدار عالٍ من التطابق سياسياً مع الائتلاف اليمني العنصري الحاكم في إسرائيل، وهذا التطابق أخذ منحى بدا مختلفاً عن الادارات السابقة، فيما يتعلق بالقدس واعتبارها غير محتلة ولذلك كان نقل السفارة للقدس جزءاً من الحملة الانتخابية التي كرستها إدارة ترامب، وان تراجع التنفيذ الآن فإن هذا لا يعني بالمعنى السياسي أن هذا التطابق بالموقف قد تغير الى غير رجعة، وأيضا الموقف من الاستيطان باعتباره لا يعيق عملية السلام، وأنه من غير الواقعي تحقيق حل الدولتين.
أمام هذه الصورة التي قد يعتبرها البعض قاتمة، نرى أنه رغم هذه التحديات الكبيرة من الممكن توليد فرص واستثمارها والبناء عليها لتثبيت أولوية القضية الفلسطينية اقليمياً ودولياً، واشتقاق سياسات واقعية وعملية ملموسة تخدم هذا الهدف، ونحن نرى أن تزايد الحضور الروسي والصيني مع تراجع أميركي ملموس قد يتزايد جراء السياسة الانكفائية للإدارة الأمريكية وبخاصة وأن هناك استحقاق انتخابي قريب، وبدايات تشكل عالم متعدد الأقطاب من شأنه أن يعيد حالة التوازن المختلة بالعلاقات السياسية الدولية، وبالطبع بالمنطقة العربية ويشكل عامل إسناد للقضية الفلسطينية.
البناء على الموقف الاوروبي الذي يعبر عن مخاوفه وعدم اتفاقه من سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية ورفضها المبدئي لنقل السفارة الأميركية للقدس، وكذلك بمساندته ودعمه للمبادرة الفرنسية ومشاركته لمؤتمر السلام الذي عقد بباريس، الذي بمجرد عقده أوصل رسالته بأهمية وأولوية حل الصراع بالشرق الأوسط على قاعدة انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
رغم صعوبة وتعقيد الوضع العربي وعمق الانقسام الذي يضرب العمل العربي المشترك، إلا أننا نعتقد أنه مازال بالإمكان اعتبار مبادرة السلام العربية أساساً وقاعدة للموقف الرسمي المشترك للوصول للسلام الدائم والشامل بالمنطقة، خصوصاً بعد فشل محاولات تعديل مبادرة السلام العربية لقلبها بالبدء بالتطبيع قبل الانسحاب.
يحاول البعض فلسطينياً وفي هذا المناخ المتغير الوصول لاستنتاجات تؤدي إلى الخلط بين الهدف والوسائل، فهدفنا كان وما زال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس وتأمين حق العودة، وإذا تعثر الوصول للهدف بالعملية السلمية والمفاوضات، وهي وسيلة وليست هدفاً بحد ذاته، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تغيير أهدافنا، والتخلي عن هدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي نلنا دعم واعتراف العالم بنا، وبها على هذا الأساس، وليس على أساس سياسي آخر.
ان الرهان على تطوير العامل الذاتي الفلسطيني، بالذهاب مباشرة لتعزيز أوضاعنا الداخلية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية كاملة الصلاحيات في غزة والضفة، تنهي الانقسام وتعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني، وتجديد الشرعيات الوطنية وتحصنها بعملية ديمقراطية حقيقية، في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أساس برنامج سياسي واقعي وملموس يقوم على أساس مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
ان من شأن خطوات كهذه ان تسلح اشقاءنا العرب وروسيا وأصدقاءنا في العالم بوحدتنا وتسحب الذرائع من ايدي الذين يشككون بمن يمثل الفلسطينيين ويستخدمونها ذريعة للتنصل من التزاماتهم اتجاه اي عملية سياسية.
من الضرورة تصليب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، بما يعزز من صمود أبناء شعبنا، لمواجهة كافة التحديات في هذا الظرف الدقيق الذي تمر بها القضية الفلسطينية، في ظل انسداد أفق العملية السياسية وخطط الاحتلال الهادفة لما تسميه حسم الصراع، وتصاعد اجراءاتها أحادية الجانب التي تستهدف الأراضي الفلسطينية والحرب الاجرامية العدوانية التي يقوم بها الاحتلال في قطاع غزة والتي ترتقي الى مستوى الإبادة الجماعية والجرائم بحق الانسانية.
