وقفة مع أدبيات السجون، بقلم : رولا خالد غانم
الكتابة بالنسبة للأسرى ليست لعبة يتلهون بها..ولا هي ترفيه يهربون إليه من ضيق ماهم فيه.
القيد ليس رحيمًا حتى وإن كان من ماس أو ذهب أو أحجار كريمة
فكيف إذا كان من حقد وعداء وأغلال وسجون!
االأسرى يكتبون كي تطيرَ سحبُهم من بينِ القضبان
حتى تمطر ولو كانت حلمًا بيد قادم قادر على صناعة الخلاص.
لذلك هم يكتبون.
لا يكتبون كي نتخيل عندما نقرأ تركيباتِهم اللغوية ..ومستويات قدراتهم على نقل مايدور هناك في ظلمات ٍ لايعرفُها من لم يعش فيها،
إنهم يكتبون كي يسطع ذات يوم نور العدالة.. إنهم صانعو وقود هذا النور
وهم ينتظرون القادم الذي سيقدح شرارة اشتعالِه….
لقد قرأت ماقرأت
لكني حينما أمضي مع كاتب مثل الفهد
وكتابة مثل هذه.. أخرج عن طور العقل إلى طور الجنون…اذ لايسعني عقلي على احتمال مايحدث هناك..ولأنه لايستطيع تفكيك بنية هذا النوع من الظلام الذي يضعونهم في داخله.. أخرج إلى برهة من جنون عساها تحرر قدراتي من قيد مازلت مثلَهم أناضل كي ينكسر..
إنهم يكتبون داخل معتقلاتهم
داخل سجونهم
داخل زنازينهم..من أجل أن يقرأ من يصل إليه خطابُهم فيزيد الثائرون على القيد واحدا
ومن لم يقرأ لهم.. أقسم أنه لم يعرف طعمَ الحرية بعد.. إذ لايمكن أن نعرف الحق.. إلا بالباطل..ولا يمكن أن نعرف العدل إلا بالظلم..
وهم يكتبون من قلب الظلم ..كي نعرف كيف نخلص منه بالعدل..وهل ثمة عدالة بدون قوة تتحقق!
إننا قوتُهم فلنقرأ لهم..كي نغذي وقودَ انتظارِ خلاصهم ونزيد من نيران حريتنا بهم..
الحق كتّاب السجون هؤلاء ..لولاهم لما عرفنا معنى الحرية..ولامعنى أن يكون الحرف بارودًا ووردًا في آن واحد.
إنه الأهم في رحلة نضال شعبنا.. والأهم الأهم في الخلاص من الظلم.. وقبل الحديث عن كتاب البطل فهد الصوالحي، سأقف قليلا على أدب السجون، أدب السجون هو أدب إنساني يكتبه الأسير ليعبر عن معاناته ويرصد تجربته داخل الأسر بالأحرى هو أدب التجربة أو الاعتقال الذي يتميز بالصدق والعفوية، لأنه انعكاس للواقع وبما أن الأسير صاحب معاناة حقيقية فقد شكلت معاناتُه أساس الإبداع لديه، وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبيّة في الأدب الفلسطينيّ الحديث، أفرزتها خصوصيّة الوضع الفلسطينيّ، وكتاب أو رواية أو سيرة فهد الصوالحي يندرج أوتندرج تحت إطار أدب السجون وصف من خلال هذا الكتاب حياة الأسر بالدقة ووقف على التفاصيل الصغيرة مستخدما لغة سلسة بأسلوب شائق، يقول واصفا سجن ريمون:”ساحة كبيرة كثلث ساحات النقب، خمسَ عشرةَ غرفة تلف الساحة إضافة إلى ثلاث غرف تستخدم كمرافق عامة، مطبخ ومكتبة وكنتين”.
لم يتناول الصوالحي فقط تجربته في الأسر بل أخذ يقفز بذاكرته نحو الماضي يستحضر ماضيه الأليم يستعيد ذكرياته في المخيم، وعادة ما يحضر المخيم في الرواية كمكان قسري صنعته النكبة، مكان يكتظ بالمشاهد والصور الموجعة التي تكاد أن تنطق،مكان يعج بالقهر والأحلام العالقة ذات الوقت، مكان انطلاق الثورات وانخراط الكاتب بالمقاومة يقول الصوالحي:”أشهر قلائل أذنت لي بأن ألتحق بكتائب رماة الحجارة، عشرُ سنوات كانت قناعتي بأن هذا العمر هو عمر البلوغ الثوري الذي قد يؤهل لاجئًا فلسطينيًا للعمل ضمن صفوف الثورة”. ولم يسلط الصوالحي الضوء على مخيم بلاطة فقط بل تعداه إلى مخيم عسكر وهذا الحضور المكثف للمخيم لم يكن عبثًا وذاكرة حية فقط بل كان خزان حكايات ومنبع للمقاومة ومكان تفجر الثورة.
يقول:”تلة مخيم عسكر منطقة ليست بعيدة عن مخيم بلاطة الذي أسكن فيه، يشرف طرف منها على شارع تستخدمه سيارات الاحتلال في تنقلاتها بين المستوطنات والمعسكرات المقامة على أطراف المدن في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام ١٩٤٨”.
كما وتحدث الصوالحي عن معاناة الفلسطيني على الحواجز خاصة قلنديا الذي كان يمر عنه هو أثناء دراسته، فكان من ضمن الأماكن المشؤومة في الكتاب والتي تعرقل مسيرة وحركة الشعب الفلسطيني، يقول:” وما إن عدت لمنطقة قلنديا إلا وقد سبقني إليها جموع الغاضبين الذين استفزت حجارتهم جنود الاحتلال المتواجدين على مطار وحاجز قلنديا”.
وشكلت الانتفاضة الأولى الحجارة مصدر إلهام وحافز للكاتب خصوصا انه عايشها وتأثر فيها كغيره من أقرانه، يقول:”وإلى منتصف الثمانينات حيث بداية الطفولة مخيم بلاطة ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية
هناك بدأت القصة التي ألحت علي البدء في رفع الستار عنها .. المشهد الذي أتذكره اقتحام جنود الاحتلال للمنازل ليل نهار .. اعتقالات للشبان فرض لمنع التجوال.. خوف ورعب”.
إجمالًا إن كتاب الأسير فهد الصوالحي تجربة إبداعية وإنسانية صادقة تعبر عن حجم معاناة وقهر الأسير داخل المعتقل..