التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم، بقلم : ثروت زيد الكيلاني
يُعد الالتزام الوطني بإعطاء الأولوية لتعلُّم الطلبة المستدام، والتعافي من الفاقد التعليمي استحقاقاً وطنياً مُلحَّاً ومهماً، ما يتطلب تبني سياسة وطنية تُعنى بالنهوض في عملية التعليم وإحداث قفزات تطويرية نوعية لمواكبة التطورات العالمية في المجالات كافة، وإجراء العديد من الإصلاحات البنيوية على المدى القصير والبعيد، وإيجاد التحالفات والشراكات على المستوى الوطني والدولي مع الحفاظ على اعتبار التعليم شأنا وطنيا بامتياز.
أولاً: أشكال الفاقد التعليمي: يُعبر الفاقد التعليمي عن الفجوة بـين ما خُطِّط له (المنهاج المقصود) من معارف ومهارات واتجاهات، وما اكتسبه الطلبة فعلياً (المنهاج المكتسب)، إضافة إلى أن الوقت الفعلي المخصص للتعليم أقلّ من المخطط له، ومن أبرز أشكال الفاقد التعليمي الآتي:
- الفاقد التراكمي: وهو الفاقد الناتج عن تراكم فترات غياب الطلبة عن المدرسة بشكل متقطع، ما يؤدي إلى تأخرهم عن المستوى المطلوب، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أهمها: انتهاكات السلطة القائمة بالاحتلال بحق التعليم، مثل منع الطلبة من الوصول إلى مدارسهم جزئياً أو كلياً عبر الحواجز واقتحامات المدارس والاعتداءات عليها، إضافة إلى قصر الزمن المدرسي السنوي مقارنة بدول العالم، وتقليص الحصة الصفية من 45 دقيقة إلى 40 دقيقة، وتدني متابعة المدرسة وأولياء الأمور لغياب الطلبة، وكذلك مشاركة الطلبة في فعاليات تربوية أو وطنية على حساب الدوام المدرسي، كما أن الإضرابات المتقطعة للمعلمين والكادر التعليمي، وتعطيل حركة النقل المواصلات لأسباب متعددة، وتعطيل الدوام بسبب الأحوال الجوية، وغيرها تزيد من الفاقد التعليمي التراكمي.
- الفاقد الموسمي: يحدث هذا الفاقد بعد العطلات الطويلة، حيث لا يستطيع الطلبة الربط بين التعليم السابق واللاحق، كما حدث خلال جائحة كورونا في العام الدراسي 2019/ 2020م وما بعدها، حيث امتنع عديد المعلمين عن إعطاء الحصص الصفية لفترات طويلة في العامين 2020/ 2021- 2022/ 2023م، وكذلك خلال العدوان على غزة في العام الحالي من 7/ 10/ 2023م – حتى تاريخه، حيث حُرم الطلبة كلياً من الحياة والتعليم وخاصة في غزة، وأما في الضفة الغربية بما فيها القدس فقد قلص عدد أيام الدوام الوجاهي الأسبوعي بشكل كبير.
- الفاقد المرتبط بالفهم العميق للمحتوى التعليمي: يحدُث هذا الفاقد في مادة دراسية معينة أو أكثر بسبب عدم الفهم العميق لبعض المفاهيم أو قلة التركيز عليها، ويرتبط ذلك بأداء المعلم أو تدني تأهيل وتدريب المعلمين، وضعف البنية التحتية للمدارس، وعدم توفر المختبرات والوسائل التعليمية والتقنيات الرقمية المناسبة، وقد ينتج من برامج التعويض الشكلية وضعف عمليات المتابعة والإشراف، وحذف جزء من المحتوى التعليمي، كما يحدث في الصف الثاني عشر، خاصة في السنوات الأخيرة، بدواعي ما فقده الطلبة أثناء جائحة كورونا وامتناع المعلمين عن إعطاء الحصص.
- الفاقد الناتج عن الأزمات: كما حدث خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، وجائحة كورونا، حيث تسبب التعليم عن بُعد في فاقد تعليمي لدى الكثير من الطلبة، وكذلك ما يحدث الآن بسبب جرائم الاحتلال والإبادة في غزة والضفة الغربية والقدس.
ثانياً: التعافي من الفاقد التعليمي
1) الفاقد التعلمي المعرفي:
أ- تحليل البيانات المتوفرة لدى وزارة التربية والتعليم حول معدلات التسرب والرسوب والانقطاع عن الدراسة.
ب- تحديد المهارات والمفاهيم الأساسية في المباحث الرئيسة وفق المرحلة الدراسية ووثائق المنهاج لكل مبحث.
- المرحلة (1-4 أساسي) المباحث الرئيسة: اللغة العربية (قراءة وكتابة)، والرياضيات (الحساب).
- المرحلة (5-9 أساسي) المباحث الرئيسة: اللغات (العربية والإنجليزية)، والرياضيات والعلوم والحياة.
ت- تحديد الحد الأدنى لمستوى الأداء المطلوب وَفق كل مهارة ومفهوم، بما ينسجم مع مؤشرات الأداء في المناهج لكل مبحث.
ث- إعداد (أدوات تشخيص) اختبار واحد لكل مبحث رئيس على مستوى المرحلة الدراسية، على سبيل المثال:
- المرحلة (1-4): يتكون الاختبار من 40 فقرة، تقيس الأداء في المهارات الأساسية وفق مستويات:
المستويات:
الصف (2) الفقرات 1-15.
الصف (3) الفقرات حتى 25.
الصف (4) الفقرات حتى 40.
متدنٍ:
الفقرات (1-5).
الفقرات (16- 18).
الفقرات (26- 30).
متوسط:
الفقرات (6-12).
الفقرات (19- 22).
الفقرات (31- 35).
مرتفع:
الفقرات (13-15).
الفقرات (23-25).
الفقرات (36-40).
ملحوظة: يعتمد تشخيص طلبة الصف الأول الأساسي على ملاحظة المعلم، ومتابعته اليومية للنمو المعرفي والمهاري التراكمي لخبرات الطلبة، دون خضوعهم لاختبارات كبقية طلبة الصفوف الأخرى.
يمكن إعداد اختبار تراكمي لكل مبحث رئيس للمرحلة (5-9) أساسي، يتكون من فقرات تقيس المهارات الأساسية للمبحث وفق مستويات الأداء، كما هي الحال في المرحلة (1-4) أساسي، مع مراعاة خصوصية المرحلة والمبحث.
ج- يتم تحليل النتائج بشكل بسيط على مستوى الأداء المطلوب ويصنف الطلبة وفق مستوى أدائهم.
ح- تُعد المدرسة خطة التعافي من الفاقد التعلمي لتقديم المادة الاستدراكية الخاصة بفئات الطلبة وفق مستوياتهم، ويمكن الاستفادة من الرزم التعلمية المعدة مسبقاً في مرحلة كورونا وبمرونة عالية وفق تقديرات المعلم، ويمكن الاستفادة من أيام السبت إذا تبين أن الفاقد التعليمي كبير ويمثل مشكلة للتعلم اللاحق، أو إضافة 5 دقائق للحصة الصفية إذا كان الفاقد طفيفاً (يعود ذلك إلى تقدير المدرسة).
خ- يتولى مشرف العنقود متابعة تنفيذ خطط التعافي في مدارس العنقود.
د- يتولى مشرف المبحث تقديم الدعم والمساندة للمعلمين من خلال لقاءات فردية وجمعية وجاهياً أو عن بعد، عبر وسائل وتطبيقات التواصل الإلكترونية.
ذ- تتم إعادة الاختبارات مرة أخرى في بداية العام التالي، كاختبار تشخيصي على نفس الطلبة، طلبة الصف الرابع الذين أجري عليهم الاختبار، يعاد في بداية العام الدراسي للمرفعين منهم للصف الخامس.
ر- تعويض وإحلال أنماط تعلّم بديلة تتواءم مع الوضع المستجد، من خلال تدريب المعلّمين والإداريّين على التعامل الفعّال مع جميع الوسائل التكنولوجية، مثل التعليم الإلكتروني والتعلّم عن بُعْد بوصفه خيارًا استراتيجيًا للتغلّب على صعوبات تلك المرحلة.
ز- يراعى في تقييم أداء الكادر التربوي في المدرسة، مدى تحقيق نتائج خطة التعافي المدرسية (القيمة المضافة لتعلم الطلبة).
2) الفاقد الاجتماعي والعاطفي:
أ- تفعيل دور المرشدين التربويين لمعالجة الآثار النفسيّة السلبيّة لدى الطلبة وكافة أطراف المجتمع التربويّ والتواصل بطرق ملائمة مع الطلبة الذين يعانون من الآثار السلبيّة للفاقد التعليمي بسبب الأزمة الراهنة وتداعياتها، خصوصًا ذوي الإعاقة وطلبة المناطق النائية، ومدّ جسور التعاون مع كافة مؤسسات المجتمع المحلّي وصياغة فرص شراكة حقيقية.
