هل نحن كفلسطينيين نريد تحقيق مصالحة ووحدة وطنية حقيقية؟ بقلم : د. علاء الديك
حصل الإنقسام الداخلي عام 2007 وأصبح هناك حكومة بزعامة حركة فتح في الضفة الغربية، وأخرى في قطاع غزة بزعامة حركة حماس. وهنا لا بد من التطرق لسلسلة من المحطات في محاولة لتحقيق المصالحة الداخلية وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتي لم يكتب لها النجاح بعد، وأهمها: في مارس 2005 تم التوقيع على إعلان القاهرة بين الفصائل بما فيها حركتي فتح وحماس، وكان هدفه هو إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل كل الفصائل الفلسطينية في إطارها.
وفي مايو 2006 صدرت وثيقة الأسرى الفلسطينيين “وثيقة السجناء” من داخل سجون الإحتلال، حيث وقع عليها خمس فصائل فلسطينية بما فيها حركتي فتح وحماس، والتي هدفت لتوحيد الكل الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي فبراير 2007 تم التوقيع على إتفاق مكة المكرمة بين حركتي فتح وحماس، بهدف وقف الإقتتال الداخلي في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي مارس 2008 تم الإعلان في صنعاء عن إتفاق لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، على أن تعود الأمور لما كانت عليه قبل حدوث الإنقسام الفلسطيني في يونيو 2007. وفي مارس 2009 تم الإعلان عن محادثات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتحضير لإجراء إنتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية في يناير 2010. وفي مارس 2010 تم عقد لقاءات بين حركتي فتح وحماس في دمشق والدوحة بهدف تحقيق المصالحة.
وفي سبتمبر 2010 قدمت القاهرة وثيقة جديدة بهدف تحقيق المصالحة وتقريب وجهات النظر، وفي نوفمبر من نفس العام إجتمعت كل من حركتي فتح وحماس في دمشق للغرض نفسه ولكن دون جدوى. وفي مايو 2011 تم الإعلان عن إتفاق القاهرة لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء الإنتخابات العامة. وفي فبراير 2012 تم الإعلان عن إتفاق الدوحة لتنفيذ ما أتفق عليه في إعلان القاهرة عام 2011.
وفي مايو 2012 تم الإعلان عن إتفاق القاهرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية والدعوة لإجراء إنتخابات عامة. وفي أعقاب حصول فلسطين على مراقب في الأمم المتحدة في ديسمبر 2012، في يناير 2013 تم عقد لقاء بين حركتي فتح وحماس في القاهرة لتباحث تحقيق المصالحة. وفي ابريل 2014 وقعت حركتي فتح وحماس على اتفاقيتي غزة والقاهرة بهدف تشكيل حكومة وحدة (تكنوقراط)، والدعوة لإجراء إنتخابات عامة في غضون ستة أشهر.
وفي يناير 2016 عقدت حركتي فتح وحماس محادثات لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في الدوحة سراً، وفي فبراير من نفس العام لم يكتب النجاح لهذه المفاوضات بتحقيق المصالحة الداخلية. وفي الربع الأخير من 2017 وقعت حركتي فتح وحماس إتفاق في القاهرة بهدف تحقيق المصالحة الداخلية وتمكين حكومة الوفاق الوطني من النجاح والقيام بمهامها وفقاً للجنة القانونية والإدراية للبت بكافة القضايا العالقة. وفي يوليو 2020 تم عقد مؤتمر صحفي مشترك بين حركتي فتح وحماس بهدف مواجهة صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية. وفي ديسمبر 2020 عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجتماع للأمناء العامون للفصائل الفلسطينية كافة وبحضور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في مدينتي رام الله وبيروت، وأكد فيه على ضرورة تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية كشعب واحد ونظام سياسي واحد، وصولاً لتحقيق أهداف وتطلعات شعبنا في الحرية والعودة والإستقلال.
وفي أكتوبر 2022 قامت الفصائل الفلسطينية كافة وبحضور حركتي فتح وحماس بتوقيع إتفاق الجزائر لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، على أن يتم إجراء إنتخابات عامة في غضون عام من توقيع الإتفاق، والتأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني مع ضرورة إنخراط كافة الفصائل فيها. وفي يونيو 2023 تم عقد لقاء بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية بهدف تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية في القاهرة. وفي فبراير 2024 تم دعوة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي فتح وحماس لحضور محادثات موسكو بهدف تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، وعليه تم الإعلان عن توقيع تفاهم بين الفصائل لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
في المحصلة، لقد طال إنتظار المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية كثيراً، وتقديراً للشعب الفلسطيني وتضحياته النبيلة، وإحتراماً لجهود ومساعي الأصدقاء وأحرار العالم الذي يقفون مع الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، لا بد من تحمل المسؤولية الوطنية والمجتمعية والنزول عند رغبة الجماهير وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية حفاظاً على مكتسبات الشعب الفلسطيني.
