شفا – تحقيق – حلا خطيب وقسام سمري وشمس اعبية، لم تكن دماء أطفالنا ونسائنا العنوان الوحيد للعدوان الواسع الذي شنته حكومة الاحتلال على أبناء شعبنا بعد أحداث السابع من “تشرين الأول”، بل أن الوجه الاقتصادي للعدوان أخذ صورة قاسية كذلك من خلال إجراءات ممنهجة لخنق الاقتصاد الفلسطيني. وفي مقدمة تلك الإجراءات كانت حرمان قرابة 200 ألف عامل فلسطيني في الضفة ونحو 20 ألف عامل في غزة من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر،
وسط ضبابية في المشهد وتعنت لدى الحكومة الاسرائيلية المتطرفة ما ألقى مزيداً من الغموض حول مستقبلهم، وسط توقعات بتفاقم مشكلتي الفقر والبطالة، وفي تكبيل أيدي الحكومة الفلسطينية لإيجاد بدائل في المدى المنظور بسبب غياب الدعم الخارجي وانغماسها في أزمة مالية خانقة متراكمة منذ عدة سنوات، لكنها تعمقت بعد أحداث 7 تشرين الاول بسبب قيام الاحتلال باقتطاع مزيد من أموال الضرائب الفلسطينية الأمر الذي لم يمكن الحكومة من صرف رواتب موظفي القطاع العام لأكثر من شهرين بعد أن صرفتها بنسب منقوصة لنحو عامين. فكيف ستكون عليه الأمور لو قررت حكومة الاحتلال إغلاق الباب في وجه هؤلاء العمال؟
عمال يئنون
تسبب قرار منع العمال من التوجه لأعمالهم داخل الخط الأخضر وفي المستعمرات بمشكلات اقتصادية خطيرة للعمال وأسرهم مع وجود حالة شك حول إمكانية العودة لأعماله مجدداً، ما دفعهم إلى تقليل نفقاتهم في انتظار تغيير الوقائع الحالية.
مصعب صرصور (42) عاماً وهو عامل في مجال المياه في الداخل المحتل يقول إنه بالكاد كان يدبر أموره المالية وهو يعمل، فكيف بعد أن توقف عن العمل.
ويضيف”ما كنت أحصل عليه من أجر بالكاد كنت أسد من خلاله احتياجات منزلي وعائلتي، بسبب غلاء الأسعار والاحتياجات المتعددة، والآن بعد أن تغيرت الأحوال نخشى على مستقبلنا وأن ننضم لصفوف البطالة، ونقف عاجزين عن توفير احتياجات أسرنا”.
يقول أدهم السرطاوي (35) عاماً وهو عامل في مجال الكهرباء في داخل الخط الأخضر “قللت مصاريفي إلى الحدود الدنيا في ظل تعطلنا عن أعمالنا، الظروف الحالية قاتمة ولا نعرف إلى ما ستؤول إليه الأمور”.
بدوره ، يقول أيهم خطيب (34) عاماً وهو عامل في مجال البناء ” الوضع المادي كان جيداً قبل هذه الأحداث”، مشيراً إلى أن توقف العامل الفلسطيني عن العمل يعد بمثابة قتل اقتصادي للعاملين وأسرهم وحرماناً السوق الفلسطيني من السيولة اللازمة لتحريك عجلة الدورة الاقتصادية.
يؤكد شاهر سعد الامين العام لاتحاد عمال فلسطين أن الحرب ألقت بآثارها السلبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة، لكن منع العمال من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر كان ضربة لتلك الشريحة العمالية وللاقتصاد الفلسطيني.
وأشار إلى أن العمال الذين توقفوا عن العمل بقرار احتلالي تراجعت قدرتهم الشرائية بشكل كبير ما دفعهم إلى ترشيد الاستهلاك، بالإضافة إلى وجود خطر حقيقي لامكانية انضمامهم لصفوف البطالة الأمر الذي سيرفع نسبة البطالة في فلسطين بشكل كبير.