علينا مجابهة كافة التحديات التي تواجه شعبنا وقضيتنا الوطنية، وأن نكرس موقفنا بأن لا أمن ولا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فكافة اتفاقيات التطبيع مع دولة الاحتلال لن تحقق أي استقرار في المنطقة، بل تمثل تطبيعاً مجانياً يكافئ الاحتلال، ما يتطلب تعزيز وحدتنا الوطنية البرنامجية في مواجهة هذه الاتفاقيات.
نطالب محاسبة دولة الاحتلال على جرائمها بحق شعبنا، والكف عن التعامل معها كدولة فوق القانون والكيل بمكيالين ومعايير مزدوجة تجاه قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وبخاصة في ظل جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف والعنصرية والفاشية الجديدة والتي عبرت عنها بحربها الظالمة والمستمرة ضد شعبنا والتي أسفرت عن دمار شامل وخسائر باهظة في الأرواح والممتلكات والنزوح القسري بسبب القصف والعدوان الإسرائيلي والجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال بدعم واسناد من التحالف الغربي الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يمكننا التعويل على الإدارة الأميركية، ولا نحمل أي رهان على أن هذه الإدارة يمكن أن تمارس أي ضغط من أي نوع كان على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فالإدارة الأميركية ما زالت شريكة لحكومة الاحتلال رغم التباين في المواقف تجاه الوضع الداخلي الإسرائيلي وليس تجاه عملية السلام.
ولا بد من تجديد تأكيدنا على أهمية الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام، والذي يمثل استمراره تدميراً ضاراً بقضية شعبنا، وأن اجتماع موسكو التي ضم قيادات وممثلي الفصائل الفلسطينية ، يتطلب البناء عليه لاستكمال الحوار الوطني، مع التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد، ورفض شعبنا لأي محاولة للبحث عن بدائل عن المنظمة، وإن منظمة التحرير الفلسطينية يجب الحفاظ على وحدانية تمثيلها على أساس برنامجها السياسي، كما يجب في ذات السياق الحفاظ على السلطة الوطنية الفلسطينية كمنجز وطني تشكل الأساس الذي نبني عليه دولتنا الفلسطينية المستقلة وذات السيادة.
الإدارة الأمريكية الحالية ليس لديها الاستعداد والقدرة على المضي قدما في تحقيق التزاماتها التي قطعتها للقيادة الفلسطينية، والقضية الفلسطينية لا يمكن أن تعيش في هذا الفراغ الذي يمكن أن يولد حالات من الانفجار وعدم الاستقرار في هذه المنطقة، وخاصة في مناخ انشغال دول العالم بالأزمة الأوكرانية الروسية والتداعيات المختلفة عليها وبالتالي لن يكون هناك تقدم على صعيد الأفق السياسي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
في ظل هذه الظروف والتحديات التي تواجه شعبنا وقضيتنا الوطنية واستمرار حرب الإبادة الجماعية، والتي يرتكب من خلالها الاحتلال أبشع المجازر وجرائم الحرب في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية وفي القدس، حيث يواصل أعماله الإرهابية دون أي رادع ودون أي تدخل دولي حقيقي لوقف هذه الحرب، الى جانب فشل المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن والأمم المتحدة في اتخاذ قرار لوقف الحرب أو وقف اطلاق النار وادخل المساعدات الإنسانية والاغاثية العاجلة الى قطاع غزة، وفشلها الذريع في انفاذ وحماية القانون الدولي والسلم والاستقرار الدوليين.
اننا ونحن نثمن مواقف ومساعي جنوب أفريقيا من خلال توجهها الى محكمة العدل الدولية لملاحقة إسرائيل وإدانة جريمتها المستمرة بحق الإنسانية في قطاع غزة وتقديم مجرمي الحرب الإرهابيين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، فإننا نناشد كافة أحزابنا وقوانا العربية والدولية لمواصلة الضغط على كافة الحكومات من أجل اتخاذ مواقف عملية وملموسة في دعم واسناد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفض استمرار هذه الحرب الكارثية التي يرتكبها الاحتلال في مخالفة لكافة القوانين والتشريعات الدولية، حيث وصلت الأوضاع في قطاع غزة الى حالة كارثية شاملة نتيجة هذا العدوان الغاشم الذي يتطلب حشد كل العالم من أجل وقف هذا الجنون الإرهابي الذي تقوم به آلة الحرب الهمجية الإسرائيلية التي تدعي الدفاع عن النفس، في مخالفة للحقيقة المطلقة بأنها تواجه شعباً أعزل وتستهدف المدنيين والأبرياء من أبناء شعبنا وغالبتهم من النساء والأطفال، حيث بلغت أعداد الشهداء قرابة الثلاثين ألف شهيد وأكثر من مليوني وتسعمائة ألف نازح بفعل الإرهاب الاحتلالي المستمر ضد شعبنا.
