رداُ على دعوة غانتس، لسان حال نتنياهو يقول لبايدن،إما ننجو معاً أو نغرق معاً، بقلم : راسم عبيدات
وفق المأثور الشعبي الذي يقول ” انجو سعد فقد هلك سعيد” ،تعامل الرئيس الأمريكي بايدن مع شريكه في الحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة لشهرها السادس،هذه الحرب التي بات بايدن على قناعة بأنها ستغرقه وتطيح بمستقبله السياسي ،كما هو حال شريكه نتنياهو،الذي يبدو بان رمال غزة ستبتلعه وتبتلع جيشه ، وهي لم تجلب له لا نصر أو صورة نصر ظل يبحث عنهما في قطاع غزة،لكي يحمل ذلك للداخل ” الإسرائيلي،الذي بات لم يعد يكتف بمظاهرات واحتجاجات تتصاعد كماً وأهدافاً من قبل أهالي الأسرى من جنود ومدنيين،بل بات مطلب إستقالة نتنياهو واجراء انتخابات تبكيرية سادسة حتى قبل ان تضع الحرب أوزارها، يتردد على لسان “الإسرائيليين”،بأوسع مكوناتهم ومركبات طيفهم السياسي والحزبي والشعبي،وليطال ذلك قادة امنيين ورؤوساء حكومات وأركان سابقين وحالين،من أمثال يهود أولمرت ويهود بارك ودان حلوتس وغيرهم.
تطورات سياسية متلاحقة تحصل في ” إسرائيل” ،ونتنياهو الغارق هو وجيشه في رمال غزة، من بوابة الفشل في تحقيق أي إنجاز او نصر او صورة نصر عسكري وميداني،ورغم ذلك يصر على المكابرة وسياسة الغطرسة والعنجهية، بأنه مستمر في هذه الحرب من أجل تحقيق ما يسميه ب” النصر الساحق” ،رغم كل التحذيرات من خبراء امنيين وعسكريين ووسائل اعلام ومحللين ، يقولون بان نتنياهو يشيع وهم كاذب، فلا النصر الساحق سيتحقق ولا القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس سيحصل،ولن يعود الأسرى بدون مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية،،ونتنياهو غارق في رمال غزة لا محالة،ولو نفذ ليس أكثر من 50 غارة على خانيونس خلال ست دقائق،أو قصفها بالسلاح النووي،كما دعا الى ذلك الفاشي وزير ما يعرف بالتراث “الإسرائيلي” الياهو عميحاي.ولذلك رسم معالم نهاية حقبة نتنياهو السياسة ،ستكون من بوابة قطاع غزة،عبر فقدان تحصينه السياسي والشخصي، الذي أراده من خلال تحالفه مع الفاشية اليهودية،والسيطرة على منظومتي القضاء والأمن.
محاكمة نتنياهو وسجنه،بالتهم المنظورة ضد أمام القضاء ” الإسرائيلي” الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،يضاف لها الفشل الأمني والإستخباري في 7 أكتوبر وما لحق بجشيه من هزيمه،او المحاكمة أمام محكمة العدل الدولية من بوابة التهمة التي رفعتها حكومة جنوب افريقيا على “إسرائيل” بإرتكاب إبادة جماعية وحرب التجويع.
بايدن شعر بأنه اذا استمر في تحالفه ودفاعه عن نتنياهو وسياساته،وخططه حول إدارة الحرب على قطاع غزة وما يعرف باليوم التالي لوقف الحرب على قطاع غزة سيغرق معه،وتخسر أمريكا مصالحها الإستراتيجية،وهو يخسر مستقبله الشخصي والسياسي بالسقوط المدوي في الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة،ولذلك بدأ برسم مسار عزل نتنياهو سياساً،إما عبر المسار الديمقراطي وإنتخابات تبكيرية سادسة،واستكشاف مدى القدرة على تحقيقها،أو عبر مناورة داخل التحالف الحاكم،ومن هنا جاءت دعوته خارج إطار العلاقات التقليدية بين “إسرائيل” وأمريكا،بدعوة الجنرال غانتس ،عضو مجلس الحرب المصغر،ووزير حرب سابق،لزيارة أمريكا والإلتقاء مع نائبة الرئيس كامالا هاريس ووزير الخارجية انتوني بلينكن ووزير الدافع لويد اوستن،ومستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سلفيان،واعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهذه الدعوة ليست تقليدية كدعوة زعيم المعارضة لبيد وغيرة من قادة المعارضين الأخرين،بل هي زيارة غير تقليدية وتحمل دلالات سياسية، هذه الدعوة التي أخرجت نتنياهو عن طوره،ليقول لغانتس بأن هناك رئيس وزراء واحد لإسرائيل،وليمنع السفير ” الإسرائيلي في واشنطن من استقبال غانتس او مشاركته في لقاءاته السياسية التي اعتبرها غير رسمية،وكذلك تعرض غانتس لهجمة من بن غفير ودودي مسلم وغيرهم من الوزراء.