زيادة نسبة البطالة
حسب الاحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ عدد القوى العاملة في فلسطين 1.151 مليون عامل في الربع الثاني 2023، بينما بلغ العدد الاجمالي للعاملين في إسرائيل حوالي 139 ألف عامل.
مع الإشارة إلى أن الجهاز المركزي للإحصاء يحتسب العمال الرسميين الذين يحصلون على تصاريح للعمل، بينما تشير تقديرات نقابية إلى أن العدد أكبر من ذلك ويصل إلى قرابة 200 ألف عامل.
وبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 379 ألفاً في الربع الثاني 2023؛ بواقع 245 ألفاً في غزة وحوالي 134 ألفاً في الضفة. بمعنى أن نسبة البطالة الإجمالية في الضفة وغزة تصل إلى نحو 25%، معظمها يتركز في قطاع غزة إذ وصلت نسبة البطالة قبل الحرب إلى نحو50% بينما لم تكن تزيد في الضفة عن 15%.
وبتعطل قرابة 200 ألف عامل وعدم وجود أفق في المدى المنظور لعودتهم إلى أعمالهم فإن ذلك يعني توقف قرابة 20% من القوى العاملة وانضمامهم إلى صفوف البطالة، ما ينذر بارتفاع في نسبة البطالة على نحوغير مسبوق.
يقول المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس إنه في حالة كان هناك قرار احتلالي بعدم منع تلك الشريحة العمالية من العودة لأعمالهم داخل الخط الأخضر، فهذا يعني أن ربع القوى العاملة الحالية ستنضم إلى صفوف البطالة، ما سيرفع البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
وذكر وزير العمل نصري أبو جيش أن ما يزيد عن 450,000 عامل فقدوا فرص عملهم داخل فلسطين خلال الحرب، وهو ما رفع نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني إلى أكثر من 40%، لكن الجهاز المكرزي للاحصاء لم يصدر بعد التغييرات التي أحدثتها الحرب على صعيد القوى العاملة ونسب البطالة.
هل من تعويضات محتملة؟
رغم أن الوقت مازال مبكراً لمعرفة مصير هؤلاء العمال في ظل المشهد الضبابي، غير أن الجانب القانوني سيكون الفيصل بين المشغل الإسرائيلي وكل عامل على حدة في حال تم اتخاذ قرار نهائي بفصلهم من أعمالهم.
يؤكد المحامي صالح مرزوق وهو مسؤول عن القضايا المتعلقة بالعمال الفلسطينيين داخل أراضي داخل الخط الاخضر أن هناك قوانين عمل تتعلق بالعمال الإسرائيليين في الداخل، إضافة إلى عمال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة الذين أيضا يعملون في الداخل المحتل، منوهاً إلى أنه بموجب هذه القوانين يصبح لدى العمل حقوقاً وواجبات وهي التي تفصل بين المشغل والعامل.
وبالنسبة للتعويضات المحتملة في حال تم الاستغناء عن هؤلاء العمال يقول مرزوق”هذا الأمر يتعلق بفترة العمل ، بمعنى العامل الذي يتقاضى أجرا شهريا مقداره 5000 شيقل، وبحسب القانون يكون له تعويض عن كل سنة 5000 شيقل”.
سيولة ضائعة
لا تنحصر الأضرار الناجمة عن منع العمال من التوجه لأعمالهم على رفع نسبة البطالة في فلسطين فحسب، بل إن الأسواق ستفتقد إلى رافد أساسي للسيولة النقدية التي تحرك الدورة الاقتصادية.
فمعدل الأجر الذي يتقاضاه العامل داخل الخط الأخضر يصل إلى قرابة ثلاثة أضعاف بالمعدل ما يتقاضاه العامل داخل السوق الفلسطيني. فقد ارتفع معدل الأجر اليومي للعاملين في إسرائيل والمستعمرات في الربع الثاني هذا العام إلى 289 شيقلاً بدلا من حوالي 284 شيقلًا في الربع الأول 2023.
قدر د. أبو الروس حجم السيولة التي يوفرها العمال الفلسطينيون داخل الخط الأخضر للأسواق الفلسطينية بنحو1.2 إلى 1.4 مليار شيقل شهرياً ما يعني أن حرمان الأسواق من هذه السيولة سيعني تراجعا للحركة التجارية بالضرورة، وهو الأمر الذي سيقود إلى خفض ايرادات الخزينة العامة التي تعتمد أساساً على الايرادات الضريبية.
