“اسرائيل” عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع، بقلم : راسم عبيدات
في كلمة لرئيس الوزراء ” الإسرائيلي” نتنياهو من أمام نصب تذكاري لجنود الإحتلال الذين قتلوا في المعارك والحروب مع الدول العربية والمقاومة الفلسطينية ،كان يجاهد من اجل عدم مقاطعة اهالي هؤلاء الجنود القتلى لكلمته،وكذلك تجنب الشتائم والمسبات التي انهالت على شركائه في الحكومة في مواقع أخرى بن غفير وميري ريغيف وغالانت وسموتريتش وغيرهم،وتلك الكلمات أقل انواع الشتائم والمسبات التي وجهت لهم ” زبالة” و”نفايات” وعصابة …نتنياهو الذي تحدث عن الألم والأثمان الباهظة للحرب،والعمل من أجل إعادة المخطوفين،بات على قناعة بأن ما توفر لحربه العدوانية والوحشية والتي شنت على قطاع غزة رداً على ما حصل في ال 7 من اكتوبر، مدفوعاً بغرائز الثأر والإنتقام والعنجهية ،من إجماع داخلي وخارجي ودعم عسكري وسياسي واعلامي وشعبي في بداية هذه الحرب،وما كان يتمتع به جيشه من روح قتالية وكفاءة ووفرة موارد، لم يعد قائماً ،بل يشهد حالة من الإنقلاب والتراجع في التأييد داخلياً وخارجياً،ولكن رغم ذلك يصر على أنه على بعد خطوة من ما يسميه بالنصر الساحق،وبأن هذه الحرب لا تحتمل التراجع،وهي حرب وجوديه بالنسبة لدولته.
الواقع يعاند دولة الإحتلال ويقول بأن هذه الحرب المجنونه بكل وحشيتها وثأريتها وإنتقامها وما أرتكب فيها من جرائم وقتل بحق المدنيين وتدمير ممنهج،لن تقرب ” اسرائيل” من تحقيق أهدافها ولا من تحقيق مقولة ” النصر المطلق”،ولا تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى المتطرفة والموجهة للداخل “الإسرائيلي” التي خرج الجيش “الإسرائيلي” لتحقيقها بدعم وتأييد شعبي غير مسبوق لا يقل عن 94%،أهداف القضاء على المقاومة وقادتها وقدراتها العسكرية والتسليحية وتدمير الأنفاق وإستعادة الأسرى لدى المقاومة و”الهندسة” الديمغرافية” للقطاع عبر طرد وتهجير ما لا يقل عن 25%من ابنائه.
فنحن نجد رغم دخول الحرب لشهرها الثامن، بأن تحقيق هذه الأهداف يبتعد شيئاً فشيئاً ،وأزمات “اسرائيل” سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية، تزداد تعمقاً وكذلك هي الخلافات والصراعات والإتهامات بين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة وبين المؤسسة السياسية من جهة أخرى، فهناك شبه اجماع في مستويات القرار العسكري والأمني ،بأن هذه الحرب باتت عبثية والعملية العسكرية وصلت الى نهايتها،وبأنه لا يمكن استعادة الأسرى بدون صفقة تبادل،وهذا ما دفع ب”يورام حامو” المسؤول عن السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي،إلى الإستقالة، على خلفية “الفشل في اتخاذ قرارات على المستوى السياسي بشأن اليوم التالي” في غزة.وأيضاً سبقه لتلك الإستقالة إستقالة مسؤول منظومة الدعاية ” الإسرائيلية” هسبرا” موشيك أفيف.
في حين يقول جنرال الإحتياط المتقاعد وقائد فرقة غزة سابقاً غادي شمني،معركة رفح هدفها سياسي إنقاذ حكومة نتنياهو من السقوط من قبل شركائه من الصيهونية الدينية والقومية سموتريتش وبن غفير.
نتنياهو المسكون ب” فوبيا” حماس،والمرتجف على مستقبله الشخصي والسياسي ،والخوف من فرط حكومته من الداخل،وقضاء بقية عمره خلف جدران السجن،والمعتد بنفسه وقدراته كثيراً وصولا الى العنجهية والغرور القاتل،ظل يردد مقولة من يريد أن يمنعنا من الذهاب لرفح،يعني أنه يريد لنا الهزيمة وعدم القضاء على المقاومة وحماس،وها هو ذهب الى رفح ،ومن رفح يعود للشمال الى جباليا وحي الزيتون في دورة جديدة من القتال العنيف،كبداية للحرب من جديد،وهذا يقول بأن ما تحدث عنه من قضاء على المقاومة في الشمال والوسط والجنوب ،مجرد وهم لا اساس له على أرض الواقع،فالخسائر في جنوده والياته تبلغ ارقام قياسية، والقول بأنّ خطوة واحدة فقط تفصله عن «النصر المطلق» فقد كان الواقع يثبت أنّ هذا النصر المُدّعى بعيداً جداً عن متناول اليد “الإسرائيلية”، وليس هو فقط على هذا البعد بل أيضاً حتى شبه النصر أو الأمل بتحققه غير قائم في حيّز الواقع.
