نازية العصر الجديد إلى أين؟ بقلم : أ. خضير بشارات
منذ شرارة عام ( 1965 م ) و تفجير نفق عيلبون و انطلاقة الرصاصة الأولى في وجه الاحتلال و عبر التاريخ الطويل لكفاح الشعب الفلسطيني و الذي آخره السابع من أكتوبر من العام الماضي (2023م ) و الثورة الفلسطينية مستمرة و مشتعلة و شلال الدم الفلسطيني يتدفق ، لنيل الحرية و الاستقلال ، غير ملتفت إلى كل المشاريع الاستعمارية التي تهدف إلى تصفية القضية الوطنية ، و ذوبانها في دول الطوق تحت مسمى أرض بلا شعب ،
إن الأرض الفلسطينية كأبنائها الحقيقيين ترفض كل ما هو غريب و لا تقبل سيطرته عليها فهي تقاتل بكل مكوناتها ، الشجر يتشبث بمن زرعه ولا يتماشى مع اليد التي تحاول كسره فهو صلد أبي على الغربان ، الحجارة تتهاوى على العدو ، يقذفها الهواء النقي الرافض كل ملوثات الجو ، فهو جزء من المظاهر الكونية التي تتشكل منها فلسطين فيقاتل لبقائه نقيا طاهرا ، الإنسان الفلسطيني يناضل و يقاتل ، يواجه و يتحدى الهمجية الصهيونية ، ليدحض كل القرارات المزعومة التي تدعو لتوطين الاحتلال في وطنه ، المخيم رغم جرحه النازف الذي يمتد إلى سبعين عاما بل أكثر يوسع مدى ثورته ويطور أساليب الكفاح و يضيق الخناق على العدو فهو في حالة غير استقرار ليعود إلى مسقط راسه ، عهد اتخذه على نفسه و لم ترم الأجيال مفاتيح المنازل التي هجر منها الأجداد ، فالأحفاد حفظوا الوصية جيدا ، و لم ينسوا العهد و لم يتجاهلوا قسم النازحين أو اللاجئين ، فحق العودة تحفظه الذاكرة الوطنية مهما اشتعل الوطن سنينا من عمر الاحتلال ، الأرض ترفض الأقدام التي تسير عليها أجنبية الأرقام المدونة عليها و غريبة الصنع و ظلامية اللون الذي يطمس زي من يلبسها ، هي الأرض التي يلائمها من يخفف الوطء عليها ، و يرفق بتضاريسها ، و يتحسس جمالها ، و يعيش مع وعورة جبالها ،
إن ما تحياه الأرض الفلسطينية لهو حرب إبادة ، أطفال و نساء و رجال يحرقون بنيران العدو الصهيوني و المدعوم من رأس الشر أمريكا و معها عصبة الدول الاستعمارية ، فمن هنا يتحتم الحديث بلغة واحدة ، اما أن نطلق العنان للغة العقل أو أن نطلق أجنحة العاطفة ، فلا يجوز الدمج بينهما ، كما لا يعقل إن نكون عقلاء و مجانين في آن واحد ، فالتفريق بينهم واجب وطني ، و لا يمكن أن نحصرهما في وقت واحد أو مكان واحد فلكل منهما زمان و رجال ، فالحرب مؤلمة و لم يبدأ مشوار التعب بعد ، فساحة الحرب لازالت مستعرة و هاجة ، و نحن نقف في قارعة الليل ، نبحث عن حلم ينجينا ، جلدنا أنفسنا كثيرا في عمق السلم الذي لم تنبت بذوره بعد ، فجاءت عجلة الدورة الأخرى و وقفنا مذهولين لم نعرف ما نريد بعد ، فلحقنا الانقسام و الذي هو جزء من صفة القذارة التي منعت كل الاطياف من أن تقف في طريق واضحة الأهداف و معالمها معروفة ، تغطوا بقشور الأنا ، ليرفعوا عن صدورهم الملامة ، عروا ظهور الأبرياء لتبقى جباههم في أكياس البيع و الشراء ، من هنا لا أمل قريب ، فتلوح بشائره في أفق السماء المحروقة ، محرقة العصر و حرب الإبادة نعيشها اليوم بكل تفاصيلها الصغيرة منها و الكبيرة التي تقض مضاجع الإنسان ، فلا نعلق الآمال بالمحهول ، فلنتركه يأتي بما يحمل عسى أن يكون فرجا ، اليوم هو آلة البطش الصهيونية تضرب حممها ، تدمر ، تهدم ، تقتل ، تشرد لم تبق ما هو أهل للحياة ، تجعل الإنسان الفلسطيني يبحث عن أصغر حقوقه إن وجدها في قارعة الطرقات المتهدمة ، يفتش عن خيمة و ماء يقيه لهيب الصواريخ المتفجرة في أجساد الأطفال ، تعيدنا الهجمة الصهيونية إلى عقود حيث النكبة الأولى ، حيث الخيمة و كرت المؤن و علامة اللاجئ التي انطبعت على وجوه المشردين ، على الفلسطيني اليوم أن يحافظ على كمية الهواء النقي التي يمتلكها ليتنفس من خلالها ، و تمكنه من العيش في ظل السموم التي ترسلها طائرات العدو ، التي لا تحترم الإنسانية و لا تراعي قوانين الحروب ، فتقتل الأطفال و النساء و الرجال و تطحن البراءة و تخلطها مع ركام المنازل ، في ظل الدمار الذي اصاب القضية و ما يتبعه من الصمت العربي و الأجنبي تجاه الشعب الفلسطيني على الفلسطيني أن يصدح باعلى ما يملك من صوت ، أن يخرج عن صمته و إلا سيلحق بركب المتخاذلين الذين ينتظرون سقوط فلسطين من كبوتها لمرة آخرى أمام وحشية العدوان الإسرائيلي فاقد القيم و الأخلاق الإنسانية.