شفا – عاد مئات المستفيدين بأوان فارغة، بعد أن نفذت كمية الطعام التي توزع على الالاف الفقراء في تكية سيدنا إبراهيم الخليل، التي تكتسب مكانة دينية واجتماعية في مدينة الخليل، وتقدم الوجبات الساخنة والطازجة منذ 1000 عام، ويتضاعف عملها في شهر رمضان المبارك، وصولا لأكبر عدد من الاسر المعوزة والمحتاجة.
الاقدم خيريا
وبين غسان الرجبي، مدير عام اوقاف الخليل، ان التكية الابراهيمية، التي تنسب الى سيدنا ابراهيم عليه السلام، الذي سكن مدينة الخليل ومن بعده الانبياء، تحافظ على تقديم وجبات الطعام الساخنة الطازجة لآلاف الفقراء يوميا على مدار العام، مشيرا الى انه بفضل هذه المؤسسة الاجتماعية الخيرية والاغاثية الاقدم في العالم، اشتهرت الخليل وعبر السنين بانها المدينة التي لا ينام في جائع.
وأضاف، ان التكية المرتبطة بالحرم الابراهيمي الشريف، والموجودة على مقربة منه، تقدم الوجبات لكل المحتاجين والمعوزين والفقراء والمرابطين، بأسلوب باصناف مختلفة من الاطعمة على مدار العصور، ويتضاعف عملها طوال شهر الصيام، لوضع شهر رمضان الخاص حيث تكون أيامه محجوزة من الخيريين والمتبرعين على مدار الشهر.
واوضح ان التكية الابراهيمية تقدم ( 5000) وجبة يوميا من لحوم الماعز والابقار الطازجة وفي بعض الايام الدجاج الطازج ايضا، لافتا انه وبسبب العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والحواجز والاغلاقات في الخليل، تضاعف العدد (المستفيدين الذين يقصدون التكية) بما يزيد عن ( 30%)، عما كان عليه في السنة الماضية.
تعزيز الوجود
وقال الرجبي: رغم زيادة الوافدين من المحتاجين والفقراء نتيجة الحصار والاغلاقات، على التكية التي لا تستوعب هذه الاعداد الكبيرة، (بسبب حجمها المحدود، وعدم الرغبة والقدرة بابعادها عن المكان الذي انشئت فيه تاريخيا في البلدة العتيقة، حيث انها تعتبر احد عناوين تعزيز التواجد الفلسطيني، المتصلة بالحرم الابراهيمي)، الا ان العطاء استمر وبزيادة من أصحاب الخير والمتبرعين وأصحاب النذور والصدقات، من اهالي الخليل الذين يتسابقون لإعداد الوجبات الفاخرة من اللحوم والخضار والخبز، ما يدلل على حبهم لمدينتهم ولعمل الخير.
وقال الشيخ حازم مجاهد، مدير التكية، ان التكية الابراهيمية تعتبر جزءا عريقا من ماضي وحاضر ومستقبل مدينة الخليل، وهي مفخرة من مفاخر المدينة والعالم الاسلامي، فلا يوجد في العالم اجمع مكان يقدم وعلى مدار التاريخ الضيافة للجميع بلا استثناء، مشيرا انه ليس لها نظير على مستوى العالم.
واوضح ان نشأتها من لدن ابراهيم عليه السلام “ابو الضيفان”، الذي كان يأتيه الضيوف ويكرمهم ويحسن وفاتدتهم، ولا يأكل الا مع ضيف، ويقدم الطعام لعابري السبيل، فانتقلت فكرته الى ذريته وكل من سكن او نزل بالمدينة تأثروا بهذه الفكرة، معتبرا ان هذا الكرم والمشاهد الجميلة التي تتكرر يوميا وعلى مدار العام، هو “آية من آيات الله”.
الطبلخانة
وأضاف مجاهد، ان صلاح الدين الايوبي في عام 1187م، وضع حجر الاساس للتكية الابراهيمية في المكان ذاته، وأوقف لها الاموال والعقارات، مشيرا ان التكية كانت تقدم قديما الشوربة للوافدين الى المدينة ولأهلها، وكانت توزع على ثلاثة اوقات، أول النهار وبعد الظهر وبعد العصر، فيما يدق الطبل عند التوزيع في المرة الثالثة يوميا، ولذلك كانت تسمى ” الطبلخانة”.
وأشار الى انه في الوقت الحالي توزع وجبات الطعام طوال العام، حيث توزع الخضار واللحوم يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع، وفي بقية الايام تقدم شوربة سيدنا ابراهيم للجميع.
وأوضح انه تمت إزالة بناء التكية القديم وملحقاته عام 1964، وذلك ضمن مشروع إزالة ما حول الحرم الإبراهيمي، ونقل البناء إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة، وفي عام 1983، قامت مديرية الأوقاف بإنشاء مبنى جديد من الجهة الشمالية القريبة للمسجد الإبراهيمي، وتم تجهيز هذا المكان بكل ما يلزم التكية، والراحة للوافدين.
ازدياد مضطرد
ونوه الى أنه، “في شهر رمضان تتضاعف كميات وجبات الطعام المكونة من اللحوم والدواجن والخضار والخبز، وتقدم يوميا لكل من يقصد التكية”، مؤكدا ان اعداد المحتاجين والمعوزين والمستفيدين في شهر رمضان ازدادت ازديادا مضطردا، وتضاعفت بأعداد كبيرة، مقارنة بالاعوام السابقة، بسبب العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والحصار والاغلاقات وفرض حظر التجوال على المناطق المغلقة في البلدة القديمة.
وأشار الى ان المحسنين وأهل الخير ساندوا التكية، وبقي وجه المدينة مشرقا، وهذا فضل من الله على المدينة التي استمر اهلها بالجود والكرم، لافتا الى العديد من التكايا التي ظهرت وما لبثت ان توقفت.
ملاذ آمن
وقدر مجاهد، نفقات التكية الشهرية الاعتيادية بنحو 150 الف شيكل، بينما تتجاوز في شهر رمضان المليون ونصف المليون شيكل، حيث ان الطبخة الواحدة في رمضان تكلف نحو (80) الف شيكل، وتتم عادة بإسهام من أصحاب الصدقات من اهل الخليل، واهل الخير داخل فلسطين وخارجها، الذين يسارعون بتقديم تبرعاتهم، لتضمن اتساع رقعة العائلات المستفيدة.
واكد ان التكية تعد ملاذ الفقراء الامن والمتواصل، اذ تحافظ على النسيج الاجتماعي للعائلات المعوزة والمحتاجة، حتى لا تشعر باي نقص في احتياجاتها الاساسية على مدار العام، لافتا الى وجود آلاف العائلات الفقيرة والمحتاجة، التي لا دخل لها مطلقا، وتعتمد على ما يقدم لها من أهل الخير، ومن بين ذلك ما توفره التكية طوال العام لهذه العائلات.
مضايقات الاحتلال
وبين مجاهد، ان التكية الابراهيمية، لم تسلم من مضايقات الاحتلال وممارساته واعتداءات التي تطال كل شيء، فالبوابات الالكترونية والحواجز العسكرية المنتشرة تعيق وصول الناس الى المكان، مشيرا الى انه وبجهود طاقم التكية والعاملين تمكنت من التغلب على هذه الحواجز والعوائق، لتأدية رسالتها الدينية والاجتماعية، ما عزز من صمود المواطنين وحضور الوافدين والزوار الى الحرم الابراهيمي الشريف، حيث استطاعت ان تسد العوز والحاجة عند هؤلاء المحتاجين، وبذلك أصبحت الخليل، المدينة التي لا يبات فيها جائع.