حماس أمس.. حماس اليوم.. حماس غدا ، بقلم : نبيل عمرو
أمس…
أي ما قبل السابع من أكتوبر 2023، وما تلاه من أحداث أبرزها الحرب على غزة.
كانت حماس وتحت ساتر من السرية، تحضر لعملياتها الكبرى التي أسميت بطوفان الأقصى.. في تلك الفترة اتهمت حماس بالتخلي عن حلفائها المقاومين من الجهاد الإسلامي، حين اضطروا لمقاتلة إسرائيل من غزة بمفردهم لأكثر من مرة.
فسّرت حماس موقفها آنذاك تماما كما فسر حزب الله موقفه من الحرب الراهنة على غزة، ومع تعمدها اظهار المرونة وتقبل بعض التسهيلات الإسرائيلية كانت الاستعدادات لعملية أكتوبر تجري على قدم وساق، وكان سلوك حماس بجملته وتفاصيله ينطلق من عملية خداع العدو، على طريقة الخداع الاستراتيجي التي أدّاها الراحل أنور السادات تمهيدا لأكتوبر المصري والسوري.
خُدعت إسرائيل فعلاً، بدليل أنها تلقت أقوى ضربة في تاريخها وهي تحتفل بيوم كيبور، مطمئنة إلى أن لا خطر سيأتي من غزة، بفعل معادلة ما ظنته نجاحا لسلاح التسهيلات.
اليوم…
حماس والفصائل المنضوية تحت لواء قتالها ضد الاجتياح الإسرائيلي تخوض صراع بقاء مصيري، لا مجال فيه لحلول وسط، وبالقول العامي الدارج “يا قاتل يا مقتول” فلا إسرائيل المهاجمة في وارد اعلان وقف الحرب والانسحاب، أي إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، ولا السنوار ورفاقه الذين صاروا رموزا إلى جانب كونهم قادة حرب، في وارد رفع راية بيضاء تلمساً لنجاة شخصية، ما يعني الهزيمة النهائية. وضمن هذه المعادلة يعمل المتحاربان في الميدان مع فجوات هدوء يحتاجانها، وعنوانها محادثات وهدن التبادل، ولكل مفهومه الخاص للعملية والمسافة الخلافية بين الجانبين – حتى الان- في غاية الاتساع، حماس تبشر بالنصر المؤزر وتجد من يمد النصر حد التبشير بهزيمة ماحقة لإسرائيل.
وإسرائيل تمدد الحرب وتصعد القتل والتدمير واعدة جمهورها بأن يصحو ذات يوم فيرى غزة حمامة وادعة تحت مظلة القوة الإسرائيلية “المنتصرة” وحتى الان ما زال ما تبتغيه بعيدا وما زالت الطريق إليه محفوفة بالخسائر والخطر وتداعيات ما بعد الحرب على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
غداً…
أي بعد الحرب… ومهما كانت نتائجها فلا مجال موضوعيا لالغاء وجود حماس السياسي والفكري، الذي هو أكثر اتساعا وعمقا من وجودها السلطوي والعسكري، فالاول “السياسي والفكري” موجود على مستوى العالم وحيث وجد مسلمون، والثاني “السلطوي” محصور في جزيرة غزة تحت حصار دائم، إذا ما الذي يتعين على حماس أن تفعله بعد أن تضع الحرب أوزارها.
أولا: تغيير شروطها الخاصة حول دخول منظمة التحرير، لتكون الأولوية دخولها، واصلاحها من داخلها، ومن وجهة نظري كان خطأ من جانبها دخول السلطة المبنية على اساسات أوسلو، قبل دخولها المنظمة المبنية على إرادة عربية فلسطينية حظيت باعتراف دولي شامل.
ثانيا: تجديد موقفها من الانتخابات.. ذلك الموقف الإيجابي الذي جسدته في مايو أيار الماضي حين وقعت للجنة الانتخابات المركزية على بياض، ذلك قبل تأجيلها “بحجة القدس”.
ثالثا: الموقف من وسائل الكفاح لوطني ضد الاحتلال ومن أجل الحرية والاستقلال، والشرط الوحيد لذلك هو أن يكون القرار في هذا الشأن جماعياً ليغادر الجميع منطقة المقاتل على عاتقه يضعف المفاوض، والمفاوض على عاتقه يضعف المقاتل، ففي كل حركة تحرر وطني لا مناص من توحيد القوى والبرامج والاليات، والقرار في هذه الحالة للمؤسسة الوطنية الجامعة وليس لكل قيادة فصيل على حدة، وأخال حماس اقتربت في حالات معينة من هذه المعادلة وحين يحتكم للانتخابات ومتطلبات الوحدة الوطنية فلن يضار أي طرف من أطراف المعادلة الداخلية.
هذا توصيفي للحالة ومنه يمكن اشتقاق إمكانيات تفاهم وطني شامل أساسه الوحدة أولا.. والمرجعيات الوطنية المنتخبة، وهذا مجرد اجتهاد من جانبي ولا اعرف مدى الترحيب به.
وهنا تنهض أمامنا عقبة الفيتو الإسرائيلي والامريكي على حماس، وهي عقبة يملك الفلسطينيون تجاوزها بإقرار مبدأ المعارضة والموالاة، ولهذا المبدأ مكان واحد كل يمارس اجتهاده فيه، وهو البرلمان المنتخب، ولدينا برلمانان تم تخريبهما للأسف، المجلس الوطني والتشريعي، ولقد أضحى حاجة فلسطينية وعربية ودولية أن يعودوا إلى العمل بمبادرة وجهد فلسطيني أولا..
ودعم عربي ثانيا وأخيراً… ولا لزوم لانتظار مبادرات دولية في هذا المجال.
والوطن أولا وأخيراً.