وفي تطور لافت وملموس، إتفقت كل من حركتي فتح وحماس على مواصلة الحوار لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية في يونيو القادم في العاصمة بكين بدعوة رسمية من القيادة الصينية، وذلك بعد لقاء جمع الطرفين في بكين أواخر نيسان 2024 برعاية صينية لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية. وعلى الرغم من إستمرار حالة الإنقسام وغياب المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، وخاصة في ظل إستمرار حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه، مازال الشعب الفلسطيني موحداً بتضحياته ومواقفه الوطنية في سبيل عدالة قضيته والدفاع عن حقوقه المشروعة للخلاص من الإحتلال وويلاته.
وعليه، جاءت الصرخة لتلبية طموحات الشعب الفلسطيني بتحقيق وحدته الوطنية ومن ثم دعم حق تقرير مصيره في الحرية والعودة والإستقلال.
نعم، لبت جمهورية الصين الشعبية النداء لترفع الصوت عالياً بكل صدق ووفاء وإخلاص وتضحية، وتدعو الفلسطينيين لإجراء مباحثات جادة ومسؤولة في بكين في يونيو القادم بهدف تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لإنقاذ العدل والإنصاف للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لأن الصين تؤمن أن تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية هي ضرورة ملحة لإنجاح جهود حل القضية الفلسطينية بشكل عادل، وأيضاً تجسيد العمل الجماعي الفلسطيني العربي بإمتلاك الوحدة والعزيمة والإرادة الحرة لدعم جهود الصين لمواجهة الظلم والهيمنة وإزدواجية المعايير في النظام الدولي من قبل بعض القوى التي تدعم القوى الإستعمارية وتتجاهل قضايا وحقوق الأخرين المشروعة والعادلة.
إنها الفلسفة ذات الخصائص الصينية التي إرتبطت بالواقع من خلال النجاح في النظرية والممارسة، فالثقافة الصينية هي ثقافة العدل والسلام والتسامح، والحكمة الصينية هي منارة المبادئ الإنسانية لتجسيد التفاهم والحوار والعيش المشترك. فالدبلوماسية الصينية ومنذ إعلان مؤتمر باندونغ عام 1955 رفضت الإحتلال الأجنبي ودعمت السيادة الوطنية للدول وشعوب المنطقة العربية.
واليوم ومع إعلان دولة الإحتلال حربها الشاملة على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه، تقف الصين بموقف ثابت وحازم وشجاع لتدافع عن عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وبالأمس القريب دعمت الصين وبذلت كل الجهود وصوتت لصالح القرار الأممي لتصبح فلسطين بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، إلى جانب تصويت كل الأحرار في العالم.
عربياً وإسلامياً
على الدول العربية والإسلامية كافة دعم نجاح جهود جمهورية الصين الشعبية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. وأن تقوم تلك الدول بإرسال وفد عربي وإسلامي مشترك إلى بكين من أجل مساندة العزيمة الصينية الصادقة لتحقيق الحلم الفلسطيني وإنجاز المصالحة الداخلية الفلسطينية، ومن ثم العمل المشترك وبالخطوات الملموسة لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ودعم وتبني مسار سياسي جدي يفضي لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل وجذري وشامل وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام أكثر مصداقية وتعددية وفاعلية، والذي يلبي طموحات الشعب الفلسطيني بالحرية والعودة والإستقلال وتقرير المصير بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
فلسطينياً
على الكل الفلسطيني إستثمار الجهد والموقف الصيني لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية على الأرض الصينية، لأن الصين صادقة ومخلصة بدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية والسعي الجدي لتجسيد عدالة القضية الفلسطينية بشكل حازم وثابت وفعال. وأيضاً على الكل الفلسطيني تحمل المسؤولية الوطنية وإنجاز ملف المصالحة والوحدة الداخلية الفلسطينية إحتراماً لتضحيات الشعب الفلسطيني ولموقف جمهورية الصين الشعبية وجهودها المستمرة لدعم القضية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني.
وكذلك على الكل الفلسطيني نبذ الحزبية والفردية وتغليب المصلحة الجماعية العليا للشعب الفلسطيني في سبيل الحفاظ على قضيته الوطنية ووحدة وسلامة شعبه ومؤسساته وأراضيه. وأخيراً على الكل الفلسطيني الإبتعاد عن المراهنات التي تتجاهل حل القضية الفلسطينية، والعمل على كسب الأصدقاء ومزيد من أحرار العالم لدعم عدالة قضيته وحقوقه المشروعة.
د.علاء الديك، متخصص بالدراسات الصينية والعلاقات الدولية.