7:19 صباحًا / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

النهضة التعليمية استحقاق وطني، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

النهضة التعليمية استحقاق وطني، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

النهضة التعليمية استحقاق وطني، بقلم : ثروت زيد الكيلاني


يمثل التعليم الدورة الحيوية للإنسانية، ويمهد الطريق لتطوير الذات وتحقيق الإنسانية الأصيلة، وينبعث منه نور الحكمة وثمار الإبداع في بيئة ثقافية مواتية توفر الحريات الأساسية، ويصقل الشخصية القوية الذي تدفقت على كينونيتها أفكار تدور حولها، وكأنها طوفان عارم، فالمتعلم الحقيقي هو من يسعى للمعرفة مقبلاً عليها بشغف الابتكار، ينهل من ينابيعها لإحداث تغير إيجابي في العالم من حوله، بهذا اليقين وإدراك الأمور حولنا، استقر رأي أصحاب الشأن التربوي والتعليمي على التحول في التعليم نحو النوعية، باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق تطور مستدام ونهضة شاملة في المجالات الحياتية كافة.

بعيداً عن نظرة السخط على الواقع والاستياء منه، فإن النهوض الفكري والحضاري لأي مجتمع يتطلب توفير سياسة تعليمية مبنية على أسس علمية، تحدد إطاراً عاماً مستمداً من فلسفة المجتمع، وحاجاته ومبادئه ومنظومته القيمية، وتتسم بالمرونة والواقعية، من خلال إسهامها في إعداد الخطط والبرامج المتنوعة الضامنة لبناء شخصية الفرد بمنظور شمولي، بما في ذلك الجوانب المعرفية والجسدية والاجتماعية والعاطفية، وتوجيه اتخاذ القرار وحل المشكلات التربوية بطرائق إبداعية، وبما يحدث تحولات تربوية مستقبلية مرغوب فيها وذلك بإقرار الخطوات الأساسية للفعل بأفضل الوسائل المتاحة، فالعلم الحقيقي ينبثق من فهم عميق وتأمل دقيق.

رغم الظروف الضاغطة على منظومة التعليم الفلسطينية بفعل انتهاكات الاحتلال، فإنها ما زالت تقف كشجرة الزيتون دائمة العطاء بصمت، وتدرك حاجة التحول إلى التعليم النوعي، فهو مفتاح النجاح والتقدم وتحقيق أولويات المجتمع الفلسطيني بالتحرير والتنمية، وضرورة توفير فرص متساوية للجميع للوصول إلى التعليم ذي الجودة العالية، ما يتطلب إيجاد بيئة تعليمية أكثر فاعلية واستجابة، وتبني ثقافة ومنهجية التحسين المستمر والتغييرات التدريجية المبنية على التقييم والتطوير المنتظم لعناصر العملية التعليمية، وتشجيع ذوي المصلحة من معلمين وموظفين مساندين وأولياء أمور وغيرهم على المشاركة في رؤاهم ومقترحاتهم.

ومن أجل تحقيق الاتساق في مجالات التحسين يجب اتخاذ الإجراءات الموحدة الضامنة، والحد من العمليات والأدوات والأنشطة غير الضرورية للقضاء على الهدر الذي لا يسهم في الجودة التعليمية الشاملة، والاستثمار في التطوير المهني للمعلمين لتعزيز كفاياتهم وَفق احتياجاتهم بما يواكب أحدث الاتجاهات والمنهجيات، وإدراك احتياجات وتوقعات الطلبة وأولياء الأمور وأصحاب المصلحة الآخرين، ومواءمة الممارسات التعليمية لتلبية تلك التوقعات، واتخاذ القرارات المستنيرة فيما يتعلق بتصميم المناهج وعلوم التربية وإصلاح النظام التعليمي.

يعد التحويل في النظام التعليمي إلى الاستثمار بدلاً من الاستهلاك استحقاقاً وطنياً، ويتطلب ذلك استراتيجيات مبتكرة ومستدامة، من خلال تصميم برامج تعليمية تستند إلى احتياجات سوق العمل المحلي والعالمي، وضمان إعداد الطلبة وتأهيلهم بالمهارات والمعارف ورفع جاهزيتهم لسوق العمل، والتركيز على التعلم المهني والتقني، وتوجيه الاهتمام نحو تطوير برامج تعليمية تركز على التخصصات ذات الطلب العالي في سوق العمل، ودمج مفاهيم ريادة الأعمال والابتكار في مناهج التعليم، لتشجيع الطلبة على تطوير أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع ناجحة، وتعزيز التعاون مع الشركات والصناعات المختلفة لتقديم خدمات وبرامج تدريبية متخصصة ودورات مهنية تلبي احتياجات السوق، وتطوير نماذج تمويل تعتمد على الابتكار والشراكات لضمان استدامتها، وربما يكون برنامج تبني المدارس نموذجاً، اعتمدته وزارة التربية والتعليم وأقرته الحكومة الفلسطينية عام 2021 بهدف حشد التمويل المجتمعي، لإنجاز أعمال التأهيل والتوسعة والصيانة للمدارس وفقاً للمواصفات المعيارية المعتمدة.

