واقع الخدمة المدنية بين الواقع والمأمول، بقلم : تمارا حداد
نعيش اليوم حالة من التطور السريع سواء على المستوى التكنولوجي أو على مستوى التزايد في الاحتياجات ومتطلبات المواطن، ولم يعد النظام التقليدي يفي بغرض مواكبة العصر الحديث ومواكبة كافة التطورات الحديثة، لذا أصبحنا اليوم بحاجة ماسة للتغيير الجذري في كل الأنظمة الإدارية بكافة أشكالها وأنظمتها بما فيها نظام الخدمة المدنية والوصول إلى الهدف المنشود وهو رضا المواطن وتعزيز الثقة بحكومته واختيار أنسب الحلول في أي قرار يتم اتخاذه ليتناسب مع الوقت الراهن.
تقسم الخدمة بشكل عام إلى: أولا، الخدمة العسكرية وتُعبر عن الخدمة العامة في كافة الأجهزة الامنية، ثانيا، الخدمة المدنية وتُعبر عن الخدمة العامة في الهيئات العامة الذي يضم العاملين في المنظمات الحكومية (المصالح، المؤسسة العامة، المحليات).
أهم خصائص الخدمة المدنية:
الخدمة المدنية تحتاج إلى هيئة إدارية ذات خبرة وممارسة لخطورة المسئوليات التي تقوم بها، ولذا يجب أن يعتمد على أعضاء الخدمة ذاتها، ودون إغفال أهمية تغذية الخدمة من آن لآخر ببعض “الدماء” الجديدة. والخدمة المدنية تضم منفذي السياسة العامة حيث تحتاج إلى هيئة مهنية بعيدة عن الخوف من ضغوط رجل الحكم وجماعات الضغط على السواء، وتكون واثقة من حقها في إبداء الرأي وخدمة المواطنين جميعاً بموضوعية.
سمات تواجه الخدمة المدنية:
سمات الخدمة المدنية تعترض طريق اداء الخدمة المدنية ودورها واسهامها المنوط في تحقيق التنمية المنشودة، لعل ابرز هذه السمات:
أولا، البيروقراطية والروتين والتعقيدات في الإجراءات، فضلاً عن الترهل الذي يستنزف الموارد ويثقل كاهل الموازنات، إلى جانب انتشار المحسوبية التي تفضل أهل الولاء على الكفاءة، الأمر الذي يؤدي إلى تردي الخدمة المقدمة للجمهور.
ثانيا، الكثير من المؤسسات لا تقدم خدمات مرضية لجمهورها نتيجة تقاعس بعض الموظفين وهيمنة الغياب والتأخر على مواعيد العمل.
ثالثا، من أبرز سمات نظام الخدمة المدنية التوسع المفرط في نُظم الخدمة المدنية وظهور مشاكل تعدد الأجهزة وتشابكها وازدواجيتها وازدياد التوسع الافقي مع تضخم العاملين، وانعدام نظم تحسين الاداء والتقييم.
رابعا، تعاني بعض المؤسسات من مظاهر القصور والخلل بسبب عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وضعف القيادة الإدارية، مما أدى إلى الاستهتار في التعامل مع ثوابت الخدمة المدنية في احترام الوقت ومعايير الأداء بجانب الجمود الفكري وغياب الإبداع وضعف التدريب.
التحديات التي تواجه نظم الخدمة المدنية والتي من أبرزها:
· العوامل السياسية والتي تعتبر من أبرز التحديات التي تعيق عملية إصلاح الخدمة المدنية.
· عدم تقبل ثقافة التغيير من قبل الإدارة العليا نتيجة المصالح الشخصية.
· ابرز التحديات النقص في الموارد المادية التي تعرقل الاصلاح والتطوير.
· عدم توفر انظمة وتشريعات تساهم في تقديم التسهيلات من اجل الاصلاح.
الإصلاح صمام أمان تحقيق الاستقرار الشامل:
هذه السمات والتحديات تحتاج الى مجموعة من آليات لإصلاح نظام الخدمة المدنية والتغلب على التحديات من أجل تحقيق الهدف المنشود من المؤسسات، ولعل أهم فكرة قبل البدء بعملية الاصلاح وهو وجود الارادة السياسية، وتقبل الادارة العليا ثقافة التغيير والتطوير حتى تكون عملية الاصلاح قادرة على الاستمرار.
اجراءات تساهم في عملية الاصلاح:
· ضرورة أن تتحول الحكومة إلى جهاز حكومي رشيق وفاعل يقدم خدمات للمواطنين بشكل يحقق رضا وسعادة المستفيدين، ويساهم في تحقيق التنمية الشاملة.
· الاستفادة من التكنولوجيا لتقديم خدمات أسرع وأكثر جودة للمستفيد، الذي بات يتطلع دائمًا إلى خدمات أكثر سهولة.
· ادارة الموارد البشرية في ظل مفهوم ادارة الجودة الشاملة لافساح الطريق امام تبني ثقافة المشاركة في مختلف الفعاليات وبشكل خاص التدريب على برامج الجودة، حيث ان اهم سياسة لادارة الموارد البشرية في ظل مفهوم ادارة الجودة الشاملة التوسع في استخدام فرق العمل وتنمية روح الفريق والعمل الجماعي، وتوفير نظم الضمان والسلامة في العمل، واعطاء الافراد فرص كافية لاستخدام مهاراتهم وتزويدهم بالامكانيات اللازمة لحل المشاكل وتقديم المقترحات.
· التركيز على محاور تعمل على الاصلاح تتمثل في التوظيف والأجور والترقيات والتدريب والتحفيز وترقية القدرات والإصلاح الاداري والقانوني.
· التزام معايير العدالة والمساواة والتنافس الحر.
· تأسيس قيادة احترافية ابداعية في الخدمة المدنية من خلال ادارة المواهب القيادية والتقويم المبني على المصداقية.
· وضع نظم ادارية تعمل ضمن مبادئ “الحوكمة المستجيبة” ، والتي تسعى تلك المبادئ على توفير اعلى درجات الشفافية والمساءلة، وتعزيز الاطر القانونية.
· تطوير الاطار المؤسسي والتنظيمي القائم على ادارة المجموعة المتميزة التي تساهم في تقديم مبادرات ابداعية لتعزيز العمل المؤسسي.
· استخدام اسلوب هندسة اجراءات العمل لتعزيز الاصلاح والتطوير بشكل جذري.
· تشكيل مجالس استشارية ومشاركة القطاع الخاص في دعم اصلاح الخدمة المدنية.
· تشكيل لجان فرعية من الخبراء متخصصين في عملية الاصلاح من اجل اعطاء المشورة اللازمة للتطوير.
ختاما:
لعل ثقافة المجتمع تلعب دوراً بارزاً ومحورياً في كل الإشكالات التي تعانيها الخدمة المدنية، الأمر الذي يحتم العمل على تغيير المفاهيم السائدة عبر انتهاج سياسات مغايرة من قبل السلطات وغرس قيم مغايرة، والعمل على إدخال هذه المفاهيم حتى في مناهج التعليم في المدارس، يتربى عليها الناشئين منذ نعومة أظافرهم.
الهدف الأساسي للإصلاح هو إيجاد جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة ويخضع للمساءلة، ويُعنى برضاء المواطن، ويحقق الأهداف التنموية للبلاد، ويتيح الخدمات العامة بعدالة وجودة عالية، مستنداً إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل، فالغاية هي خدمة المواطن.