إسرائيل “جابت الدّب لكرمها” ، جدل وترقب، بقلم : سماح خليفة
ينام قادة إسرائيل ويستيقظون على هاجس (يحيى السنوار)، ذلك الدّب الذي أفسد كَرمهم، بعد أن ظنّوا أنّهم تمكنوا من ترويضه أرنبًا برّيًّا، سمّنوه حتى كثف فروه وطالت أذناه، تلك الأذنان اللتان ظنت إسرائيل أنهما ستصغيان جيدًا لصوت “العصا لمن عصى”.
دعا الرئيس الإسرائيلي (يتسحاق هرتسوغ) يوم الثلاثاء 26/3/2024م، إلى الاستمرار في شن الحرب على غزة، بادّعاء أنه “ينبغي إحضار السنوار حيًّا أو ميتًا، كي يتمكنوا من رؤية مخطوفيهم في الديار”، وكانت دعوته تأكيدًا على خلفية الأزمة بين حكومة نتنياهو وإدارة (بايدن) التي تصاعدت في أعقاب تهديدات إسرائيل باجتياح رفح، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت ضد قرار وقف الحرب الذي حاز على 14 صوتًا مؤيّدًا في الجلسة التي عقدت يوم الاثنين 26/3/2024م.
تلك الدعوة ومثيلاتها من نتنياهو واليمين المتطرف لاغتيال السّنوار كحل لأزمتهم الراهنة، تكشف عن عدم تقبل إسرائيل لتفوق عقلية السنوار عليهم، فالأمر لا يرتبط بموت قائد عسكري مسؤول عما حدث في السابع من أكتوبر، بقدر حقدهم للانتقام من شخص كان بين أيديهم، رُوِّض في سجونهم، ثم سُمِّن في كَرمِهم، بل طالت أذناه كثيرًا، وظنّوا على مدار سنوات أنه فهم شروط لعبة (الوجود)، وأصخى السّمع جيّدًا لما يملوه، ولم يظنوا يومًا أن ذلك ليس إلا (الهدوء الذي يسبق العاصفة).
يحيى السّنوار ليس إلا قائدًا في سلسلة قادة عسكريين تسلموا قيادة الحركة جيلًا بعد جيل، اغتيل القادة وبقيت الحركة، ومع ذلك لم تربط إسرائيل يومًا زوال حركة حماس بزوال قائد ما، كما تفعل في هذه الآونة، فهي تعلم جيدًا أنّ (الفكرة لا تموت)، ربما تخمد نارها لكنها تشتعل من جديد.
منذ اغتيال (حسن البنا) عام 1949م، مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، الجذر الرئيس الذي منه تفرعت حركة حماس، وصولًا إلى اغتيال أحمد ياسين مؤسس حركة حماس عام 2004م، ثمّ، فيما بعد، اغتيال أحمد الجعبري، محمد أبو شمالة، صلاح شحادة، ياسر النمروطي، جميل وادي، عدنان الغول، يحيى عياش، عماد عقل، رائد العطار، محمود المبحوح، نزار ريان…، والآن عين القنّاص على محمد الضيف ويحيى السنوار، لكن موت يحيى السنوار في رأس الهرم، موته بالنسبة لهم هو المخلص. اغتيل القادة السابقون ولم تغتال الحركة، فلماذا الآمال معقودة الآن على موت يحيى السنوار “الإرهابي”، وعدّه هدفًا استراتيجيًّا لعملياتها الأمنية والاستخباراتية؟ بالنظر إلى وزنه ونفوذه الكبير داخل القطاع؟
يحيى السنوار الذي اعتقل أكثر من مرة، كان آخرها عام 1988م، حيث صدر بحقه حكم بالسجن أربعة مؤبدات، لكنه خرج عام 2011م، في صفقة وفاء الأحرار، مع أكثر من ألف أسير فلسطيني، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط)، وعقب خروجه من السجن، في عام 2012م، شارك السنوار في الانتخابات الداخلية لحماس، وفاز حينها بعضوية المكتب السياسي للحركة، كما تولَّى مسؤولية الإشراف على الجهاز العسكري لكتائب عز الدين القسام.
خلال سنوات سجنه كان السنوار متابعًا للمجتمع الإسرائيلي، كما واظب على متابعة ما صدر في الإعلام العبري باستمرار، واطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية التي تناولت الوضع الداخلي الإسرائيلي، وهو ما انعكس كثيرًا على أسلوبه وتعاطيه مع مجتمع الاحتلال.