بايدن يدرك تماماً بأن نتنياهو يرسم أهدافه الخاصة للحرب، بعيداً عن الأهداف العامة لهذه الحرب،وكذلك حول ما يعرف باليوم التالي لوقف الحرب على قطاع غزة،وهذا يعني بأن هناك خلاف بين مشروعين، يستدعي الطلاق بين الرجلين،لأن موافقة بايدن على خطط ومشاريع واهداف نتنياهو من هذه الحرب،يعني أنه سيغرق معه،وهو يستعد من أجل إعادة ترميم صورته الانتخابية،على خلفية شراكته في هذه الحرب ،والتي جلبت عليه تآكل في شعبيته وصورته،وخاصة في الولايات التي يتمتع فيها العرب والمسلمين ، بأغلبية مثل متشغان،التي قال إستطلاع للرأي،بأن 100 الف سيصوتون بلا التزام للحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة،ويبدو بأن ولاية بنسلفانيا ستحذو حذوها،ومما زاد الطين بله ،قيام الجندي الأمريكي في سلاح الجو ” أرون بوشندل” بحرق نفسه أمام السفارة ” الإسرائيلية في واشنطن،احتجاجاً على المشاركة الأمريكية في حرب الإبادية الجماعية في قطاع غزة،وكذلك قيام جنود أمريكيين على خلفية ذلك بحرق رتبهم العسكرية،ولذلك باتت الأهداف المرجو منها تحقيق المصالح الأمريكية الإستراتيجية تهدد بخسارة استراتيجية لهذه المصالح.
بايدن في خلافه مع نتنياهو والسعي لإستبداله،لكي ينقذ ” إسرائيل” من هزيمتها وعدم تحميلها الهزيمة،لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن ذلك سينسحب على العلاقة الإستراتيجية بين أمريكا و”إسرائيل” ،فهو سيبقي على دعمه العسكري والمالي والتسليحي والإستخباري ل” إسرائيل”،وكذلك سيواصل توفير الحماية والحضانة لها في المؤسسات الدولية،ضد أي قرارات قد تتخذ ضدها ،او عقوبات محتملة قد تفرض عليها ،على خلفية عدوانها المستمر على قطاع غزة،واتهامها ليس فقط بإنتهاك القانون الدولي والدولي الإنساني،بل هناك تهم موجهة لها بإرتكاب مجازر وإبادة جماعية وتجويع حتى الموت وإعاقة دخول المساعدات الإنسانية طبية وغذائية وغيرها من الجرائم بتدمير القطاع الصحي والبنى المدنية.
وليس أدل على ذلك من اتخاذ أمريكا لحق النقض ” الفيتو” ثلاث مرات،بمنع قرارات لوقف إطلاق النار لدواعي إنسانية في قطاع غزة،وكذلك منع بيان رئاسي من مجلس الأمن قدمته الجزائر يدين ويحمل ” إسرائيل” مسؤولية مجزرة ” الطحين” على دوار النابلسي في قطاع غزة،والتي راح ضحيتها أكثر من الف شهيد وجريح.
دعوة بايدن لغانتس خارج إطار العلاقات التقليدية بين الطرفين، فجرت الخلافات الداخلية “الإسرائيلية – الإسرائيلية” والأمريكية – الإسرائيلية.
فغالانت وزير الحرب وعضو مجلس حرب مصغر،وأحد أقطاب الليكود،فجر قضية تجنيد اليهود الحريديم،والتي تثار بهذا الشكل لأول مرة منذ عام 1948،فهو ايد تجنيد اليهود الحريديم،وهذا يعني خروج عن شروط التحالف،وقد أيدت المعارضة مطلب غالانت،بالإضافة الى عدد من اعضاء الليكود،وبالمقابل الى جانب الأحزاب الدينية وقف وزراء واعضاء كنيست مقربين من نتنياهو الى جانبه …اليهود الحريديم أتت الدعوة الى تجنيدهم على خلفية تجنيد جنود الإحتياط 360 الف جندي،بعد معركة 7 اكتوبر/2023،ومطلوب تمديد فترة الخدمة لجنود الإحتياط والمجندين على خلفية تلك الحرب وتوسع الحرب على الجبهة الشمالية،أو لربما معاودة دعوة جنود الإحتياط للخدمة،إذا ما شنت عملية برية “اسرائيلية على مدينة رفح،وبدلاً من وضع العبء على هؤلاء،فهناك دعوة لتقاسم هذا العبء بتجنيد اليهود الحريديم،والذين يرفضون ذلك،لأنهم متفرغون لدراسة التوراة ،وتجنيدهم يعني نهاية مجتمعهم الخاص من خلال الإندماج مع مجتمع العلمانيين،ولذلك وجدنا تفجر المظاهرات على هذه الخلفية والإشتباك مع شرط الإحتلال، ورفع اليهود الحريديم شعار ” نموت ولا نتجند”.
نتنياهو ومعه يارليف ليفين ودودي مسلم وميري رغيف ونير بركات ويسرائيل كاتس وايلي كوهين وافي ديختر وعميحاي الياهو ورون ديرمر والى جانبه بن غفير وسموتريتش ،يدركون طبيعة المشروع والمخطط الأمريكي،ولذلك قد يذهبون لخلط الأوراق وتفجير الأوضاع عبر المسجد الأقصى وشهر رمضان المبارك او التصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية،او توسيع دائرة الحرب على الجبهة الشاملة،وبما يربك ويفشل كل المشروع الأمريكي،ولسان حال نتنياهو يقول لبايدن “ننجو معاً او نغرق معا” ،وليس “انجو سعد فقد هلك سعيد”.
فلسطين – القدس المحتلة