ب- اعتماد استراتيجيات التعلم الفعَال (النشط) تحت شعار (نتعلم معاً)، التعلم التعاوني ونظام المجموعات، التعلم بالمشروع، الصف المقلوب، وتعزيز العمل التعاوني.
ت- التأكيد على الأنشطة الثقافية والرياضية والمسابقات، والعمل الطوعي.
ث- لقاءات إرشادية مجتمعية وتوعوية تحترم الطفل وعقله وفرديته.
ج- أي أنشطة أخرى تراها المدرسة مفيدة للطلبة وفق احتياجاتهم.
ثالثاً: استحقاقات استقرار منظومة التعليم: ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات بشكل شامل وعاجل وملح، لتحقيق الاستقرار والتطوير لمنظومة التعليم الفلسطينية بحدها الأدنى:
1- توفير التمويل الكافي: يحتاج قطاع التعليم إلى ميزانية كافية وثابتة من قبل الحكومة الفلسطينية لتغطية جميع النفقات التشغيلية والتطويرية، وتنفيذ نظام رخصة مزاولة مهنة التعليم والرتب، وتحقيق الرضا الوظيفي للمعلم، وتوفير الدعم المالي للمدارس لتطوير البنية التحتية والمرافق التعليمية، وتطوير استراتيجية التنمية المهنية للمعلمين وتحسين جودة التعليم.
2- تحسين جودة التعليم: ربط التعليم بمتطلبات سوق العمل والتطورات العلمية والتكنولوجية، والاهتمام بالتدريب المهني والتقني لإعداد الطلبة للانخراط في سوق العمل، وتحسين طرق التدريس وتشجيع الأساليب التفاعلية والتركيز على التعليم التطبيقي، وتطوير نظام تقويم تربوي شمولي للطلبة، بما يضمن قياس المهارات والكفاءات بشكل أفضل.
3- ضمان المساواة في الفرص التعليمية والوظيفية: العمل على توزيع الموارد والخدمات التعليمية بشكل عادل بين مختلف المناطق والمجتمعات، ما يستدعي التوزيع العادل للكوادر التعليمية بشكل منصف في المدارس دون تمييز جغرافي، واعتماد حوافز للمعلمين في المناطق النائية والأكثر عرضة لاعتداءات الاحتلال وخلف الجدار، وإيجاد حلول لتعزيز وصول الفئات المحرومة والضعيفة إلى التعليم، وتطوير برامج الدعم المالي والتحفيزي للطلبة ذوي الظروف الاقتصادية الصعبة. وتطوير نظام عصري لاستقطاب الكوادر المؤهلة والقادرة على إحداث التغيير والتطوير والنهوض في التعليم الفلسطيني، خاصة وأن النظم المعمول بها تحتاج إلى تجديد وبث الحياة فيها من جديد.
4- تطوير البنية التحتية التعليمية: تأهيل وترميم المباني المدرسية وتزويدها بالتجهيزات والمختبرات الحديثة، وتعزيز البنية التكنولوجية في المؤسسات التعليمية من أجهزة وشبكات إنترنت وبرمجيات، ومستحدثات تكنولوجية، وتوفير مساحات آمنة ومجهزة للطلبة للأنشطة الصفية واللاصفية.
5- تعزيز الشراكات والتنسيق: تفعيل التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمؤسسات المجتمعية والدولية لتوفير بيئة آمنة ومستقرة لتنفيذ برامج التعافي، وتشجيع إجراء دراسات ميدانية شاملة لتحديد مستويات التحصيل العلمي للطلبة في مختلف المراحل الدراسية، وإشراك أولياء الأمور والمجتمع المحلي في دعم برامج التعافي والتطوير التعليمي، وتعزيز التوجهات نحو التمويل الوطني للتعليم بما يحقق سيادية التعليم.
6- تطوير النظم والتعليمات المعمول بها، خاصة ما يتعلق بالزمن المدرسي وزمن الحصة الصفية، إضافة إلى ضرورة مواءمة التشريعات الواردة في قانون التعليم الفلسطيني بما يحقق النهضة الشاملة المنشودة.
7- تشكيل مجموعات ضغط ومناصرة من المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع الأهلي، بالتعاون مع الشركاء على المستوى الإقليمي والدولي لحماية التعليم من انتهاكات السلطة القائمة بالاحتلال للتعليم في فلسطين، وحق الطلبة في تعليم نوعي وشامل بحرية وكرامة، وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي والعهد الدولية واتفاقيات جنيف وخاصة الرابعة والبروتوكولات التابعة لها.