كما أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس المسجونين، أمضى ساعات في التحدث مع الإسرائيليين، وتعلم ثقافتهم و”كان مدمنًا على القنوات الإسرائيلية”، كل ما سبق، فضلًا عن جدلية الجمع بين المقاومة والحكم في برنامج حماس، البناء والمقاومة، التي كانت إحدى معضلات الحكم، حيث وجدت حماس نفسها ملتزمة بإرادة الجماهير بتشكيل حكومة متفردة والعمل على نجاحها بامتلاك منهجية ومتطلبات العمل الحكومي في لحظة واحدة، مع تعارض مع المسار المقاوم للحركة ورمزيتها وأهدافها الإستراتيجية كحركة ذات مشروع تحرير، مما شكَّل ضغطًا عليها، ودفعها أحيانا لطرح خيارات بديلة من قبيل “الانسحاب الآمن”، والقدرة على المراوغة السياسية عبر حكومتها، فقد عاشت حماس في السنوات الأخيرة مرحلة جديدة في علاقاتها الإقليمية والدولية، اضطرتها أحيانا لاتخاذ مواقف سياسية قد لا يكون عليها إجماع داخل الحركة، ربما لأسباب فكرية أيديولوجية، مما يعمل على إظهار تباينات من حين لآخر بين مستوياتها السياسية والدينية والعسكرية.
هذه التباينات المقصودة في مواقف حماس، وتبني بعض المواقف، محاولة لكسب فوائد سياسية من أطراف خارجية، رغم أنها في الوقت ذاته عادت عليها بانتقادات من داخل الحركة أحيانًا.
ولا ننسى مواقفها من اغتيال بعض القادة، والمبالغة” في نعيهم، أمثال (سمير القنطار)، على اعتباره مشاركًا في قمع الشعب السوري، وهو المأخذ الذي أخذه عليها مؤيدوها، فضلًا عن مطالبتهم لها بعدم مجاملة إيران، مما أدى إلى تقطع العلاقة بين إيران وحماس، واستعادتها مرة أخرى، كون إيران الطرف الداعم عسكريًّا لوجود حماس وسيطرتها.
حماس في نهاية المطاف قامت بعملية مزاوجة بين الاتجاهات السياسية والعسكرية والأيديولوجية، واجتهدت في السير بخطوط متوازية، ففي بعض الأحيان غلبت جانبًا على آخر، وفي أحيان أخرى ظهر لديها قصور في فهم بعض التطورات السياسية، ففهم منها البعض على أنها نظرة أيديولوجية، وهي ليست كذلك، كما تبين فيما بعد.
على المستوى الشعبي والجماهيري والطرف الآخر، جناح حركة فتح، فإن ردود حماس على ممارسات إسرائيل بحق الأقصى وانتهاك حرماته لم تكن على المستوى المطلوب كحركة مقاومة لها تاريخها، مما أوهم الجميع ومن بينهم الكيان المحتل أن حماس دخلت في دائرة اللعبة السياسية، وصراع العروش الداخلي، وهذا جعل إسرائيل تقلل من حجم حماس واستعدادها العسكري، خاصة مع ادّعاء حماس في تصريحاتها العامة ودبلوماسيتها الخاصة، أنها مهتمة ببناء غزة اقتصاديًّا أكثر من اهتمامها بتجديد الصراع مع إسرائيل، وأنها امتنعت إلى حد كبير عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل بعد عام 2021م.
وفي مايو، ظلت على الهامش بينما انخرطت حركة الجهاد الإسلامي، في صراع قصير الأمد مع إسرائيل، في حين أن حماس كانت تخطط لأكثر من عام لطوفان الأقصى.
هذه الخدعة السياسة طويلة الأمد والتي ترأسها شخص كان بين يدي الكيان المحتل، ولم يستطع فهم عقليته واستخفّ به، هو ما يدفع نتنياهو ومؤيدوه للضرب بعرض الحائط بقرار مجلس الأمم والتصويت لصالح وقف إطلاق النار في غزة، والحديث عن الهدنة حول الأسرى، في ظل امتناع الولايات المتحدة عن التصويت واستخدام حق النقض (الفيتو)، ما دفعهم، في اللحظة الآنية المتأزمة، إلى تهميش المجتمع الإسرائيلي، والأجنحة الأخرى في الحكومة، هو جنون القتل والانتقام بشكل غير مسبوق على قطاع غزة، فقط من أجل قطع رأس الدّب الذي دخل كرمها واستغفلها.