7:52 مساءً / 24 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب، بقلم : سماح خليفة

سماح خليفة

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب، بقلم : سماح خليفة

“فَلْتَمُت ذكرى عماليق تحت السماء”، عبارة قالها سموتريتش أول أمس في تصريحه حول ضرورة الإبادة المطلقة للفلسطينيين، وتهديده بإسقاط الحكومة إذا لم يتم اجتياح رفح، وذلك إثر لقائه نتنياهو الذي بدوره قال سابقًا “لقد قتلنا هامان”، فما انفكّ هؤلاء المتطرفون الإرهابيون، يستخدمون اللهجة الدينية التوراتية، يستدعون من خلالها المنطوق الديني في تصريحاتهم، منذ اللحظات الأولى لواقعة السابع من أكتوبر، فمن أي باب يلجأ هؤلاء إلى مثل تلك الخطابات؟

يعدّ العامل الديني الرافد الأساس الذي تقوم عليه الشريعة اليهودية، لخدمة الأيدولوجية الصهيونية في حربها على فلسطين، منذ تأسيسها عبر التاريخ، فكان عمودها التّلمود الذي وجّهَ اليهود نحو الاحتقار التّام لشعوب الديانات الأخرى، وهو ما تَمثّل جليًّا في الأوساط الشعبية والرسمية في المجتمع الإسرائيلي في العقد الأخير، من خلال تصريحات كل من سموتريتش، وبن غفير، وغالانت، ونتنياهو، وغيرهم من حاخامات اليهود في إسرائيل، بيد أن هناك شرائح من التيار العلماني و”المؤرخين الجدد”، ترفض هذا المبدأ وتنفر منه.

وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على أزمة سؤال الهوية الوجودية لدى المجتمع الإسرائيلي، وخاصة بوجود جماعات غير متجانسة تمّ غسل أدمغتها حول “الوطن الموعود” واقتلاعها من أوطانها الأصلية، وزرعها في بيئة أيديولوجية صهيونية، مما جعلها تشعر باغتراب حقيقي داخل إسرائيل، عندما شهدت التناقض بين القول والفعل على أرض “إسرائيل الموعودة”، وإن حاولت أن تقنع ذاتها بخلاف ذلك.

وهذا بكل تأكيد يعيد للواجهة الخلاف القائم بين الصهيونية بِشِقّيها “الدينية” و”العلمانية”، والهوية الدينية وهوية التطبيع الذي يجعل من الشعب اليهودي شعبًا منخرطًا مع شعوب الحضارة الغربية.

إذن من الممكن أن يكون الخطاب الديني لدى السياسيين مدعاة للتأثير على التيارات الدينية في الداخل والخارج، لكسب تأييدها، فضلًا عن حقيقة الوجود الضبابي في الهوية اليهودية المتشرذمة بين هنا وهناك، أو لنقل بين أصقاع العالم جميعها، ولا نستطيع أن نغفل هيمنة المؤسسة الحاخامية في الخارج، وتأثيرها الكبير على الفعل السياسي، كما أن المنطلق الديني لأحقية الوجود والأرض الموعودة أصبح نسقًا جمعيًّا يتمسك به جيل “إسرائيل” عن الأجيال القديمة الدخيلة على الأرض، وهنا تكمن خطورة النسق المتواتر الذي سيتحول بفعل الزمن إلى وجه “الحقيقة”، بعد تلبّسه لبوس “الوهم” و”كذبة” شعب بلا أرض لأرض بلا شعب، فهل ينجو المجتمع الإسرائيلي من هذا الانفصام، ذي الوجهين: واحد بثوابت عقائديّة واضحة شكّلت مقولاته الأولى، لتسويق احتلاله لأراضي الغير، بوصفها الأرض الموعودة لشعب الله المختار، والثاني على محيّاه معالم الحياة العلمانية الاستهلاكية كوجوه غيره من الشعوب؟ وهل ننجو نحن الفلسطينيون من هذا الجيل الجديد الذي سيصبح، فيما بعد، جيلًا قديمًا يورّث رؤيته التي شهدها على أرض ولد فيها، نسقا يتجذّر بأحقيته في الوجود؟

هذا ما دفع نتنياهو للجوء إلى وجهة سياسات التطهير العرقي العنصرية الإقصائية، بالوجه الديني العصري دون أن يسقط البعد التاريخي، إنما يستفيد منه، لصياغة خطاب استعلائي يمكّن فكرة “الأنا والآخر”، تحت مظلة عقائدية بإمكانها أن تُجرِّم أي نقد سياسي أو قانوني، وتحمي نفسها من غيمة سوداء تريق مزيدًا من الدّماء، تمكنهم من تبرير الممارسات والسلوكيات الإجرامية.

وما بين السياسة الأوروبية وخاصة السياسة الامبريالية الأمريكية، والسياسة اليهودية بمنطوقها التلمودي، تلتقي اللغة الدينية الاستعلائية، ليتكشف وجه الحرب التي خاضها الطرفان على الإسلام، و”الإرهاب” في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، التي كانت باعتراف “دونالد ترامب” صناعة أمريكية، وبغض النظر عن أحداث أكتوبر 2024م، وإن كان لإيران يد في صناعتها من عدمه إلا أن إسرائيل اتخذت هذا الحدث العظيم وقولبته لخدمة أهدافها وصياغة خطاباتها، حول تدمير “الإرهاب” الذي تمثله “حماس”، مما يعنى أن المستعمر الإمبريالي وحليفه الصهيوني، إنما ينطلقون في استهداف المنطقة من منطلقات دينية واضحة.

وبالعودة إلى مسألة “العماليق: الفلسطينيين” التي أرّقت سيموترتش في الآونة الأخيرة، فهي إشارة واضحة وصريحة إلى تشريع إبادة الآخر بكل مكوناته الاجتماعية والحضارية، في المنطقة العربية كاملة، لتنفيذ مخطط قيام “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، من منطلق ديني، وبالتالي تشكيل شرق أوسط سياسي جديد.

إنّ التأمل في استعارات مثل هذه الخطابات، وتحليل مضامينها، للتوصل إلى دلالاتها، يحيلنا إلى نظرة المستعمر نحو الآخر النّقيض وفق تصورات عقائدية ثقافية أيديولوجية، تنهض على فكرة تفوّق جنس بشري على آخر، وفكرة العداء بوصفها مرجعية أساسية لا يمكن أن يكون إلا للحضارة العربية الإسلامية، الذي تؤهّله حضارته ومبادئه لإمكانية تشكيل حالة فكرية عقائدية تمتلك مقوماتها التاريخية والجغرافية والبشرية، بتصوراتها الأخلاقية، وتؤثر تأثير السلطة والهيمنة الوجودية والعقائدية على الحضارة الغربية المسيحية، وبالتالي تحسم نتيجة التصادم التاريخي الحضاري، حيث علينا أن نؤمن بأن مركزية الصراع التاريخي القائم في المنطقة هو صراع ديني وجودي، قبل أن يكون صراعًا سياسيًّا أيدولوجيًّا، يحتاج إلى موقف حاسم عربيًّا وإسلاميًّا.

شاهد أيضاً

نتنياهو

نتنياهو يطالب أهل غزة بالعمل على تحرير المحتجزين في القطاع

شفا – وجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة لسكان غزة، طالب فيها بالعمل …