تدخلات محدودة
التدخلات الحكومية والنقابية لمعالجة الأثر الناجم عن منع العمال من التوجه لأعمالهم داخل الخط الأخضر بقيت في إطار محدود، يتلخص بإصدار سلطة النقد لتعليمات، لتمكين العمال من تأجيل أقساط القروض التي حصلوا عليها من البنوك.
فبعد كتاب وجهته نقابة عمال فلسطين إلى سلطة النقد، جاء إليها رد الأخيرة يفيد بأن العمال مشمولون في الإجراءات التي اتخذتها سلطة النقد بتاريخ 25-10-2023، والتي تتضمن مواجهة الصعوبات التي قد تواجه جميع القطاعات.
وكانت سلطة النقد، أصدرت تعليمات جديدة للمصارف، بهدف الحد من آثار شح السيولة في الاقتصاد الوطني، ومساعدة المقترضين من الأفراد والشركات، على معالجة آثار توقف الدخل، أو تراجع حجم التدفقات النقدية بسبب الحرب، وبما يحمي تصنيفاتهم الائتمانية.
وأعلن محافظ سلطة النقد د. فراس ملحم، أن التعليمات الجديدة، تتيح منح سلفة/ تمويل على حساب الراتب للموظفين في القطاعين العام والخاص، يمكن للموظف من خلالها الحصول على سيولة، إلى حين ورود الراتب إلى حسابه، وبما يساعد الموظفين على تغطية التزاماتهم وشيكاتهم، ويساهم في الإبقاء على الدورة الاقتصادية في الوقت نفسه.
وأوضح المحافظ أن التعليمات الجديدة تتيح للمقترضين الحاليين(بمن فيهم العمال) تأجيل عدد من الأقساط المستحقة أو المتوقع استحقاقها خلال الفترة القريبة القادمة، أو تخفيض قيمة القسط من خلال هيكلة أو جدولة الدين أو من خلال الحصول على قرض مؤقت لسداد الأقساط المستحقة أو المتوقع استحقاقها، مشيرا إلى أن التعليمات الصادرة عن سلطة النقد تسمح أيضاً للأفراد والشركات الحصول على قروض تجارية طارئة لتمويل رأس المال العامل، وسداد أية التزامات طارئة بما يشمل الأقساط المستحقة أو المتوقع استحقاقها في غضون الاثني عشر شهرا القادمة.
وتبين من أرقام صادرة عن سلطة النقد أن إجمالي قروض عمال الخط الأخضر بلغت 190 مليون دولار حتى نهاية تشرين الثاني الماضي، وحسب بيانات البنوك قام 65% منهم بتسديد أقساط قروضهم خلال الحرب، ويمكن للآخرين معالجة الأقساط بعدة خيارات أخرى حسب التعليمات المعلن عنها.
وكانت الحكومة بدأت العام الماضي بالاتفاق مع الجانب الاسرائيلي بتطبيق قرار يقضي بتحويل أجور العمال داخل الخط الأخضر عبر البنوك العاملة في فلسطين وبعدها أتاحت البنوك المجال أمام تلك الفئة المجال للحصول على قروض منها بضمانات تحويل الرواتب.
مستقبل غامض
لا يوجد في المدى المرئي أي أفق لايجاد فرص عمل بديلة في حال ذهبت “إسرائيل” إلى أبعد مدى بحرمان الفلسطينيين بشكل دائم من العمل داخل الخط الأخضر.
فرغم حديث وزير العمل نصري أبو جيش في عدة تصريحات صحفية أن أن لدى وزارته خطة الاستجابة السريعة والطارئة المتعلقة بموضوع العمل، غير أنه قال إن هذه الخطة مازالت قيد التخطيط والانشاء دون أن يفصح عن تفاصيلها.
