7:01 صباحًا / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الحرب على الهوية ، بقلم : د. منى ابو حمدية

الحرب على الهوية ، بقلم : د. منى ابو حمدية

الحرب على الهوية ، بقلم : د. منى ابو حمدية

تعتبر غزة من اقدم مدن العالم تاريخيا ومن اكثرها عراقة واصالة، أسسها العرب الكنعانيون قرابة الألف الثالثة قبل الميلاد وتزخر غزة بمخزون تراثي ثقافي عريق ومتنوع ، ولعل سبب ذلك يتمثل في اهمية موقعها الجغرافي الاستراتيجي ، فهي حلقة وصل ما بين قارتي اسيا وافريقيا ، حيث تقع جنوب غرب فلسطين على شكل شريط ضيق في المنطقة الجنوبية من ساحل فلسطين التاريخية على البحر المتوسط.

وقد شهدت غزة احتضان حضارات عديدة عبر التاريخ وهذا بدوره اضفى عليها الطابع الثقافي والاثري الواضح في تلك المباني المعمارية والاثرية والشواهد التاريخية في المنطقة.


غزة التي وصفها المؤرخ الفلسطيني المقدسي “عارف العارف” في كتابه “تاريخ غزة” عام 1938م بأنها بنت الأجيال المنصرمة.

وبحسب تصنيف وزارة السياحة والاثار الفلسطينية لمواقع التراث الثقافي الفلسطيني في قطاع غزة والتي يبلغ عددها ( 325 ) معلم اثري موزعة على خمس محافظات في قطاع غزة ، تتمثل بالمساجد والاديرة والكنائس والمقابر والقصور والتلال والاسواق وغيرها.

حيث يعتبر هذا التراث الثقافي مورد ثقافي لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن ان يعوض اذا ما تم العبث به او تجاهله وتهميشه ، فآثار فلسطين بمختلف اماكن مواقعها في خطر دائم ما بين تنقيب غير قانوني وسرقة ونهب وعبث وتشويه وتهريب ، وآخرها ما شهده العالم من تدمير شامل للمواقع الاثرية والثقافية في غزة وبشكل مقصود ومتعمد وذلك كله في ظل غطرسة الاحتلال الاسرائيلي ، والذي انتهك وخرق اتفاقية لاهاي الدولية عام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح .

وللتراث الثقافي اهمية كبرى في بلورة الهوية التي تعبر عن حضارة امة كاملة ، فالهوية تجسد تاريخ طويل وعريق للامة ، اذ تمكنها من مجابهة عابثي الجغرافيا واثبات احقيتها للمكان .

طال العدوان الاخير على غزة الشجر والبشر والحجر، و لطالما الحجر كان شاهدا رئيسياً عبر الحقب الزمنية المتتالية للحق التاريخي الفلسطيني ، كما انه تم استهداف تلك المواقع الثقافية بطريقة مكثفة وغير مسبوقة في محاولة فاشلة لمسح الهوية الفلسطينية ودثرها وشطب الوجود التاريخي لسكان غزة.

وبحسب احصائية صدرت عن المكتب الاعلامي الحكومي في غزة يوم السبت تاريخ 30 ديسمبر 2023م والتي افادت بتدمير 200 موقع اثري وتراثي في غزة ، حيث قال الاعلامي الحكومي ” إنّ جيش الاحتلال استهدف ودمّر أكثر من 200 موقعٍ أثريٍ وتراثيٍ من أصل 325 موقعاً في قطاع غزة، ما بين مساجد أثرية وكنائس ومدارس ومتاحف ومنازل أثرية قديمة ومواقع تراثية مختلفة.”

منذ السابع من اكتوبر 2023م الى وقت دخول الحرب على غزة شهرها الرابع، لا زالت هذه الحرب تأكل الاخضر واليابس ، بممارسة الاحتلال لعملية الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني والتي أودت بأكثر من ثلاث وعشرين الف شهيد فلسطيني في غزة واكثر من خمسون الف جريح ، وتشريد نحو مليون ونصف مواطن من منازلهم الآمنة الى المجهول ، بالإضافة الى تدمير النسيج الحضري الثقافي و المعالم التاريخية ونهب الكثير من القطع الاثرية بواسطة الفرق التي ترافق الجيش الاسرائيلي في الحرب البرية على غزة .

تعتبر هذه الجرائم بحق المواقع التراثية والاثرية والدمار الذي لحق بها نتيجة القصف الاسرائيلي المتعمد والمكثف عليها ، بأنه جريمة حرب كاملة وانتهاك واضح للمواثيق والقوانين الدولية في حالة النزاع المسلح والتي يجب حماية تراثها الوطني مثل :

  • اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م
  • اتفاقية لاهاي ((1954
  • اتفاقية التراث العالمي (1972)

بلا شك حجم الدمار بشكل عام كبير وخسائر القطاع التراثي الثقافي كبير ولا يمكن ان نستطيع حصرها الا بعد انتهاء الحرب لأنه كل الاحصائيات قد تتزايد مع استمرارية القصف .

