نهاية المشروع الصهيوني وتنامي المشروع الوطني الفلسطيني (الجزء الثالث) بقلم : غسان ابو نجم
لقد سادت التخوفات من انهيار المشروع الصهيوني ما قبل السابع من أكتوبر وحرب الابادة على الشعب الفلسطيني نتيجة التجاذبات داخل الكيان الصهيوني الذي يعيش ازمة بنيوية أحدثت شرخا واضحا في تركيبته الاجتماعية والسياسية دفعت بالعديد من قادته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى التحذير العلني من انهيار مشروعهم الاستيطاني الاحلالي ودفعت برئيس الكيان حاييم هرتسوغ إلى القول ان الكيان الصهيوني على حافة الانهيار داعيا إلى تجاوز الخلافات الداخلية التي احدثتها التعديلات القضائية التي سنتها حكومة اليمين الفاشي الديني الصهيوني بقيادة نتنياهو مدعوما بحلفائه من الصهيونية الدينية سموترتش وبن غفير
ودفعت برئيس الشاباك إلى تحذير رئيس المعارضة لبيد بأن هناك خطر على حياته كذلك حذر نفتالي بينت من خطر حرب أهلية بعد انطلاق دعوات من قبل بعض اوساط المعارضة لحل الازمة بالعنف كما صرح بذلك ايهود اولمرت رئيس الحكومة الأسبق.
ان هذه التناقضات الداخلية التي تعصف بالكيان هي تعبير عن عمق الازمة البنيوية التي نشأت منذ تأسيسه والتناقض الايدلوجي بين الصهيونية بوصفها حركة استيطانية إحلالية تهدف للسطو على مقدرات الانسان الفلسطيني وسلب ارضه وبيته ووسيلة إنتاجه واليهودية كدين.
لقد سعت الحركة الصهيونية التي أساسها وقادها زعماء علمانيون إلى استغلال الشغف الديني اليهودي بالعودة إلى أرض الميعاد لجمع أكبر كم من الطوائف اليهودية المنتشرة في اصقاع الارض لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين مضطرين إلى ربط الصهيونية العلمانية باليهودية الدينية برابط تزاوج قصري وهذا ما يخفيه قادة هذه الحركة إذ صرح دافيد بن غوريون ان عودة الماشيح هي فكرة شديدة السلبية كما صرح هيرتسل قائلا انني لا اخضع في مشروعي لأي دافع ديني وكان المفكر الصهيوني الروسي بيرتس سمولنسكين أكثر وضوحا في تحديد جوهر الحركة الصهيونية حين قال ان الرؤية الصهيونية تتحدد بوصفها نوعا من الاستيطان لضمان الرزق والأمن ولا علاقة لها بالمسيح المخلص
وربما كانت كتابات شلومو ساند المؤرخ اليهودي الذي تبرأ من يهوديتة الأكثر دقة وموضوعية في دراسة تاريخ الحركة الصهيونية والطوائف اليهودية ليس بوصفه يهوديا فقط بل مؤرخا ومحاضرا في جامعة حيفا وتل أبيب حيث كتب مجموعة من الدراسات التاريخية حولها اهمها كتاب اختراع الشعب اليهودي وكيف لم أعد يهوديا واختراع ارض اسرائيل وتاريخ الشعب اليهودي يكشف فيها مجموعة من الحقائق التي استخدمتها الحركة الصهيونية لاستغلال الطوائف اليهودية.
حيث عمد إلى تفكيك مبدأ الحق التاريخي والروايات القومية المرافقة له التي عمدت لمنح الشرعية الأخلاقية للاستيلاء على ارض فلسطين ومحاولات الحركة الصهيونية لإعادة احياء اليهودية المنهكة في نفوس اليهود حول العالم كاشفا بذلك مجموعة من الحقائق التي استخدمتها الحركة الصهيونية في سياق تبريرها لاستعمار ارض فلسطين عبر استخدام الديانة اليهودية بهدف اقناع اليهود بأن ارض فلسطين هي الارض التي تركها الأجداد قبل الفي عام وبان لهم الحق في العودة لها وانتزاعها من الشعب الفلسطيني مما يؤكد حقيقة جوهر الحركة الصهيونية الاستيطاني وان هذه الحركة العلمانية اكتست حلة دينية للعثور على ارض الميعاد
ان هذه المقدمة التاريخية حول الحركة الصهيونية والطوائف اليهودية كانت ضرورية لتثبيت حقيقة ان لا علاقة مطلقا بين الحركة الصهيونية وبين الطوائف اليهودية سوى في المصالح والأهداف التي التقت عليها وهي سلب ارض فلسطين واحلال شذاذ الافاق بدل منه وان التناقض الايدلوجي بين الصهيونية واليهودية متجذر اصلا منذ نشأة الكيان الصهيوني وان هذا التناقض اتسع تعمق ونلحظ تعمقه في وقتنا الراهن وهذا ما سنأتي عليه لاحقا.