واجب كافة الأحزاب السياسية حول العالم أن تتحرك وأن تواصل تحركاتها والتعبير عن مواقفها المساندة للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ومواصلة النضال المشترك لفرض عزلة دولية على حكومة الاحتلال التي ترتكب كل هذه المجازر الدموية، وقد آن الأوان لتشكيل جبهة دولية لمواجهة الامبريالية والفاشية والعنصرية وأدواتها، وضرورة حشد وتوسيع دائرة الفعل الشعبي والجماهيري في كافة بلدان العالم والعالم العربي ووضع القضية الفلسطينية كأولوية على أجندتها، ففي مثل هذه الظروف لا بد من تضافر كل الجهود والامكانيات لمواجهة الحرب التدميرية والمشاريع التصفوية التي تستهدف شعبنا وقضيتنا والتي تسعى لتكريس الأمر الواقع الاحتلالي وتجسيد وحسم ما يسمى بالمشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية.
نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بضرورة الوحدة والعمل المشترك وبلورة المواقف الصلبة وتوحيد كل الجهود في معركتنا المشتركة ضد ما يتعرض له شعبنا وما يستهدف المنطقة والعالم في ظل الهيمنة والاستفراد الأمريكي والسيطرة الامبريالية على مواقف الدول والمؤسسات الدولية المختلفة، وعلينا أن نعزز النضال من أجل تحرير العالم من هذه القيود والإجراءات نحو بناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب وتسوده قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان واحترام حقوق وارادات ومقدرات الشعوب وانهاء هذا الفصل الأسود من تاريخ البشرية ببناء مستقبل جديد ومصير مشترك للبشرية جمعاء.
إن قراءة المخاطر والفرص في اللحظة الراهنة تضع القيادة الفلسطينية وقوى الشعب الفلسطيني الحية والفاعلة أمام خيارات صعبة تتمثل وقبل كل شيء بالقدرة على تقليص المخاطر وزيادة الفرص أمام شعبنا وصولاً لنيل حقوقه بالحرية والاستقلال، وبالتالي فإن الانشغال بمن سوف يسيطر على غزة بعد الانسحاب منها مسألة هي من حيث المبدأ لا ينبغي أن تكون على بساط البحث، فهناك سلطة وطنية من الشعب الفلسطيني وأجهزة ومؤسسات ذات صفة تمثيلية موجودة، وبصرف النظر عن الموقف من أدائها، وهو أمر يمكن لا خلاف عليه، إلا انه يدخل في إطار دائرة الحوار والنقاش الداخلي، وصولاً للاتفاق على الإصلاحات الداخلية المطلوبة داخل أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، واستجابة لمتطلباتنا الوطنية وليس استجابة للضغوط الخارجية.
إن الدخول في دوامة من يتسلم زمام الأمور أو ما يتردد الآن من مصطلح اليوم التالي أو ما بعد غزة يقدم خدمة مجانية لمخططات الاحتلال بإشعال فتنة حرب أهلية فلسطينية داخلية للتدليل بأن الفلسطينيين غير جاهزين لبناء دولة، أو للترويج للخطر الأصولي بأن غزة ستقع تحت سيطرة حماس والقوى الإسلامية الأصولية وهو ما يثير أكثر من موقف دولي وإقليمي.
إن جهدنا الأساس وبانطلاق من مصالح شعبنا العليا وليس للمصالح الفئوية والخاصة، ينبغي أن ينصب على تقليل المخاطر وتعظيم الفرص المتاحة، وعدم الدخول في الشرك الذي يريده الاحتلال بالاختلاف على بديهيات، وذلك من خلال استئناف حوار داخلي فلسطيني – فلسطيني معمق وجدي يقوم على أساس تطبيق القواسم المشتركة ومتابعة الحوار على القضايا المختلف عليها، والتمسك، بأن الانسحاب ينبغي أن يكون وفقاً وطبقاً للاتفاقات والقرارات الدولية وتطبيقاً لها .
لن نذرف الدموع الغزيرة على الاحتلال، فسنأخذ ما هو حقنا، ونطبق عليها سيادتنا وقوانيننا، وسوف نستمر بالنضال والمطالبة بالحصول على باقي حقوقنا ولن نمنح الاحتلال الاسرائيلي فرصة التلذذ بالإيقاع بنا في حرب أهلية داخلية ولا باستثمار الفرص لفرض الحل الذي يريد .
