الحلم الصهيوني المزعوم ، بقلم: صبحة بغورة
⦁ الصهيونية، فكر أيديولوجي سياسي يدعو إلى إنشاء وطن قومي لمجموعة دينية اجتماعية هي الشعب اليهودي، ويعتبر اليهودي النمساوي ثيودور هرتزلهو مؤسس الصهيونية السياسية التي تربط بين وضع الجماعة اليهودية القديمة والمزاعم الحديثة بالسيادة على الأرض اعتقادا بأن الإله وعد اليهود وأحفادهم بها، وترتكز أسطورة العِرْق المشترك أي العلاقات الثقافية وروابط الدّم على عملية تحويل العهد القديم إلى مرجعية تاريخية فعلية تقطع بأن الشعب اليهودي يشكل شعبا مختارا تأسيساً على ميثاقه الفريد مع الله.
يذكرون أن الله وعد اليهود بالرجوعِ إلى موطنهم ” التوراتي” واصفاً أولئك الذين سكنوه على امتداد القرون بـالغرباء أو الدخلاء، هذا الوهم العنصري عن وحدة اليهود وتميزهم يتناقض مع واقع شتاتهم الذي نتج عنه ممارسة اليهود طوال القرون الماضية شعائر وتقاليد دينية تختلف بعضها عن بعضها الآخر وذلك تبعا لمدى تأثرهم بثقافات ولغات وهويات عرقية وبقاعٍ جغرافية متنوعة حول العالم، لذا لا يحتاج تحويل تلك التعددية في شكلها المتنوع إلى قومية عقائدية استعمارية موحدة إلى أهمية تأسيس بنية عنصرية عرقية فحسب بل وإلى حتمية وجود أرض أو إقليم، فضلا عما أسماهُ عالم الاجتماع الألماني ماكسيميليان كارل إميل فيبر)1864ـ 1920(ضرورة “احتكار الاستخدام المشروع للقوة “فهو يعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وهو ما استلزم وضع استراتيجية للقضاء على الغرباء وتجميع اليهود من دول العالم وتجنيدهم في المشروع الاستعماري، أما الفيلسوف النمساوي اليهودي مارتن بوبر ( (1965 – 1878)الذي يدعى بالعبرية מָרְדֳּכַי، أي مردخايو الذي اشتهر بفلسفة الحرية فتوقّع أن الصهيونية ستكون مشروعاً يتطلب أساسا العنف والظلم والحرب إلى ما لانهاية، ويقر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي بالعبريةאילן פפהالناشط الاشتراكي استاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستير بالمملكة المتحدة وهو من مواليد مدينة حيفاـ فلسطين عام 1954أن قادة الصهاينة في القرن العشرين كانوا على دراية تامة بأن تطبيق المشروع الصهيوني سيؤدي حتما إلى عملية تطهير عرقي وتهجير قسري للسكان الأصليين الفلسطينيين، وينتمي إيلان إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، وسبق أن دعّم حملة مقاطعة اسرائيل عام 2005 داعيا إلى ” إنهاء أفظع احتلال عرفه التاريخ الحديث “
ما نراه اليوم في الحرب الاسرائيلية الشرسة على قطاع غزة هو تجسيد للفكر الصهيوني يجري تطبيقه وفق مراحل ترسم سيناريو القتل والإبادة الجماعية والتهجير القسري للمواطنين لإخلاء قطاع غزة ثم الضفة الغربية من الفلسطينيين نحو صحراء سيناء غربا والأردن جنوبا على التوالي .
ويقوم سيناريو الحلم حسب مزاعم الصهاينة على مبدأ “التخريب ” من خلال عملية “التفكيك الأخلاقي” والاسم يشرح نفسه أي أن معناه في ذاته ، هي مرحلة تستغرق من 15 إلى 20 سنة وهي فترة كافية للتأثير على جيل واحد من الأطفال والطلاب ، هي فترة واحدة من حياة الإنسان يقضيها في التعلم الهادف إلى توجيه نظرته للحياة وتشكيل عقيدته وتحديد ملامح شخصيته، وتعتبر مجالات تطبيق مبدأ التخريب توضيحا لما يعنيه ذلك بالضبط :
ــ في المجال الديني، يدعو المخطط إلى استهداف أمرين أساسيين هما:
⦁ تدمير الدين والسخرية منه، واستبداله بطوائف ضالة واستفزاز الميول الجنسية “المختلفة ” التي تؤثر في السلوك فتصرف انتباه الناس عن الدين سواء عن قناعة منهم أو عن سذاجة فيهم ، المهم أن يحدث تأكل بطئ للعقيدة الدينية فيحدث الابتعاد عن الغرض الأسمى للدين الذي يسميه المخطط ” إبقاء الناس على اتصال بالكيان الأعلى” ومنه يمكن أن يتحقق الغرض .
⦁ صرف الناس عن العقيدة وعن كل ما يقوي الإيمان وجذبهم إلى اتباع معتقدات أخرى مختلفة ومتضاربة تخلق أجواء ملائمة لإثارة الشحناء وحمية الجاهلية ثم لوقوع الخلافات المذهبية الحادة وصولا إلى تفرقتهم وشق صف المؤمنين.
⦁ استبدال الهيئات الشرعية القائمة والمنظمات الدينية المعتمدة بأخرى مزيفة لا تحكم بالمعلوم من الدين وتنشر البدع والأحاديث الدخيلة مستندة إلى مكانتها الدينية العليا في المجتمع من أجل توثيق أحكام منحرفة وصيغ شرعية أخرى بعيدة عن أصول الدين .
⦁ إلهاء الطلاب عن تعلّم شيء مفيد وعملي وفعّال، واللجوء إلى توجيههم إلى تفضيل تعلم تاريخ الحروب الحديثة والأطعمة النباتية والاقتصاد المنزلي والثقافة الجنسية وكل شيء يمكن أن يشغلهم جنسيا بدلا من تعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات الأجنبية,
ــ في المجال الاجتماعي، محاولة استبدال المؤسسات الفاعلة والمنظمات الاجتماعية التقليدية القائمة بمنظمات أخرى دخيلة ، مزيفة، تنزع المبادرات الخيرية من نفوس وضمائر الناس وتنزع عنهم الشعور الذاتي بالمسؤولية في الحفاظ على الروابط والصلات الطبيعية بين الأفراد والجماعات والمجتمع بأكمله ، ثم استبدالها بكيانات اصطناعية وبمجموعات أخرى في المجال التمثيلي لم ينتخبهم أحد مطلقا ، ولا يحبهم أحد من الناس ومع ذلك يبقون في مراكزهم وتراهم متمسكين بمناصبهم ، ومن هذه المجموعات وسائل الإعلام التي تملك الجرأة والقوة الاحتكارية على انتهاك العقول وتشكيل الرأي العام ، وإبراز من يرونه مناسبا من رؤساء الإدارات الحكومية المركزية ومديري المؤسسات الاقتصادية .. في تمرير مشاريعهم.
هذا هو أخطر درس صهيوني ما زال متواصلا في كيفية نسج مراحل التفكيك الأخلاقي لتدمير البشرية، ونكاد نلمس بصماته في واقع حياة بعض الشعوب العربية وغير العربية، والأهم أنه قد وجب الحرص والانتباه من الحلم الصهيوني المزعوم.