تنتهي هذه المقتلة حين تبدأ التنازلات المؤلمة، بقلم : د. ناصر اللحام
ولو انتجت أمريكا مائة فلم في هوليوود لما نفعت في إخفاء ما حدث في السابع من أكتوبر، ولو استمرت الحرب سبع سنوات لقالت الأجيال بعدها بأجيال: يوم السابع من أكتوبر عام 2023 .
وفي لحظة ما سوف تأتي اللحظة التي يجلس فيها السياسيون في قفص الاتهام لتحمل مسؤولياتهم، اذ لا يمكن ان يخرج نفس القادة قبل أكتوبر ليصبحوا هم ابطال ما بعد الحرب. وان فرضية نتانياهو ان بإمكانه النجاة من المحاسبة فرضية سقيمة تزيد من عذابه ولا تقلل من هول محاكمته .
في الأيام الأولى من هذه الحرب كتبنا وقلنا لن يخرج احد منتصرا من هذه المقتلة . واولهم سياسيون وتنظيمات ودول وانظمة وزعماء انتظروا بسلبية وبخبث ان ينقلب عجل التاريخ وتبيض لهم دجاجة الحرب مكاسب وهمية غير موجودة الا في خيالهم المريض .
الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ليسوا أصواتا انتخابية، وبالتالي لا احد يهتم بهم وبرأيهم . ولذلك تقتلهم إسرائيل بلا رحمة دون ان يخسر أي حزب صهيوني أي صوت انتخابي. والتنظيمات الفلسطينية لا تخضع لقانون الانتخاب المدني وتستطيع ان تعيش لمائة عام أخرى من دون برلمان منتخب ومن دون انتخابات .
ان وجود انتخابات وبرلمان عند الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة ليس امرا شكليا ، وانما هو قضية تجعل لرأيهم وزنا في صنع القرار وفي محافل الدول ، وتجبر أي قائد على التفكير عشر مرات قبل ان يتخذ قرارا بالاستسلام او بالحرب او بالاستهتار بحياة الناس وكرامتهم من دون محاسبة .
الحديث ليس عن هذه الحرب فقط، وانما عن مستقبل الأجيال وطريقة اتخاذ القرار. واذا كانت حماس تتحمل مسؤولية دخول هذه الحرب فان التنظيمات الأخرى وعلى رأسها فتح دخلت حروبا ومعارك لا تعد ولا تحصى بنفس الميزان . والسؤال كيف يتم اتخاذ القرار !
الاحتلال الإسرائيلي – بجميع قادته وليس نتانياهو فقط – لا يريد ان يوقف هذه الحرب الا بعد ان ينتصر . وهذا مستحيل نظريا وعمليا حتى من دون وجود اسرى إسرائيليين في غزة .
الدول العربية الراهنة كشفت الحرب معدنها وانها بلا قيمة بين الأمم وبلا قرار داخلي ودولي وبلا هيبة امام جنوب افريقيا وبلا رأي أصلا ، سوف تدفع ثمن هذه الحرب بطريقة غير مباشرة على امنها واستقرارها واطماع إسرائيل فيها على المدى الاستراتيجي .
السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ( تحتها ) لم تنج من هذه الحرب ولن تنجو ، وقد فقدت اكثر من 70% من وزنها وقوتها امام جمهورها وفقدت دورها محليا وعربيا ودوليا ولم يتبق لها سوى المغامرة بكل شيء في إعادة الاعمار والاهم من إعادة الاعمار هو إعادة الهيبة السياسية التي انسكبت مثل وعاء اللبن.
فالانتظار لا يمكن ان يشكل سياسة حكيمة امام عدو يلتهم الأرض ويبني المستوطنات كل يوم ويهدم المساجد ويعمل على تهويد المسجد الأقصى !!
الرئيس بايدن خسر الانتخابات تلقائيا، وهو اول خاسر في هذه الحرب . اما أوروبا المنافقة فقد سقطت أخلاقيا امام العرب ولو اشعلت انوار العالم على جسر لندن وفوق الرايخستاغ ببرلين وبين قضبان برج ايفيل بباريس فلن تعود موضع ثقة نصف مليار عربي وملياري مسلم ابدا .
يسبق الحرب تنازلات مؤلمة ، ويتبع الحرب تنازلات مؤلمة أكثر .
وحين يتوقف حرق المدنيين الفلسطينيين بصواريخ الطائرات وقذائف المدافع وقنابل السفن ، سوف يركع السياسيون الجبناء ويتوسلون لجمهورهم ان ينتخبهم مرة أخرى حتى يقتلونهم مرة أخرى وأخرى.