إن تطبيق الحوكمة في منظومة التعليم بات أمراً حتمياً، بفعل التقنيات الحديثة واستخدام التكنولوجيا في التعليم، وعلى وجه الخصوص في كيفية تنظيم النظام التعليمي وإدارته، من خلال تكامل التكنولوجيا في التعليم، بما يعزز الشفافية وسهولة الوصول إلى المعلومات، ويجعل عملية اتخاذ القرارات أكثر فعالية، إضافة إلى الاتجاهات التعليمية الجديدة التي تتطلب تكامل استراتيجيات حوكمة مبتكرة، مثل تطوير سياسات وهيكليات تنظيمية مرنة تستجيب لتحديات التعليم عن بُعد والتعليم النشط، مع التركيز على تحقيق التوزان بين الابتكار والجودة، وضمان تحقيق أقصى قدر من الفاعلية، واستخدام أنظمة إدارة التعلم والتواصل عبر الإنترنت لتسهيل التواصل وتبادل المعلومات، وتشجيع التعلم المستمر والتطوير المهني لمواكبة التحولات في مجال التعليم وتقديم تجارب تعليمية مبتكرة، وتبني أنظمة فعالة لقياس ورصد أداء النظام التعليمي، لضمان تحسين مستوى الجودة والفاعلية، مع التأكيد أن العلم لا يأتي بالكمية، بل بالجودة.

ليس خافياً على احد الظروف الاستثنائية غير المسبوقة الناجمة عن انتهاكات السلطة القائمة بالاحتلال وما تمارسه من عدوان همجي على الشعب الفلسطيني من تهجير وحرب إبادة، في ظل واقع دولي وإقليمي مرير، ما يقتضي أن يقف الجميع أمام مسؤولياته. وفي السياق نفسه يجب العمل على المعالجة الجذرية للوضع التعليمي واستعادة زمام المبادرة، وتغليب العقل والحكمة في مراجعة القطاع التعليمي وتقييمه، حيث ان العديد من القضايا الملحة والمهمة تراكمت لأسباب متعددة، ما يجعل إعادة تشكيل القطاع التعليمي من جديد يمثل استحقاقاً وطنياً على قدم المساواة مع القطاعات الأخرى، وإعادة النظر بطرائق التعليم ومناهجه واعتماد التحول الرقمي أساساً في عملية التطوير، وربط القطاع التعليمي بالقطاعات الأخرى، باعتبار أن التعليم هو الركيزة الرئيسة في عملية التنمية الشاملة في القطاعات جميعها، وأن التأثير الذي قد يحققه الإنسان من خلال استخدام قدراته وكينونته في تحقيق الأهداف، والإسهام في تطوير الذات والمجتمع، فالاستثمار في الإنسان هو الحالة الوحيدة التي ستمكننا من تعزيز صمودنا ووجودنا وتحقيق أولوياتنا.

أصبح لزاماً التحول الحقيقي نحو اللامركزية وتوزيع السلطة والمسؤولية بين جميع الأطراف، وتوجيه الاهتمام نحو تحقيق جودة التعليم وتطويره باستمرار، حيث تتولى كل من مديريات التربية والتعليم نظامها التعليمي، مع مراعاة أن التباين بينها يسهم في تعزيز التنافس الإيجابي، وتتولى الإدارة التعليمية المركزية تطوير السياسات التعليمية، ومراقبة تنفيذها، وتقييم فعالية البرامج والمشاريع التعليمية، والتحسين المستمر لأداء منظومة التعليم بالشراكة مع أصحاب المصلحة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها ومؤسسات المجتمع الأهلية والمجتمع المدني، إضافة إلى تطوير أنظمة لتحسين إدارة الموارد المالية والبشرية واستقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها، وتعزيز دور المساءلة والتعزيز، واعتماد التقييم الشامل بدلاً من الاختبارات التقليدية، وتشجيع التفكير النقدي والإبداع والابتكار لدى العاملين في المؤسسات التعليمية والمعلمين والطلبة، وتحقيق المساواة بين الطلبة وتخفيف الضغط عليهم.

لتحقيق مشروع وطني نهضوي تعليمي لا بد من تحقيق أمريين حيويين، هما الاستفادة من الكفاءات وتفادي هدر القدرات، فالاستثمار بأصحاب الكفاءات المتاحة، وإلقاء الضوء على مهارات الأفراد ومواهبهم وتوجيهها نحو أهداف وطنية تعليمية محددة، يسهم في دفع عجلة التقدم الاجتماعي والثقافي، وفي الوقت نفسه فإن تجنب هدر القدرات والكفاءات المتميزة في التعليم، وتحفيزهم وتقبُّل أفكارهم ومبادراتهم، وإزالة الحواجز التي تعوق تطويرهم وتقدمهم، وتوفير بيئة تعليمية تشجع على تحقيق رؤية تعليمية نهضوية، من شأنها تحسين الأداء ونشر الفكر المؤسسي وأهمية المنجز الجماعي الذي يحدث فرقاً من أجل وطن متلاحم ومتميز.

شاهد أيضاً

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

شفا – رحب (نداء فلسطين) بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال …