شفا – تعود آمال عوّاد رضوان من الأردن، بعدما اختتمت عام 2012 في زيارة شعريّة في عمان، حيث أحيت سلسلة من الأمسيات الشعريّة في العاصمة عمّان، كانت الأولى بتاريخ 26-12-12، إذ حلّت ضيفة على (رابطة الكتّاب الأردنيّين) في عمّان، وسط نخبة من الشعراء والأدباء ولفيف من ذوّاقي الشعر والأصدقاء والمهتمّين في الشأن الثقافيّ، وقد قرأت جملة وعددًا من قصائدها الجديدة والقديمة، وقدّم الدكتور الشاعر راشد عيسى رؤية أدبيّة لتجربتها الشعريّة، ونبذة عن سيرتها الذاتيّة وإصداراتها الشعريّة: بسمة لوزيّة تتوهج 2005، سلامي لك مطرًا 2007، رحلة إلى عنوان مفقود 2010، والمقالات الفكريّة في كتاب بعنوان “رؤى”، وكتب ثقافيّة أخرى حول المشهد الثقافيّ المَحلّيّ، كما تحدّث عن حضورها الغزير في المشهد الثقافيّ المحليّ في فلسطين، كشاعرة وإعلاميّة وكاتبة، وصاحبة رؤى فكريّة فاعلة في الصحف والملاحق الثقافيّة، إضافة إلى نشاطها الغنيّ في وسائط الاتصال الإلكترونيّ والمواقع الثقافيّة العربيّة والعالميّة، وقد أطلق عليها كنية “زهرة قرن الغزال”، أي (زهرة عصا الراعي أو الزقوقيا) ذات الزهرة الجميلة البيضاء الليلكية والأوراق الخضراء الشبيهة بالقلب.
وبتاريخ 27-12-2012 أقام لها المركز الثقافي العربيّ – منتدى عمون في جبل لويبدة، فرع إربد بالتعاون مع الدائرة الثقافية، أمسية شعريّة مع الشاعر الإعلاميّ العراقي محمّد نصيّف، وقد أدار الأمسية الشاعر والناقد والمؤرخ محمد سمحان، وفي القسم الثاني كانت قراءت شعريّة لشعراء أردنيّين وعراقيّين.
أمّا اتحاد الكتّاب والأدباء الأردنيّين فقد استضاف الشاعرة آمال عوّاد رضوان والشاعر العراقيّ فائز الحدّاد في أمسية شعريّة في مبنى الاتحاد، بتاريخ 29-12-12، والتي زيّنتها بإلقائها الشعريّ المتميّز الممثلة القديرة هيفاء الآغا، في قراءات من نصوص آمال عوّاد رضوان، وأدار الأمسية الشاعر والناقد والمؤرّخ العربيّ محمّد سمحان.
جاء في تقديم الشاعر والناقد د. راشد عيسى:
إن آمال عوّاد رضوان مثقفة عربيّة لامعة، وُلدت على أحد زنود الجليل في عبلين الجليليّة بين حيفا وعكا والناصرة مدينة البشارة، وعلى إيقاعاتِ أجراس الكنائس المُسبّحة للرب، وللحلم العربيّ الفلسطينيّ الجريح، وللكلمة القدسيّة المُشمسة، ومن خلال قصائدها النثريّة، ترتقي آمال عوّاد رضوان بآمالها إلى آفاقٍ عالية من التنوير الذي يطارد أسبابَ الحرّيّة، ويُحرج العتمة، وينحاز إلى الحرية ونصرة الإنسان، ويُبجّل القِيم الجماليّة السامية.
فالشاعرة الفلسطينية آمال عوّاد رضوان تُعدُّ من الأديبات الفارسات ذوات المواقف الانتمائيّة، وإنها تُعزّز التجذّر الوجدانيّ في خصوصيّة المنجز العربيّ الحضاريّ، إيمانا بأصالة الهُويّة لغة وأدبًا وفكرًا.
كما أنّ مقالات آمال عوّاد رضوان تؤكّد فيها أهمّيّة اللغة العربيّة وهُويّتها في فلسطين، وتنبئ عن كفاءة رؤية الكاتبة واللغة العربية معًا في الصمود أمام زحف العبريّة، التي تحاول طمس جماليّات اللغة والنيل من مهابتها القوميّة.
وتجتهد آمال عوّاد رضوان في حمل مشاعر الوعي والحُرّية وهمّة الخلاص من الظلام، وتُقاوم أنماط الاستلاب وأشكال القبح، فشِعرها ينتصر لعبقريّة الأنوثة عبْر استفزاز ذكورة الكوْن، فتوجد به ذاتيّة عالية، لكنّها متعددة المنابع والروافد، فحينًا تكون الأنثى في شِعرها مشابهة لـ”سافو” الشاعرة الإغريقيّة، وحينًا تكون مماثلة لرابعة العدويّة في هسيسها الصوفيّ، وحينًا تكون الأنثى القرويّة البسيطة الجليلة التي ينام الليل في خيمة شِعرها، وينبع النهر من عنقها، ويتشاجر النحل عند زهرة فمها.