وقال “إن لهذه الخطة عدة محاور أهمها محور العمل المؤقت، إضافة إلى كيفية إيجاد فرص عمل”، رغم إقراره بأن الاقتصاد الفلسطيني ضعيف، ولا يستطيع تحمل كل هذه الأعداد الكبيرة من العمالة دفعة واحدة.
وفي ظل إعلانات وقرارات عدة من الحكومات الفلسطينية المتعاقبة أكثر من مرة عن خطة للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال غير أنها بقيت مجرد توجهات لم تترجم إلى خطط واقعية على الأرض في ظل ضعف الإمكانيات المالية.
ففي عام2010، اتخذت الحكومة ووقتها كانت تعيش ظروفاً مالية أفضل من وضعها الحالي قراراً بمنع العمالة الفلسطينية في المستوطنات، غير أن أرقام العاملين في المستوطنات منذ ذلك الحين أخذت بالارتفاع عاما تلو الآخر، فقد كان عدد العاملين في “اسرائيل” عام 2010 قرابة 78 الف عامل، ولم يكن عدد العمال في المستعمرات يتجاوز في ذلك الوقت 10 آلاف عامل، ليترفع عدد العاملين في “إسرائيل” والمستعمرات حسب الجهاز المركزي للإحصاء إلى قرابة 139 ألف، منهم حوالي 25 ألف عامل في المستعمرات.
يقول أيهم أبوغوش منسق شبكة الصحفيين الاقتصاديين “للأسف لا تمتلك الحكومة في الوقت الحالي أية إمكانية لإحداث تدخلات ملموسة لصالح العمال داخل الخط الأخضر في حالة قرر الاحتلال منعهم بشكل نهائي من التوجه لأعمالهم”، لافتاً إلى أن الحكومة تعاني من أزمة مالية خانقة منذ أكثر من 7 سنوات نتيجة الحصار المالي المفروض عليها بسبب موقف القيادة الرافض لصفقة القرن والتي تراجعت معها المساعدات الخارجية للسلطة الوطنية من قرابة مليار دولار سنويا بالمتوسط إلى أقل من 100 مليون دولار مؤخرا.
ويضيف”السلطة الوطنية اقترضت من البنوك على مدار سنوات لتتمكن من الايفاء بالتزاماتها، في ظل تراجع المساعدات الدولية، ووصل الدين المحلي إلى نحو من 2.4 مليار دولار، وفي آخر عامين استنفدت فرصة الاقتراض محليا، لتضطر إلى صرف رواتب منقوصة بنسبة 80-85%”، منوهاً إلى أن الأزمة المالية تفاقمت بشكل كبير بعد أحداث 7 تشرين الأول وشن الاحتلال حرباً على شعبنا في غزة والضفة، إذ لم تتمكن الحكومة من صرف رواتب لموظفي القطاع العام البالغ عددهم قرابة 140 ألف موظف لمدة شهرين بسبب لجوء حكومة الاحتلال إلى إجراءات انتقامية باحتجاز مزيد من أموال المقاصة التي تشكل نحو60-65% من إجمالي الايرادات العامة.
ويشير أبوغوش إلى أن هذه الإجراءات لم تكن بالجديدة، إذ أن الكنيست أقر في العام 2018 باقتطاع أموال من “المقاصة” بقيمة 50 مليون شيقل توازي قيمة ما تصرفه السلطة الوطنية من مخصصات للأسرى وذوي الشهداء، وقد بدأت الحكومة الاسرائيلية بتنفيذ هذا القرار في العام 2019، ثم قامت برفع المبلغ إلى 100 مليون شيقل شهريا، ليصل حجم الاقتطاعات منذ ذلك الوقت إلى أكثرمن 3 مليارات شيقل قبل أحداث السابع من تشرين الأول.
وأضاف” بعد ذلك قررت الحكومة الاسرائيلية المتطرفة وفي إطار إجراءاتها الانتقامية اقتطاع قرابة 30% إضافية من أموال المقاصة أي قيمة ما تصرفه السلطة الوطنية من رواتب وخدمات في قطاع غزة”، مشيراً إلى أن القيادة رفضت ذلك معتبرة إياه خطوة سياسية اسرائيلية خبيثة تسعى من خلالها إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية الأمر الذي يعني القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل باقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران عام 1967.
