المعلقات والمهجورات ومظاهر العنف ضد المرأة، بقلم : دينا الأمير
الزواج علاقة مقدّسة وتنمّ عن أوثق العلاقات الإنسانيّة الّتي تجمع شخصين، وعنوان هذه العلاقة المودّة والرحمة التي تؤسس البنيان المتين لهذا الزواج، وبالتّفاهم والمحبّة يستطيع الزوجان حماية علاقتهما بكل وعي ومسؤولية، بعيداً عن الخلافات الّتي تصل بالعلاقة الزوجيّة إلى مزالق خطيرة تهدد أمن الأسرة واستقراره.
إن هجر الأزواج للزوجات مأساة تعانيها النساء في العديد من المجتمعات العربية، وهي ظاهرة من مظاهر العنف ضد المرأة، وحين يتعنت الزوج ولا يطبق قاعدة إمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان تظهر إلى الوجود شريحة من النساء يسمون «بالمعلقات»، وهن اللواتي هجرهن أزواجهن ورفضوا إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، فهي لا مُتزوجة ولا مُطلقة، وقد تتعرض بشكل يومي لأذى الزوج وسوء معاملته وعنفه، وتزداد نسبة المعلقات يوماً بعد يوم، ويعدّ ملف المهجورات والمعلقات، ملفاً شائكاً ومعقداً، وقد حان الوقت لمراجعة القوانين والأحكام وإعادة صياغتها من جديد لإنهاء معاناة الكثير من النساء.
إن الزواج شراكة بين الرجل والمرأة، والزواج والطلاق يتصلان ببعضهما اتصالاً وثيقاً، وهما قضيتان ضروريتان اجتماعياً. وكما هو معروف فإن الزواج ينعقد باتفاق إرادتي الرجل والمرأة معاً، ولكن في حال عدم توافق الشريكين وفشل العلاقة الزوجية، فكل القوانين العربية تعطي الزوج حق إيقاع الطلاق بإرادة منفردة ولا رأي فيه للزوجة ولا تملك منعه، وهو حق خالص للزوج، إذ تعمل القوانين العربية بالقاعدة الغالبة وهي أن الأصل في الطلاق أن يكون بيد الرجل.
وأمام هذا الوضع يغلب طابع اللامساواة بين الجنسين في حق طلب الطلاق، والذي يعتبر شكلاً من أشكال العنف القانوني الذي يمارس ضد المرأة، عدا القانون التونسي الذي جعل الطلاق أمام المحكمة وحقاً لكلا الطرفين وبالتساوي.
في البحرين هناك العديد من النساء المعلقات اللاتي ينتظرن إنهاء معاناتهن لسنوات بسبب طول مدد التقاضي في المحاكم وخاصة في المحاكم الشرعية الجعفرية، والتي تتزاحم فيها مئات القضايا لنساء ينتظرن الخلاص من زواج فاشل والحصول على الطلاق أو الخُلع أو حضانة أو نفقة دون جدوى، وذلك لصعوبة ذلك.
وعلى الرغم من وجود قانون الأسرة الموحد والذي بدأ العمل به في عام 2017، ووجود نصوص صريحة لا تؤيد التعليق “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ”، فإنه عند تعرض المرأة لأي ضرر لا تجد ملجأ إلا بحلين إما رضاءً أو قضاءً.
وإنهاء العلاقة بالتراضي قليلاً ما تكون بالقضاء وذلك بسبب تعنت الرجل وعدم موافقته على ذلك، وعند لجوء المرأة للقضاء لطلب التطليق نجد أن بعض القضاة يتعسف ويتشدد في السلطة التقديرية بسبب عدم وجود البينة، فتذهب إلى خيار الخُلع. وقانون الأسرة البحريني يجيز للمرأة أن تلجأ للقضاء لتطليقها وإنهاء عقد الزواج وذلك بدفع مقابل مادي للزوج (الخُلع). وفي الفقه الجعفري يعلق قبول دعوى الطلاق على موافقة ورضا الزوج وتصبح المرأة معلقة إذا رفض الزوج تطليقها.
وهنا تكمن المشكلة، حين يكون الرجل مصدر قوة ويطالب بأضعاف المهر المقدّم للزوجة لإنهاء الزواج، والقانون يعطيه الموافقة على ذلك، وتكون المرأة تحت رحمة الزوج وتصبح معلقة ويذهب لحياته إذا لم تدفع له المبلغ المطلوب. ومازالت هناك الكثير من القضايا المعلقة في المحاكم الشرعية لحالات من النساء اللاتي لا يستطعن التقدم بالخُلع لظروفهن المادية وينتظرن النطق من جانب الزوج.
وبحسب بعض المتضررات، تعاني النساء في المحاكم الشرعية بسب الإطالة والتي قد تصل إلى خمس سنوات أو أكثر للحصول على الطلاق، كما أن بعض القضاة لا يطبقون القانون ولا الشرع ولا ينصفون المرأة. بالإضافة إلى أن المدة بين كل جلسة وأخرى تستغرق شهراً أو أكثر، ويحتاج الأمر لسنوات طويلة لإنهاء الطلاق، بما في ذلك من إذلال وإهانة لكرامة المرأة. ولكم أن تتخيلوا أن الحصول على الطلاق أصبح لبعض النساء فرحة خاصة إذا كانت تعاني من زوج لا يرحم ومحاكم لا تنصفها.
المرأة المعلقة أو المهجورة تعتبر فئة معطلة في المجتمع، ففي الوقت الذي يحتاج لها المجتمع للمشاركة في عملية التنمية والاستفادة من طاقاتها وعلمها، وحاجتها للعمل لإعالة نفسها وأولادها وتربية أطفالها ورعايتهم، نجدها تقضي سنين عمرها بين أروقة المحاكم بحثاً عن الخلاص وإنهاء الزواج، أو قد تستدين لتدفع للزوج ثمن حريتها، ناهيك عن الحالة النفسية التي تمرّ فيها بسبب كل هذه الظروف.
أسئلة عديدة تتبادر إلى أذهاننا، لماذا لا يحق للمرأة اللجوء أو اختيار المحكمة التي ترتأيها – المحكمة الشرعية السنية أو الجعفرية – لتسيير أمورها دون مماطلة؟ لماذا يتم تصنيف المواطنين حسب مذاهبهم في المحاكم؟ لماذا لا يتم التعامل مع المرأة على أساس أنها مواطنة لها حقوق وعليها واجبات مثل الرجل؟ لماذا يصبح الطلاق خاضعاً لمزاج القاضي الذي لا يطبيق القانون ويتحيز للرجل؟
أين القانون من مساومة الزوج على قيمة مبلغ الخُلع والذي يصل في أحيان كثيرة لآلاف الدنانير لموافقته على الطلاق؟ هل هناك ثغرات قانونية يستغلها البعض لصالحه؟ وغير ذلك من الأسئلة التي لا تجد المرأة لها إجابات شافية.
باتت الحاجة ملحة لتعديل قانون الأسرة ليواكب العصر وينصف المرأة، وتوجيه الدعوة للفقهاء إلى إعادة النظر في القانون مستندين على “لا ضرر ولا ضرار”، كما على القضاة المتنورين أن تكون لهم بصمتهم وحضورهم والضغط لتعديل القانون رأفة بالنساء، ويجب العمل على رصد الحالات المعلقة في المحاكم لتسليط الضوء عليها وإيجاد حل سريع لهذه الفئة.
إضافة إلى ذلك من المهم توعية القضاة بالقانون وكيفية التعامل مع الحالات التي ترد لهم حفاظاً على كرامة المرأة وسلامتها.