في نصوص الشاعرة آمال عواد رضوان ظواهر أسلوبيّة متعدّدة؛ منها قِصر الجُملة الشعريّة، والاستناد إلى تراكيب المفارقات على غرار قولها: “يا من كنتِ جرارَ أمسي الآتي/ وغدوْتَ أنفاس غدي الماضي/ اُسكبيني في كأسِكِ الطافح بزبد ضياعي/ ولا تسقنيها”.
إنّ المفارقة هي بين “أمسي الآتي وغدي الماضي”، حيث تؤدّي إلى زمنيّة الحاضر، فنحن أمام تشويش فنيّ للحواسّ والذاكرة، وأمام لعب لغويّ رشيق، فهي تقول: “أنتِ وحدكِ/ وجدُ وحدي”.
إنّ المقصود بـ”وحدكِ” الأولى “الذات الشخصيّة”، وتعني “وحدي” الثانية الذات النفسيّة المتكاثرة بمواجدها ومعارج عزلتها الصافية، إذ تحيلنا هذه العبارة إلى البثّ الصوفيّ الذي عرفناه في موروث التصوّف العربيّ.
إنّ أبرز ظاهرة في أسلوب الشاعرة هي البنية الاستعاريّة المتعاقبة في القصيدة الواحدة، وهي بنية تأخذ المجاز الى أقاصي التخيّل عندما تقول: “عذارى الأشجان/ تُولِم محافلَ الحزن/ تقضم تفّاحة الفؤاد/ يندسّ نبيذ حُسنها في دم الموج”.
فتراكيب “عذارى الأشجان ومحافل الحزن وتفاحة الفؤاد ونبيذ الحسن ودم الموج”، تنضوي كلّها تحت سقف الاستعارة والتشبية البليغ، في مراوغة بلاغيّة نشِطة ومُكثّفة، فالذات المتكلّمة أو المخاطبة في نصوص الشاعرة ذات تكامليّة متعلقة بالكينونة الأنثويّة الخالصة.
أمّا الشاعر العراقيّ فائز الحدّاد فقد جاء في مداخلته:
يُخطئ من ينظر إلى الشكل الشعريّ بعيدًا عن مقدار الشعريّة فيه، فالنصّ المُعبّر عن التجربة الإنسانية بأبعادها الواسعة، لا بد وأن يكون نصًّا مثاليًّا حداثيًّا حتى وإن كان قديما .
نحن الآن بصدد تجربة شاعرة حداثيّة مُعمّدةٍ بالنصّ، ومُعرّفةٍ بالتجربة والمُنجز الشعريّ المطبوع، لا المصنوع بمقاسات البوح اللغويّ وما يتّصل بها، فآمال عوّاد رضوان شاعرة من القلائل اللواتي كنتُ أقرأ لها باهتمام كبير، نظرًا لتميّز نصّها بما يمتلكه من مقوّمات النصّ الناضج في اللغة ومداميك البناء، وفي جماليّات المعنى الذي يقود إلى التأويل في المعنى المضاعف .
خطاب آمال عوّاد رضوان مفعمٌ بالشعريّة العالية مجازًا واستعارة، ويَحفل بالرمزيّة والتكثيف، ويُحلّق في المخيال بأجنحة من فراش من ذهب، ففي جُلّ نصوصها تتبنّى الحبّ ثيمةً مركزيّة، أعني الحبّ شاسع الدلائل، وليس الغرضيّ على غرار أغراض الشعر العموديّ. الحبّ الذي يحمل الوطن قضيّة كبرى، فحبيبها الفلسطينيّ العربيّ في الاسم والهُويّة وفصيلة الدم، فهي تمرّ من خُلل قلبه ومن خلاله إلى قلب فلسطين الجريح بكل تشظّياته، فتغازله كرمز جليل في القلم والحجارة والبندقيّة .
إذًا؛ نحن إزاء تجربة شعريّة كبيرة في قصيدة النثر أو الشعر الحرّ، وتحتاج هذه التجربة إلى مراجعات نقديّة واسعة وعميقة، تقوم على التحليل المُدرك لخصائص نصّها وبيان مميّزاته، فتجربة آمال عوّاد رضوان في تقديري لها ما يُميّزها في الآداة والبوح، وأعتقد جازمًا بأنّ ما قرأنا لها، سيُعتمد كأحد النماذج الراكزة في قصيدة النثر العربيّة.
ن هنا أعلن عقد الوصل ما بيننا كمُنحازين لشعر آمال عوّاد رضوان، وما سنُعمّده بالتواقيع، وما سنُسجّله لها اعترافًا مُنصِفًا وأخلاقيًّا، بأنّها من الصفوة بكلّ ما تعنيه هذه المفردة من دلائل .
آمال عوّاد رضوان