خطبة الهندية الحمراء للشاعرة لي مراكل وقصائد إلى فلسطين، بقلم : جاكلين سلام
بدأت علاقتي الخاصة بأدب الكنديين الأصليين” الهنود الحمر” منذ بدايات هجرتي إلى كندا. حوالي عام 2000 شاركت في مهرجان لحقوق المرأة والأقليات المهاجرة وهناك سمعت امرأة تعزف على الغيتار وتغني وتتحدث عن سيرتها الشجية. عن عرقها وكونها واحدة من أبناء الهنود الحمر الذين تم فصلهم عن أهلهم عنوة في الستينات من القرن العشرين، ليكونوا موضع التبني من قبل عائلات بيضاء ليتم تعليمهم المدنية والحضارة على خلاف نشأتهم في مقاطعات الهنود الحمر المنعزلة. بعضهم تم إجباره على الإقامة في مدارس خاصة، حيث تم تعذيبهم وبعضهم قضى نحبه بعيدا عن ذويه. وهذا مأساة افتتح باب البحث فيها هذا العام 2021 في كندا. وكان على الحكومة الكندية أن تعتذر منهم على هذا الإجراء التعسفي وتخصص ميزانية مالية لمادواة الجرح والتعرف على المفقودين وأصولهم. هذه المرأة كانت شاعرة، ومحامية، محبطة ومتألمة. تعاطفت مع قصتها، وتحدثت معها لاحقا بعد المهرجان، وأجريت معها حوارا نشر في الصحفاة المهجرية العربية.
كانت تلك بداية بحثي في تراث سكان كندا الأوائل أو ما يعرف ب(الهنود الحمر) . ويجدر بي أن أذكر أن كلمة “الهنود الحمر” كعرق، تم استبدالها ب” الكنديين الأوائل” وبدأت هذه الكلمة تظهر في أدبيات الحديث عن هذه القبائل وهذا العرق. الكلمة ما تزال واردة في بعض قصائدهم وكتب دراسة التاريخ الخاص بالمنطقة.
لم تنقطع متابعتي لأنشطتهم في منطقتي التي أقيم فيها حتى اليوم، أي ما يقارب ربع قرن وأنا أبحث في تراث الهنود الحمر، أحضر مهرجاناتهم، استمع الى موسيقاهم، وأزور متاحفهم في كندا، واستمع إلى قصصهم الشفاهية في التجمعات الثقافية والأنشطة كثيرة وخاصة في هذه السنوات الأخيرة وقبل انتشار وباء- كورونا في كندا والعالم.
أصبح الموضوع بالنسبة لي أكثر فضولا حين قرأت عن شاعرة من الكنديين الأوائل لها قصائد مطبوعة عن فلسطين، تناصر حقوقهم وقضاياهم. كان اكتشافاً جميلاً في إحدى الأمسيات الثقافية في مدينة تورنتو.
كنت قد قرأت سابقا أن محمود درويش له قصائد يشير فيها إلى إبادة الهنود الحمر وخطبة الهندي الأحمر لكنني لم أتخيل أن تكتب شاعرة كندية عن تلك البلاد، وخاصة أن الكنديين البيض في الغالب كانوا منعزلين سياسيا وإعلاميا إلى حد ما، دون تعميم.
أما هذه الشاعرة التي أنا بصدد تقديمها للقارئ العربي فهي الشاعرة لي مراكل، التي رحلت يوم 23 نوفمبر 2021 في تورنتو حيث كانت تقيم ولها من العمر 72 سنة. سبق أن التقيت بها شخصيا وحضرت ورشة كتابة إبداعية لها، بعد أن قرأت وترجمت بعض قصائدها إلى العربية.
مناسبات شعرية وحضور متنوع الأعراق
في عام 2015، كانت صديقة ايرانية “بانو زان” تدير أمسيات شعرية شهرية في تورنتو وتدعو لضيافتها شعراء وفنانين مهاجرين، وبيض وسود، ومن كل الأعراق. اتصلت بي وأخبرتني أن الشاعرة لي مراكل”من أصل هندي” ، ستكون ضيفة أساسية في إحدى الأمسيات، ودعتني للقراءة في الوقت المخصص (3 دقائق لمن يرغب- ميكرفون مفتوح للجميع).
قررت الذهاب لحضور الأمسية وكنت سعيدة، إذ قمت بطباعة القصائد المترجمة إلى العربية لنفس الشاعرة. وحين وصلت الى مكان الأمسية في داون تاون تورنتو كانت الصالة عامرة بالحضور. اسم المركز ( بيت زيتون) وكانت ملصقات على الجدران هي خرائط فلسطين قبل وبعد الاحتلال.
