حينما كنت داخل أقبية تحقيق جهاز الأمن الداخلي في غزة، على خلفية عمل صحفي، توعدني المحقق ببث شائعات تتهمني بالعمالة لإسرائيل، وأردف قائلا: حينها سيطالبنا الجميع بالقصاص منك، ولن يجرؤ الإعلام للدفاع عنك.
لم تغادرني هذه العبارة، وجعلتني أعيد التفكير بشأن دعاية حماس العلنية والخفية بحق خصومها السياسيين، وشاء الله أن أجري مقابلة مع دحلان قبل عام لصالح قناة فرانس 24، وأتحدث مع الرجل على هامش اللقاء.
ولأن المجالس امانات، فليس من حقي الحديث بما عرفت منه، بعد أن عرفت عنه، ولست أدافع ولا أجامل، فهكذا أمور، تعالج في قاعات المحاكم المهنية النزيهة، وليأخذ القانون مجراه.
عدت الى غزة بعد لقاء الرجل في القاهرة، قابلني زملاء في الصحافة، وآخرون وآخرون، ولم يتمكن كثيرهم من إخفاء وساوسه، فسئلت كثيرا: كم أعطاك دحلان؟، واكتشفت بأن انطباعا سائدا داخل العقل الجمعي في غزة، بأن أبو فادي يشبه خلفاء الدول الإسلامية في المسلسلات التاريخية المصرية..أعطه درة من المال..مكافأة لقصيدة مدح..وامتلاك الناس بالمال، بيد أن دحلان بخلني، حينما وضع سكرا الى جانب القهوة، بدل الذهب.
تعرف حقيقة من وقع عليه الاتهام ، بمن أوقع عليه الاتهام، لأنني أشرف مليار مرة ممن عذبني في سجون أمن حماس، ثم هددني بالشائعات، وعلمت لاحقا، بأنهم استخدموا وسيلة لا داعي لذكرها، كي يضغطوا على شخص لتسجيل فيديو، يتهمني بدفع المال لإخراج تقارير إعلامية مفبركة، ثم جاءني الشخص نادما ليعتذر، وقال: أرغمت على ذلك..مبروك عليكي الفيديو يا حماس، وفي السياق أذكر، وقبل أن يتوب الله علي من العمل في قناة تابعة لحماس، عايشت كيف يطبخ التشويه الإعلامي، ولتوضيح ذلك وقت آخر، ومساحة أخرى.
المشكلة ليست في حماس وحدها، بل أيضا في قابلية الشارع الفلسطيني لامتصاص الشائعات، هدى الله شعبنا، كم يظلم نفسه بنفسه..وهذا إنتاج طبيعي، لأفكار تكافئ تجسس الأخ على أخيه، لصالح الفصيل والمسؤول، واقتبس من شاعرنا درويش: “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وشيخي علي”.
يتفق معي كثيرون بأن كثيرين في شعبنا مصابون بخصال دنيئة: أعداء التقدم، صناع المؤامرات، يستكثرون على جارهم أو ابن مدينتهم أو زميلهم، أو موظفهم، أن يتقدم أو يتميز، فيرمونه بالعجب العجاب، كي يحل عليه الذبح، وفي المقابل، يبهرجون بضاعة آخرين، سيما ممن لا يعرفونهم، وهذا يفسر جزءا، من نصب العداء المفتوح، لشخص من غزة، أخطاؤه لا تقل وقد لا تقارن، بمن جاؤوا يحكموننا، فدخلوا فقراء، وخرجوا يكنزون الذهب والفضة، ثم نقدرهم ونكرمهم، فعلا هؤلاء كانوا أذكياء، فقد استغلوا طبيعة شعب غزة أحسن الاستغلال، وهكذا لا زال يفعل آخرون، خطاب ومسيرة وايام في غزة، ثم مجد وعز هناك.
بعض الساسة يتعاملون مع الرجل وفق القناعة السائدة، بأنه يملك ويعطي ويوزع المكافآت، والغريب وعبر تصفح مصائر من جاوروا دحلان، تكتشف أن بعضهم استفاد من حيويته وفاعليته، وحقق مآرب ثم رحل، دون حتى أن يذكر أو يتذكر، ولا أدري إذا كان أبو فادي هو المسؤول أم غيره، عن الانطباع القائم على فرضية ” البقرة الحلوب”.
يبدو أن دحلان انتبه متأخرا لأهمية الدفاع عن نفسه، لأنه سيبقى متهم، وسيبقى مطالب بأن يقدم المزيد والمزيد، فهو لا بد أن يقدم، هكذا هو مقيم في عقول الكثيرين، فهل يملك فعلا ليقدم؟،وماذا سيقدم؟، وهل سيتمكن من البقاء مع قدره، متهما ومبادرا؟..سأسأل خبراء النفس، كيف تكون عليه حياة من تعرض لتشويه بهذا الحجم؟، وهل يبقى إنسان طبيعي وسليم نفسيا وفاعلا وايجابيا؟
سلامه عطا الله