نتيناهو وأمريكا معه عالقتان في قطاع غزة، فالتراجع يعني التسليم بالهزيمة دون تحقيق الأهداف،وبشروط المقاومة،وهذا يعني بأن نتنياهو سيقامر بمستقبليه السياسي والشخصي ،وعدم التراجع يعني أنه يغوص في رمال غزة بحرب استنزاف طويلة ،ولذلك في ظل هذا الوضع المتمثل بالعجز عن التراجع والعجز عن التقدم ،وجدنا نتنياهو يختار الإستعاضة عن الفشل بعمليات القتل والتدمير الممنهج التي تنتج الإبادة الجماعية،حيث 75% من منازل غزة قد جرى تدمير و 33 مشفى اخرجت عن الخدمة بشكل نهائي،والتجويع والحصار ومنع وصول السلع الأساسية،ناهيك عن شمول مراكز الإيواء والمدارس والمراكز والمؤسسات الدولية بالقصف،بحيث لم يعد هناك مكان امن لسكان قطاع غزة يلجؤون اليه،ورغم ذلك وقاحة مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سولفان وبما فيها من تجرد اخلاقي وقيمي، يقول بأن لا يوجد دليل على أن ما تقوم به ” اسرائيل” في قطاع غزة إبادة جماعية،بل ربما هذا العدد الكبير من الشهداء وبالذات من الأطفال والنساء، ناتج عن قيام كائنات فضائية بقتلهم.
نتنياهو وحكومته ومجلس حربه،يدركون بأنهم في الميدان أمام حاجز صد،وما لم يحققوه في السبعة أشهر الماضية،لن يستطيعوا تحقيقه في معركة رفح ،بل سيكون هناك المزيد من الإستنزاف والتاكل في قوة الردع .
في معارك رفح وبقية مناطق القطاع من شمالها لوسطها الى جنوبها ندرك بأن الإحتلال” الإسرائيلي” لم يستطع تحقيق أهدافه المُعلنة بالحد الأدنى فما زالت الصواريخ حتّى اليوم تسقط في بئر السبع وعسقلان ومستوطنات غلاف غزّة، وأن “المسألة ليست فقط بفشل تحقيق الأهداف بل هي مسألة خسائر استراتيجية”.
وحتى قادة المستوطنين في مستوطنات الشمال والجنوب،يقولون بشكل واضح بأن دولتهم تثبت بأنها “دولة” عاجزة وفاشلة وغير جديرة بالثقة ،وهي التي وُعدهم قادتها بالأمن والأمان والعودة الى المستوطنات التي هجروا منها،ولكنهم حتى اللحظة يبيعونهم الوهم وغير قادرين على إعادتهم،مما جعل مستوطني مستوطنات الشمال،وفي ظل ما يعيشونه من مازق وعدم إستقرار ومشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية،وفي خطوة احتجاجية وفي الذكرى ال 76 ل” استقلالهم”،أي ذكرى نكبة شعبنا،يقولون بأنهم سيعلنون إقامة دولة الجليل،مستقلة عن “دولتهم”.
ما تبدو عليه صورة ” اسرائيل” اليوم، بلا ردع ولم تنجح في ردع المقاومة من كلّ دول المحور وأصبحت صورتها متآكلة، ونتنياهو يعتبر أنَّه في مأزق كبير فهو غير قادر على الانسحاب من غزّة، لأنه سيواجه التمرد ولا يستطيع الاستمرار لأن هزيمته حتمية، وكبار جنرالات الحرب يقولون إن إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب يجر “اسرائيل” نحو الهاوية”.
الحرب اليوم على غزّة هي أكبر معركة يخوضها الشعب الفلسطيني مع “اسرائيل التي ستخرج مأزومةً من الحرب. فالمقاومة اليوم باتت تملك جرأة أكبر في المفاوضات”.
إن “اسرائيل” ونتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما، إما العودة لورقة الوسطاء وذلك يعني الهزيمة أو الاستمرار في الاستنزاف، ومهما كانت المعاناة والثمن الباهظ الذي يدفعه شعبنا الفلسطيني، فمعركة اليوم معركة تاريخية وتصنع إنجازًا حقيقيًا.
فلسطين – القدس المحتلة