الأولوية أمامنا اليوم بالتحرك على كافة المستويات لوقف الحرب العدوانية ضد شعبنا، وفضح ممارسات الاحتلال وملاحقة مجرمي الحرب في المحاكم الدولية، ومنع تهجير أبناء شعبنا من غزة وفتح الممرات الآمنة لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة ورفض استمرار الحرب ومحاولة فرض أي معادلة سياسية أو جغرافية جديدة من قبل الاحتلال التي يتحدث عن نتائج اليوم التالي لوقف العدوان ومحاولاته تكريس الهيمنة الاحتلالية والقبضة الأمنية على القطاع.
القضية الفلسطينية عادت الى الصدارة من جديد، ويجب استثمار التحركات السياسية والدبلوماسية والشعبية في العالم، واستمرار التحركات الفلسطينية لخلق رأي عام دولي لإسناد القضية الفلسطينية، ورفض وصم النضال الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ورفض ازدواجية المعايير، وتكثيف الاتصالات للتوجه نحو مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات الشرعية الدولية وبرعاية الأمم المتحدة، ورفض الاستفراد الأمريكي وتعزيز مكانة القضية الفلسطينية من خلال استمرار التحركات الشعبية للتأثير على قرارات الحكومات والدول، خاصة وأن هناك مؤشرات نحو تغير حقيقي في بنية وطبيعة النظام الدولي الذي لم يعد من المقبول استمرار الهيمنة الأمريكية ودورها التخريبي في قيادة الوضع الدولي.
وأمام الظروف الاستثنائية والمصيرية والصعبة التي نواجهها لدينا حرص كبير على تطوير العلاقات الوطنية الداخلية واطلاق حوار وطني شامل بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية وبناء الشراكة الوطنية الحقيقة في النظام السياسي الفلسطيني وتفعيل دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة ومرجعية لشعبنا وحركته الوطنية، وهذا يدعونا للحفاظ على ما أنجز في جولات الحوار السابقة والبناء عليها وآخرها اللقاء للذي عقد في موسكو، وتوحيد الخطاب الفلسطيني في مواجهة تداعيات الحرب العدوانية والعمل على تعزيز صمود شعبنا بالتشبث بالأرض ومواجهة التهجير القسري والنضال من أجل تحقيق أهداف شعبنا وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق تقرير المصير وعودة اللاجئين وعدم الرضوخ لكافة المحاولات التي تهدف الى تصفية القضية وتقويض الحقوق الوطنية العادلة والمشروعة.
نعيش مرحلة صعبة على كافة المستويات، وتشهد متغيرات عديدة في المواقف والطروحات السياسية عربياً ودولياً وعلى كافة المستويات ان كان على مستوى سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية من قبل دول ومؤسسات ومنظمات دولية وأحزاب سياسية وقوى نقابية مهمة عالميا، أو على مستوى السياسية والموقف المخزي للإدارة الأمريكية والابتزاز السياسي الرخيص ومحاولات مساومة القيادة الفلسطينية بالمساعدات المالية والاغاثية التي تتم على أساس الاتفاقيات التعاقدية التي تمت ضمن إطار عملية السلام لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والتي تجسدت بالعديد من الاتفاقيات والتي تعهد من خلالها المجتمع الدولي ومعه الولايات المتحدة الأمريكية بدعم وتمويل المشاريع التنموية والتطويرية لمؤسسات السلطة الوطنية على طريق قيام الدولة الفلسطينية.
ولكن ما يهما بهذا الاتجاه وأمام انسداد أفق العملية السياسية وتعثر مسار المفاوضات بفعل السياسات المتعنتة لحكومة نتنياهو وسياسات التنكر للحقوق الفلسطينية وللاتفاقيات الموقعة، والتي كان آخرها التهديد الإسرائيلي بإعادة النظر باتفاق أوسلو، متناسين أن أوسلو انتهى بانتهاء السنوات الخمس الانتقالية حتى عام 1999 وأن كثير من الأشياء تغيرت بعد أوسلو وأن استحقاق الدولة لا بد منه شاءت إرادة الاحتلال أم أبت، فالشعب الفلسطيني لن يخسر الرهان وهو ماض في مسيرته الوطنية التحررية ملتفاً حول حقوقه الوطنية، وحول منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني، والخيارات مفتوحة ومتعددة أمام شعبنا وقيادته من أجل تحقيق وتجسيد أماله وطموحاته بالحرية والعودة والاستقلال والدولة كاملة السيادة، وعلى العالم ككل أن يعي ذلك جيداً.