وفيما يتعلق بالتطهير العرقي حيث يذكر المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه في مقدمة كتابه التطهير العرقي في فلسطين بأن :


“الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية سنة1948م هي في نظر الإسرائيليين “حرب الاستقلال” بينما بالنسبة إلى الفلسطينيين ستظل إلى الأبد “النكبة” فبالإضافة إلى نشوء دولة إسرائيل أدت الحرب إلى واحد من أكبر التهجيرات القسرية في التاريخ الحديث إذ طرد نحو مليون نسمة من بيوتهم بقوة السلاح، وارتكبت مجازر بحق المدنيين ودمرت مئات من القرى الفلسطينية عمدا ، ومع أن الحقيقة بشأن الطرد الجماعي الهائل شُوِهَت وجرى طمسها بصورة منهجية فإنه لو كان حدث في القرن الحادي والعشرين لكان سمي تطهيرا عرقيا “.


ان السياسة الصهيونية لا تقف على التدمير والتهجير واقصاء الآخر وطفس هوية شعب بأكمله ، بل الى مأسسة وطن يهودي بابتكار رابط عرقي تاريخي زائف لليهود في فلسطين ، وعمدت الحركة الصهيونية جاهدة لاختلاق تاريخ كاذب و رواية مزيفة لتضمن بقائهم الابدي على الارض ، فمساعي الحرب الصهيونية على الهوية في غزة واضحة ، وعلى مرأى العالم من قبل حكومة اليمين الصهيوني المتطرف برئاسة “نتنياهو” من تجويع و تشريد وابادة جماعية لشعب اعزل و تدمير للشواهد التاريخية التي تؤكد احقية الشعب الفلسطيني بملكية الارض وسيادته عليها.

ولعل ابرز التصريحات التي صدرت عن تلك الحكومة عبر وسائل الاعلام الاسرائيلية في هذه الحرب هو تصريح وزير التراث الصهيوني “عميحاي الياهو” بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة ، الامر الذي يؤكد دموية هذه الحكومة واصرارها على مسح الوجود الفلسطيني وطمس هويته ، ولم يكتفي هذا الوزير بهذا التصريح فحسب بل تبعته تصريحات مماثلة لاحقاً ، فقد دعا مؤخرا لإيجاد طرق اكثر ايلاما من الموت للفلسطينيين.

وبالتصعيد الاخير لحكومة نتنياهو بعد 7 اكتوبر في غزة يأتي هذا التصعيد اليميني المتطرف مؤكدا الحرب على الهوية ليخدم اجندة يمينية متطرفة ، ويركز على الاطاحة بالوجود الفلسطيني وشطب للسيادة العربية الفلسطينية لتقوم السيادة الصهيونية المزيفة على أنقاض شعب كامل ، وهذا كله ضمن سلسلة انتهاكات وتجاوزات للمواثيق والقوانين الدولية .

وفي الختام :

  • ادعو بتوجيه انظار وسائل الإعلام المحلية والدولية نحو المسؤولية التي تقع على عاتقها بشأن توثيق الجرائم التي حدثت ولا زالت تحدث للإرث الثقافي الفلسطيني في غزة ونشرها وتعميمها .

  • كما واناشد المنظمات الدولية كاليونسكو والايسيكو و الالكسو التي تعنى بحماية التراث الثقافي بالوقوف عند مسؤوليتها و متابعة عالمية لملف تدمير المواقع الاثرية وسرقة محتوياتها من قبل الاحتلال.

  • واطالب الاخوة والزملاء المؤرخون والآثاريون في كل العالم لتوثيق هذه الجرائم وتوثيق التاريخ الفلسطيني.

  • واخير ادعو الجامعات والمعاهد العربية ومختلف المؤسسات التعليمية لعقد مؤتمرات ومحاضرات وندوات وورشات عمل حول تداعيات الحرب على غزة واستهداف التراث الثقافي الفلسطيني.

  • جزء من الكلمة التي ألقيتها في المؤتمر الدولي ” الثقافة والاستعمار – الصراع على الهوية ” في جامعة دمشق.

  • د. منى ابو حمدية – عضو الامانة العامة لدى الاتحاد العام للمؤرخين والآثاريين الفلسطيني

شاهد أيضاً

إصابة شاب برصاص الاحتلال في الفندقومية جنوب جنين

إصابة شاب برصاص الاحتلال في الفندقومية جنوب جنين

شفا – أصيب شاب برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، في بلدة الفندقومية جنوب …