يوم الأم ( إيقونة التضحية والصمود والعطاء) بقلم : محمود جودت محمود قبها
وبمناسبة عيد الأم، الذي يصادف 21 من آذار/ مارس، هو ليس كباقي الأيام رغم أن الأم في كل يوم لها عيد إلا أن هذا اليوم يحمل عنوان للتضحية والفداء، الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق , هي ليست مجرد كلمات عابرة أو مطلع قصيدة وطنية هي حقيقة وأمر واقع في وطني هي فكر ونهج , حيث أثبتت الأم الفلسطينية والعربية أنها إنسانة عظيمة، عظيمة في عطائها، عظيمة في تضحياتها، عظيمة في وفائها، لم تعد الأم مجرد امرأة تربي أبنائها أو تهتم بهم وترعى شؤونهم، لقد تحولت الأم الفلسطينية إلى رمز للعطاء والتضحية , كيف لا وهي تربي أولادها على أن حب فلسطين من الإيمان وأن الشهادة هي طريق النصر وأن لا شيء أغلى من تراب الوطن تواصل سلطات الاحتلال اعتقال عشر أمهات، من أصل 31 أسيرة في سجن الدامون، وتحرم أطفال وأبناء الأسيرات الأمّهات من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضانهم، وحرمان البعض منهن من الزيارة، وعرقلتها في كثير من الأحيان، ورفض إدارة السجون توفير هاتف عمومي لهن للاتصال بالعالم الخارجي التوقف عن الشعور بالأمومة والبعد والحرمان من الشعور بالفرح، والإحساس بالحزن، والصدمة والذهول المستمر، وتحول الخوف والقلق على الأبناء، وهم يكبرون بعيداً عن امهاتهم، هاجساً يومياً، ومقياس لمدى صمودهن وصلابتهن كما تواجه زوجات الأسرى تحديات كبيرة وعلى مستويات مختلفة، في ظل استمرار الاحتلال باعتقال أزواجهن، ويضاف إلى ذلك معاناة وقهر الأمهات والزوجات اللواتي استشهد أبنائهن وأزواجهن في السّجون، فقد عاشوا حرمان الأسر والفقدان.
الأم الفلسطينية التي ترتدي الثوب المطرز والذي إن دل يدل على حكايات وقصص طرزتها السنين من ألم وحزن جعل من هذا الثوب رونقاً خاصاً وزخرفة تميزه عن كل أثواب العالم المزيفة، وإن كانت للحقيقة معنى فمعناه أن الأم الفلسطينية تحمل في نبض قلبها الصادق صمتاً يجعل الأمل الصامت يتحدث عن أمنيات عودة الابن الغائب ووحدة الوطن الواحد فكتاب التاريخ الفلسطيني دائما يسجل بين السطور .
أن الأم الفلسطينية تحمل على عاتقها أعظم المسؤوليات في تحدى الصعوبات وكأنها تحمل الصبر كما حملت ابنها في بطنها على أمل أن يكون مستقبل غيرها من أبنائها وأحفادها مزروع بالحرية والاستقلال، واستشهد بالقول في كثير من المواقف التي تعرضت لها الأم الفلسطينية المثالية في الانتفاضة الأولى والثانية من تكسير للإرادة والعزيمة التي كانت تشبهه جذور شجرة الزيتون بقوتها وهي تتحدى ترسانة الحرب الإسرائيلية وتقف في وجه المدافع من أجل البقاء على الأرض من أجل الحفاظ على أبنائها .
الأمّ الفلسطينيّة ليست ككل الأمّهات فهي ترضع أبناءها حليب أسود ،وتربّيهم على أنّ لا كرامة بدون وطن حر كريم هي مصنع الرّجال ،تنجب رجالاً يرفضون العيش بالذّلّ والهوان، يدافعون عن كرامتهم عن أرضهم وأعراضهم .
أفخر أن أقول أنّ أمّي فلسطينيّة ، هي امرأة شامخة صابرة، رغم أنّها مثقلةٌ الأحزان والجراح..
فهي في يوم تودّع شهيداً، وفي يومٍ آخر تبكي على ابنها الأسير أو ابنتها الّتي في عمر الزّهور نعم هي تبكي فهي في النّهاية إنسان في زمن غابت عنه معاني الإنسانيّة ،ولكنّ دموعها رغم ألمها العميق في النّفس إلّا أنّها تقف شامخة أبيّة تذرف الدّموع وتقول: هذا ابني وهذه ابنتي فداءً لفلسطين ،إنّ لم نقدّم أبناءنا للجهاد ،والدّفاع عن الوطن في سبيل اللّه ، فكيف ستتحرّر فلسطين الحبيبة وكيف سنكسر قيود الأقصى الأسير بوركت حاميةً للأقصى، وحماكنّ اللّه أيّتها الخنساوات هن أخوات الرّجال يقفن بكل شموخ وإباء أمام الجنود المدجّجين بالسّلاح، لا تخشى إلّا اللّه ترى في عينيها تحدٍّ وعزّة لا يقبل الانكسار تحتمل ما لا يحتمل .
هي الأم الثكلى والأرملة الصامدة هن من يافا وجنين هن من اللد والرملة ورام الله ونابلس والخليل ورفح وخانيونس وبيت ساحور وبيت جالا وبيت لحم ومخيم اللاجئين هي من غزة هاشم هي المقدسية الصابرة …هي الأم الفلسطينية غنوا لها وتغنوا بها، فقالوا يا جارة الوادي وزادوا زيديني عشقا زيديني …هي مريم البتول هي خديجة زوجة الرسول هي الأم الرحيمة تيريزا هي زنوبيا ونفرتيتي هي شجرة الدُر … هي المرأة التي وضعت الجنة تحت أقدامها وهزت السرير بيمينها العالم بيسارها ..
هي الجدة العطوف هي الفراشة الملونة بكل ألوان الطيف و الحنان هي المرأة الشرقية العربية هي التي اختصرت كل نساء العالم هي المتعلمة المثقفة التي جعلت من كل رجلٍ رجلاً عظيما وتربعت بذلك على عرش القلوب و عرش المماليك.
أتمنى لكل أم مثالية، أم مخلصة، أم حنونة ، أن تحقق ما تصبو إليه نفسها، وأن تعيش في راحة وأمان وتجد مستقبلاً زاخراً بالحب والوفاء إليك يا نبض قلبي المتعب اليك يا غادة عمري إليك أنتِي يا أمي.
وأمهاتنا وأمهات الأسرى والمعتقلين لهن من ذاك التاريخ حصة، ومن تلك المسيرة نصيب أمهات ماجدات من نوع خاص نعجز عن وصفهن بالكلمات المستحقة، أو إيفائهن من الحق ما يليق بمكانتهن ومعاناتهن وتاريخهن أمهات عظيمات بعضهن رحلن دون رجعة وتوارين عن الأنظار فجأة، دون أن يُسمح لنا بوداعهن، ودون أن تتاح الفرصة لأبنائهن الأسرى ليقبلهن قبلة الوداع الأخير والأسرى الأبناء هم ليسوا وحدهم من يستحضرون أمهاتهم الماجدات، الأحياء منهن أم الأموات، بل ونحن كذلك نقف معهم وبجانبهم لأننا جزء من الحالة، إذ نضطر لأن نستحضر ذكرياتنا مع أمهاتنا حينما كنا أسرى ومعاناتنا بفعل السجن وقهره، ونستحضر كذلك أمهات لغيرنا رحلن قبل أن يتحرر أبناؤهن، ونستذكر كلماتهن وصرخاتهن ونعيد للذاكرة مشاهد رؤيتهن أمام بوابات السجون وعلى شبك الزيارات وفي الاعتصام أمام مقار الصليب الأحمر، وفي المسيرات والفعاليات وهن يحملن صور أبنائهن ويطالبن بحريتهم، فيتحرر الأبناء في غياب الأمهات فيما ما يزال الآلاف من الأبناء الآخرين يقبعون في غياهب السجون ويتألمون بفعل الإجراءات القمعية وقسوة السجان، وأمهات يخشون شبح الموت والرحيل الأبدي قبل أن يعانقن أبنائهن، ويرددون دائما دعائهن المشهور “اللهم امنحنا طول العمر نكحل أعيننا برؤية أبنائنا أحراراً وأن نضمهم لصدورنا قبل الرحيل .
وحتى ذلك اليوم أدعو كلّ إنسان حرّ أن لا ينسى الأمّ الفلسطينية الأسطورة ،يقدّم لها ما يستطيع ،فهي قدمت للوطن وقدمت كل شيء لفلسطين .
كل عام والمرأة الفلسطينية المناضلة الصامدة المقاتلة في ألف خير