أنهار الديك بين انتظار المولود ورؤية النور والحرية، بقلم: تمارا حداد
عندما تكون الأم حاملاً في طفلها وتنتظر ساعة ولادته لترى وجهه وتضعه على صدرها بعد معاناة الألم والولادة لتشعر بعدها أن ساعات الألم قد ذهبت ليحل محلها ساعات الفرح والسعادة، ولكن كيف لأم داخل سجون الاحتلال وهي في شهرها التاسع تنتظر ولادة طفلها وهي في السجون، فهي تعاني من ألم ومخاض الولادة من جهة وألم السجان والاعتقال من جهة أخرى، تنتظر ساعات الخلاص من الوجع وساعات الحرية.
نعم، هن نساء فلسطين عصرتكن المحن فكنتن الشهيدة والجريحة والأسيرة، رقصتن على أشلاء الوطن، فأنتن أمهات الطهر والشرف والعفاف، يا غصن الزيتون، ويا شجرة الكرم، جلابيبكن المثقوبة تراقبن اوطانكن المسلوب، خلف القضبان تحتضن اطفالكن، تواجهن الاحتلال بصبر وصمود، تتركن بصمة الخلود. كنتن أمهات داخل السجون اصبحتن نموذج الخنساء في زمن الخنوع، ذقتن مرارة السجان وما اصعب تلك اللحظات والأم بعيدة عن اطفالها، كنتن المفصل في الميدان، اصبحتن رمزا للنضال، صمدتن صمود الابطال واطفالكن ورثوا نضالكن.
أنهار الديك تنتظر اصعب اللحظات ولادة طفلها وما اصعبها في الوضع الطبيعي فكيف الولادة داخل المعتقل، وهذا المعتقل لا يليق لموقع تلد الام طفلها بشكل آمن وسليم، انهار النموذج الأشد قسوة أمام محتل لا يعرف الرحمة ولا يعرف الانسانية ولا يعرف مشاعر الام الحامل وآلامها، من حقها ان تلد على سرير الولادة يليق بالانسانية وحقها الطبيعي في لم شملها مع أبنائها وعائلتها.
ما تلك الولادة خلف قضبان الاحتلال ؟ هو عذاب ليس ما بعده عذاب امام غياب الام والزوج والصديق والاسرة، من سيخفف آلامها؟ ومن سيقدم لها الطعام بعد الولادة؟ ومن سيرعى الطفل بعد مجيئه؟
نعم لحظات صعبة بحاجة لوقفة من الجميع شعباً واعلاماً وقانوناً وووضع سياسي وطبي، أغلب الأسيرات الفلسطينيات بشكل عام يعانين من البرد الشديد وقلة أدوات التدفئة في الغرف في فضل الشتاء بالإضافة إلى الضوء الباهت في الغرف، ويعانين من التهوية السيئة ووجود الحشرات والذباب والأوساخ داخل غرفهن، فهن يعانين من عدة أشكال من المعاملة التعسفية من تعذيب وضرب وسب وشتم وترهيب وترويع ويحرمن من خصوصيتهن. فهن لا يستطعن خلع المنديل بسبب اقتحام الجنود بأي وقت، ناهيك عن حرمانهن من زيارة ذويهن ورؤية أطفالهن وأزواجهن وحرمانهن من معانقة أهلهن. ويعانين من طبيعة الطعام الذي يفتقر إلى العناصر الأساسية للغذاء الصحي. والأصعب من هذه السياسات القمعية ولإهانة كرامتهن فهن يتعرضن لسياسة التفتيش العاري، وحتى أسلوب التحقيق يغذيه العنصرية الهمجية بتقييدهن بالسلاسل والأغلال.
لو جمعنا آهات الأسيرات لطافت على الدنيا وغطتها، لو كتبنا عن أحزانهن لأعفينا القلم عن الكتابة من شدة الألم، فهن بحاجة إلى تسليط أعمق لقضية الأسيرات داخل المعتقلات وان تكون حملة وطنية داعمة لأسيرات فلسطين وان تكون هناك زاوية اكبر لتفعيل قضيتهن واتباع منهج أفضل لإبرازها بشكل يليق بتضحياتهن، وبالذات قضية انهار الديك فهي بحاجة لدعم وإسناد أكثر قبل ولادتها. فهي تحتاج لتدويل قضيتها محلياً واقليمياً ودولياً وزيادة الدعم الإعلامي العالمي لقضيتها.
فهي تأمل أن تعيش أملاً أن تلد بشكل طبيعي وان تكون نهاية الغرفة العتمة نوراً وحرية والإيمان بالحرية هي المقوم الأول بالحياة. فكم من أسيرة ذرفت دمعاً لفراق أهلها؟ وكم أسيرة تعب جسدها خلف قضبان السجون؟ تلك حكاية من حكايات أسيرات فلسطين فهل لهن نهاية؟