الشعب الفلسطيني إرادته الوطنية لم ولن تقهر، وهو مصمم على نيل حقوقه، وعلى المجتمع الدولي أن يتعاطى ايجابياً مع القضية الفلسطينية وجهود ومساعي القيادة الفلسطينية بتحكيم العقل والمنطق والموقف السياسي الواضح المستند للمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية، بعيداً عن تشنجات السياسية والتلاعب بالألفاظ نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي العنصري وإلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية وبما يحقق رؤيا العالم الحر نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وخالية من كل أشكال الاستيطان بنموه الطبيعي وغيره من أشكال انتشار هذا السرطان الاستيطاني العنصري على الأرض الفلسطينية .
إن ما تقوم به حكومة الاحتلال من إجراءات عدوانية متواصلة لتهويد مدينة القدس وتواصل عمليات البناء الاستيطاني هو سلوك يتسم بفرض الأمر الواقع وهو تعبير حقيقي عن الإجراءات الأحادية الجانب والتي لا تحترم الالتزامات التعاقدية المترتبة على الحكومة الإسرائيلية تجاه الجانب الفلسطيني، وهذا السلوك الإسرائيلي شكل من أشكال العقوبات الجماعية والتي تستهدف من خلالها الحكومة الإسرائيلية تعطيل وقطع الطريق أمام تحقيق أهدافنا الوطنية.
إذا كان نتنياهو يعتقد عبر هكذا إجراءات انه سوف يستطيع الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى أصدقاء وأنصار الحقوق الفلسطينية على مستوى العالم فهو خاطئ، حيث أنه بذلك سيدفعنا إلى خطوات أكبر باتجاه إعادة النظر بالتزاماتنا التعاقدية تجاه إسرائيل وتصبح كافة الخيارات متاحة ومفتوحة أمام القيادة الفلسطينية، علينا اليوم أن نسير جدياً نحو الانتقال إلى مرحلة سياسية مختلفة تتغير فيها قواعد اللعبة السياسية، انطلاقاً من أن المرحلة السابقة لم يعد بالإمكان أن تنتج أكثر مما أنتجته لغاية اللحظة الراهنة، وبالتالي الانتقال إلى نهج جديد يدخل المجتمع الدولي كطرف أساسي يساعدنا في إنهاء الاحتلال، ولا ينبغي أبداَ التخوف من الذهاب إلى الأمم المتحدة أو تأجيله، تحت ذرائع من قبيل عدم إثارة حفيظة الإدارة الأميركية، أو خوض معركة ضدها، وعلى الإدارة الأمريكية أن تكف عن سياسة الكيل بمكيالين وأن تتوقف عن انحيازها المفضوح لدولة الاحتلال إن كانت معنية حقيقةَ بأمن واستقرار المنطقة وتحقيق عملية سلام شاملة وعادلة ومتوازنة، والذهاب إلى الأمم المتحدة لا يمثل تصرفاً أحادي الجانب كما تردد الولايات المتحدة وإسرائيل في محاولاتها لقطع الطريق أمامنا، وهي دعوة للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أسوة بكافة الشعوب، ونحن بذهابنا إلى الأمم المتحدة فذلك لنؤكد الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس، وهذا مقدمة لإدخال العامل الدولي كعامل رئيسي وضاغط في المعادلة التفاوضية، لتتضمن قدراً من التوازن يجعلها مثمرة وذات جدو ، وفي موازاة ذلك ينبغي أيضا تحقيق اتفاق المصالحة الوطنية وتنفيذه فوراً بإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية التي تشكل صمام أمان المشروع الوطني وتصفية حالة الانقسام السياسي والجغرافي من جذورها والتوحد في مواجهة الاحتلال وسياساته وإجراءاته بمقاومة شعبية فاعلة وموحدة وقادرة على تحقيق الغرض من إطلاقها لخدمة القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني بعيداَ عن أية أجندات أخرى.
نحن على ايمان كبير بحتمية الانتصار وانهاء الاحتلال ولشعبنا الحق الطبيعي والمطلق في المقاومة والتصدي للاحتلال، والمقاومة حق مشروع وكفلته القوانين الدولية، ومن غير المقبول تبني الدول الغربية للرواية الإسرائيلية ووصم مقاومة شعبنا العادلة بالإرهاب ، مع التأكيد التام أن إسرائيل وافعالها وجرائمها وحربها على شعبنا وعلى مقدساتنا هو الإرهاب والإرهاب الذي يجب ادانته وملاحقته ومحاسبتها عليه في المحافل الدولية.
- محمـد علوش – عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني