موروث إبليس… وقلم كمسدس اغتيال بكاتم صوت! بقلم : موفق مطر
أي كاتب صحفي هذا؟! أو محلل سياسي ذاك؟، أو خبير استراتيجي ذلك؟، الذي كلما سئل كان جوابه ناسفا لكل الحقائق والوقائع على الأرض، لا يستثني أحدا، ويوزع شهادات فشل بالجملة على الجميع، لا يفرز الحق البين من الباطل الفج، فالكل بنظره خطاء وفاشل، والمصيبة أن أحدهم ينهي مقاله المسمن بالتشكيك، وجرعات تسمين الاحباط، أو تحليله الهلامي احيانا، والمؤدلج المعلب كثيرا، أو رؤيته القاصرة، ويبرهن على ان ما بينه وبين (الخبير الموضوعي) المنطقي عقود بمقياس السنة الضوئية، ينهي بلا حل موضوعي واقعي للقضية ، أو رؤية صائبة بديلة، أو معرفة ولو بسيطة يرفعها المتلقي مع الاحترام والتقدير الى (ذاكرة دماغه)؟!.
التوازن حسب ما نسمعه من هؤلاء المتأنق بعضهم بألقاب اكاديمية، أو سياسية سابقة، يعني بالنسبة لهم ليس الوقوف بمنتصف المسافة بين الطرفين، أو التشبه بمؤشر الميزان عندما يكون فارغا وحسب، بل يسعى بما اوتي من قدرة على الثرثرة، ونفخ دخان التحشيش الفكري في كفتي الميزان، أو ترى احدهم كحامل اثقال في أولمبياد الحروب والأحداث الدموية، منافسا في ميدان استغلال معاناة ومآسي الشعب، فيما الحقيقة أن الأثقال ليست من معادن الحقائق والموضوعية والمنطق، ومنهج الطرح، والحكمة، وخلاصة الأحداث، والضوء اللازم لعبور ظلمة الأزمات، وكأنهم لا يعرفون حاجة المتلقي (المستمع، المشاهد، والمتابع) الى اكتساب معلومات جديدة، وليس للتفرج على استعراضات كلامية تجريدية، مبهمة، أو تعبوية لا ينقصها إلا قارعو الطبول، فالمتلقي الناضج، والمتمتع بالصحة العقلية، وببصيرة حية، وبقدرة جيدة كحد ادنى على الاحاطة بتفاصيل ودقائق ما يقرأ أو يسمع ويشاهد، يبقى دائما مستعدا لقبول الجديد فيحذف البالي واللاواقعي من الموروث والمفاهيم المتعارضة مع متطلبات الحياة المعاصرة، وقد تكون الأحداث الجسيمة، كالكوارث، والحروب، والصراعات على انواعها ومراتبها، وحملات الابادة، بمثابة فرص ثمينة لإقناع الجمهور لسلوك دروب تجديد الرؤى، وتقوية البصيرة، ما يضمن ابداع وسائل لتحقيق الأهداف المشروعة، أما ضرب الثقة بالذات الفردية والجمعية، أو اضعافها عبر النفخ فيها بقصد تكبير حجمها، لنيل اعجاب الناظرين، أو أخذ دور المسوق التجاري، في قضايا مصيرية، متعلقة بحياة أو موت، بوجود شعب أو اجتثاثه من أرض التاريخ والحضارة، فهذا فعل تكمن فيه مواصفات العاق لمبادئ الوفاء للكلمة، والعلم، ومقام اهل المعرفة والتخصص (الخبراء).. فالقلم بيد رغبوي كمسدس بكاتم صوت، وأداة لاغتيال الوعي، والتحليل المؤدلج أسرع الأسباب لانهيار صمود الشعب، أما خيانة العلم والمعرفة، فتأتي بصورة تقزيم البحث والخبرة، وجدلهما كخيط رفيع في (سم) خياط يدفع أكثر.
نعتقد بحتمية انتصار الحق والحقيقة، وأن لكل قضية في الحياة وجهين، فالخير يقابله الشر، والحق يعارضه الباطل، العقلاني الذي يبني، والعبثي الذي يدمر، وجه الأمان والسلام، ووجه الحرب والدمار، وجه الوحدة والقوة، ووجه الانفصال والضعف، وجه الحياة، ووجه الموت، وجه الصدق والصراحة، وفي الضد وجه الكذب والنفاق،…(الخ) أما أن يأتينا احدهم لينظم قانون السلبي، نافيا الايجابي فهذا موروث ابليس، نموذج تفضيل الذات، دونما فضل -ولو بمقدار حبة خردل– على الانسانية!