في فترة الاستراحة ذهبت إلى الشاعرة وألقيت التحية وعرفتها بنفسي. أعطيتها الأوراق المترجمة والتقطت صورا معها. كانت سعيدة بالخبر، وأخبرتني سريعا عن معرفتها بالشاعر الفلسطيني محمود درويش. وانتهى الحديث هناك في تلك الأمسية، على أمل أن نتواصل لاحقا.
ورشة الكتابة الإبداعية
بعد ذلك علمت بأنها تدير ورشة كتابة إبداعية في تورنتو، فذهبت للمشاركة. كانت النساء في الغالبية من الكنديين الأوائل وكنت الوحيدة المهاجرة المشرقية.
في تلك الجلسة، وزعت علينا بعض القصائد المطبوعة من دواوينها. أذكر انها أشارت الى القميص المتواضع الذي تلبسه وقالت: هذه القميص مصنوع بيد نساء من افغانستان. وتحدثت عن أجرة اليد العاملة الرخيصة هناك، والظروف البائسة التي تعيشها المرأة في العمل والتعليم، نساء من افغانستان. كانت ملاحظاتها تحث على التفكير في الشخصي جدا والخاص، وفي العام القريب والبعيد. كانت مناصرة للحقوق العادلة لكل الشعوب.
في تلك الورشة، كنت وجها لوجه مع قصص العديد من النساء المنحدرات من قبائل الهنود الحمر التي هي أصول وفروع ولغات مختلفة، بعضها شفاهي ينقل إلى الأجيال عبر الأجداد والجدات لذلك نراهم يثمنون كثيرا تجربة كبار السن باعتبارهم حملة المعرفة والطقوس والشفاعة والشفاء. ويجري تكريمهم ونقل المعلومات عنهم من جيل إلى آخر.
وهناك تذوقنا الخبز المصنوع على طريقة الهنود وبعض الحساء الحار. كان ذلك عام 2016. كانت الشاعرة جالسة بيننا مثل أم مع بناتها، دون ماكياج، وعلى سجيتها.
حين قرأت خبر رحيل الشاعرة لي مراكل، الناشطة الاجتماعية، شعرت بحزن من يفقد شخصا عرفه من قريب ومن بعيد. كاتبة جمعتنا بها هموم الإنسان والشعر.
ولهذا أردتُ الكتابة عنها من جديد ولعل روحها تبتهج بما نثمن من مسيرتها النضالية، شعريا وإبداعيا. وهي التي وقفت يوما على نفس المنبر “اليونسكو” مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وقرأت بالاإكليزية قصيدته : “سجّل أنا عربي”، فيما قرأها هو بالعربية، كما تشير المصادر.
ومما يجدر ذكره بأنها كانت تحظى على شهرة واسعة وتقدير كبيرين بين الكنديين على اختلاف مشاربهم. وحصلت على جوائز تقديرية في أكثر من حقل.
سيرة أدبية. لي مراكل في سطور
الشاعرة لي مراكل من مواليد كندا، فانكوفر 1950. تحمل تراث قبيلة ميتس & ساليش. شاعرة وروائية وكاتبة مقالات ومحررة عدد من الأنطولوجيات الشعرية. صدر كتابها الأول عام 1988.
تقول مراكل: “أردت أن أكتب الانجليزية بالطريقة التي أشعر بها حيال القصص التي سمعتها بلغتنا. أريد أن أخذ القصة القديمة وأغزل أساطير جديدة مبنية على ما فقدناه خلال 150 سنة من قصة التطور ومنذ أن جاء البيض “
وعن السياسة والكتابة ترى الشاعرة بأنه لا يمكنها أن تفصل قصيدتها عما يجري في عالمها القريب والأبعد. تقول مراكل: أكتب انطلاقاً من ظرفي. نحن نعيش زمناً سياسياً، طاغيا وكتابتي تعكس ذلك. أكتب من خلال الأوضاع التي تحيط بنا. أوضاع السكان الأصليين في كندا سياسيا. إننا في مخاض النضال من أجل اللا- كولونيالية.
الشاعرة لا تتوقف عند حدود قريتها وتاريخ شعوبها، بل تأخذنا إلى قضية الشعب الفلسطيني وتصور أحوال النساء والأطفال والبؤس والأمل بالحياة رغم القصف والاعتداء. كما تصور في قصيدة ساخرة قصيرة مسألة الاغتراب عن العادات والمعايير واللغة الإنكليزية بحد ذاتها.
نشر المقال في مجلة “المنتدى” في الأردن، ربيع 2023
كندا اليوم
جاكلين سلام: مترجمة وكاتبة سورية – كندية