ما الذي تخطط له اسرائيل بعد السابع من اكتوبر؟ بقلم : د. أحمد رفيق عوض
تهدد اسرائيل ومن بعدها او قبلها الولايات المتحدة الامريكية ان الاوضاع بعد السابع من اكتوبر الماضي لن تكون كما كانت في السادس منه، فما هو المقصود بالضبط بهذا الكلام او هذا التهديد؟!
يمكن لنا من خلال ما يصدر من تصريحات ومن ممارسات على الارض تشكيل صورة واضحة الى حد بعيد حول هذا الذي يقال عن ما بعد السابع من اكتوبر، فاسرائيل ومن ورائها او أمامها اميركا تعمل على ما يلي:
أولاً: تدمير وتهجير القطاع وتحويله الى قاعٍ صفصف او صحراء قاحلة ، لا يمكن العيش فيها، او ان العيش فيها يحتاج الى جهود جبارة واموال متدفقة وترتيبات امنية وادارية متعددة المستويات والجهات والاطراف. اي في نهاية الأمر، تحويل قطاع غزة الى ارض محروقة لا احد يريدها او يغامر بالاستثمار فيها الا تحت شروط او مصالح او منافع تخفي ولا تخفى.
وهذا ما يفسر نزعة التدمير الهائلة التي طالت كل سنتمتر في ارض القطاع، فليس المقصود تدمير حركة حماس او حركة الجهاد او غيرهما فقط، بل المقصود هو تغيير بيئي ايضاً.
ثانياً: انهاء فكرة التسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني وفرض تسوية امنية تقوم على اعادة انتاج الاحتلال من خلال اشكال متعددة من الادارات المجتمعية او العربية او الدولية او – ان غاب ذلك- ادارة اسرائيلية انتقالية يطول امرها، ما تريده اسرائيل هو ان تمنع اقامة دولة فلسطينية وتمنع تمثيلاً فلسطينياً موحداً، ولهذا فهي تعمل على فصل الضفة المحتلة عن القطاع المدمر من خلال اقتلاع المقاومة من جهة وشيطنه السلطة الفلسطينية من جهة اخرى، وذلك استباقاً لاية جهود امريكية او اوروبية او عربية ” “لتحديث” السلطة الفلسطينية” أو “تأهيلها” لادارة الاراضي الفلسطينية.
ثالثاً: اعادة تصميم الوعي العربي والفلسطيني بحيث يقوم هذا الوعي على فكرة الردع الاسرائيلي و نبذ فكرة المقاومة وتحييذ التسويات والتعايش غير المتكافيء والتعاون غير الندي، بمعنى تأسيس وعي عربي وفلسطيني نموذجي يقوم على الهلع والاستسلام والانبهار والطاعة وقبول ما هو معروض فقط.
رابعاً: حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على حساب الاقليم العربي من خلال اما استقبال مهجرين فلسطينين او المساعدة في تشكيل ادارة فلسطيناً جديدة حسب الشروط والمواصفات المقبولة اسرائيلياً واميركياً و/ او تمويل الفلسطينيين واعادة اعمار ما دمرته آلة الحرب الفلسطينية او رفع الغطاء عن اية احزاب او حركات لا تلقى القبول، في المقابل تهيئة وانضاج الظروف من اجل قيادة فلسطينية جديدة، وربما كانت هناك سيناريوهات متطرفة في هذا الصدد، بمعنى ان تقوم اسرائيل – ضمن ظروف معينة- الى اقامة كيانيه فلسطينية في دول او اراضٍ عربية قريبة او بعيدة ، ولماذا لا ؟! فاسرائيل تتجه رغم كل ما جرى الى تطرف شرس وحاد، ومن الممكن ان يذهب الى تطبيق تلك السيناريوهات في حالة تعقدت الظروف. ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي كما تريده اسرائيل يتضمن فيما يتضمن عدم توسع هذا الصراع الى جبهات اخرى او انتقاله الى مستويات اكبر، وهو ما تحاول الولايات المتحدة الاميريكية ان تقوم به وتمنعه، اي ان اسرائيل تريد ان تنفذ رؤيتها دون ان تدفع ثمن ذلك على الاطلاق وهو ما لا يمكن على الاطلاق، لا يمكن ان يتم تفكيك شعب كامل دون ان تكون هناك تداعيات هائلة على كل المستويات.
خامسا: استعادة دور اسرائيل الاقليمي والعالمي بعد هذه الحرب، وذلك من خلال استعادة القدرة على الاندماج في الاقليم العربي وقيادته اقتصادياً وامنياً، وهي مكانة فقدتها بعد السابع من اكتوبر الماضي، وكذلك استعادة الدور الذي تلعبه اسرائيل عادة لمصلحة الناتو عموماً وهو ما انكشف بعد السابع من اكتوبر، حيث ان الناتو هو الذي يحمي ويدير الحرب ويحمي المصالح أيضاً:
سادساً: ما الذي تريده اسرائيل أخيراً بعد السابع من اكتوبر، كما نقول وندعي ؟!.
اسرائيل تريد عملياً ان تعيد علاقتها بالشعب الفلسطيني من جديد، ليس على اساس من الاحتلال العسكري بكل حمولته الفاسدة ، ولكنها تتجاوز ذلك الى مسألة الانكار والاخفاء وخلق واقع جديد ينذر بتصعيد غير مسبوق، وان لم يكن هناك قوى وفواعل كابحة او مرشدة في اسرائيل او خارجها ، فان هذا التصعيد قادم لا محالة.