وفي المقابل يرى أبوغوش أن الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحكومة في ظل الإجراءات الإسرائيلية تجعلها مكبلة اليدين ويفقدها إمكانية احداث تدخلات ملموسة سواء مباشرة ام غير مباشرة، فهي غير قادرة على خلق فرص عمل من ناحية، ولا تستطيع الايفاء بالتزاماتها لصالح موظفيها من ناحية ثانية، كما لا تلوح في الأفق فرص حقيقية لإقرار مشاريع تشغيلة بالتعاون مع القطاع الخاص الذي يعاني من تداعيات الحرب وأعلنت العديد من شركاته عن خسائر جمة، وهي تترقب حاليا تداعيات هذه الحرب ومآلاتها.
وكان وزير العمل نصري أبوجيش أعلن أن عدة شركات في القطاع الخاص كبرى وصغرى توجهت بطلبات إلى الوزارة في ظل الحرب للسماح لها بإعادة هيكلة الأمر الذي يعني ضمناً تسريع أعداد من الموظفين، وهو أمر رفضته الوزارة، وطلبت من الشركات مبررات منطقية للقيام بتلك الخطوة في الوقت الحالي.
وحذر أبو جيش أصحاب العمل في المنشآت العاملة في الضفة، من تسريح العمال من أماكن عملهم، بحجة إعادة هيكلة أوضاع المنشآت، نتيجة الأضرار التي لحقت بقطاع العمل جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.وأكد أبو جيش رفض الوزارة لهذه الإجراءات، معتبراً إياها غير قانونية، ومؤكداً أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة في حال طال العدوان.
وكانت وزارة الاقتصاد الوطني أعلنت أن 29% من المنشآت الاقتصادية العاملة في الضفة أغلقت بشكل كامل او جزئي خلال شهر تشرين الثاني مع التوقف شبه الكامل للمنشآت في قطاع غزة بسبب تداعيات العدوان الاسرائيلي المستمر منذ 7تشرين الأول الماضي.
وأشارت الوزارة في رصدها إلى أن 94.2% من المنشآت تراجع مبيعاتها / ايراداتها، بمتوسط تراجع وصل إلى 54.6%، مقارنة مع الوضع الطبيعي ما قبل العدوان الاسرائيلي منذ 7 تشيرن الأول، علاوة على تراجع اجمالي عدد العاملين في 41.5% من المنشآت بمتوسط 61.8%.
وأمام هذا الوضع، أطلقت سلطة النقد صندوق “استدامة +” بقيمة 500 مليون شيقل، لتوفير التمويل للقطاعات الاقتصادية المختلفة، بهدف ضخ سيولة في السوق الفلسطيني، ومساعدة المنشآت المتضررة من تبعات الحرب على التعافي والاستدامة في دورتها المالية، بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني.
يعتقد ابوغوش أن كل الظروف الاقتصادية القائمة تحد من قدرة الحكومة على إيجاد فرص عمل بديلة لتلك الشريحة العمالية الواسعة، مشيراً إلى أن الحل الحقيقي يتمثل بإنشاء صندوق تشغيل لتلك الفئة بدعم عربي واسلامي واضح، لكنه استبعد حصول ذلك خاصة أن شبكة الأمان العربية والإسلامية التي اقرتها القمم العربية والإسلامية للسلطة الوطنية والبالغة نحو 100 مليون دولار شهريا لم تر النور، كما أن الحرب لم تضع أوزارها، وعلى الأغلب سيتركز الدعم الخارجي المحتمل في حالة إنهاء العدوان على إغاثة المنكوبين في غزة أولاً، وثانياً على إعادة إعمار القطاع في حالة التوصل إلى اتفاق سياسي دولي بهذا الخصوص.
بدوره، يرى أبو الروس أن قدرة استيعاب العمال داخل الأخضر في السوق المحلية في حالة إغلاق الباب في وجوهم يعد ضرباً من المستحيل، فقدرة السوق المحلية على التشغيل تتراوح بين 3-5 وظيفة سنوياً في الظروف الطبيعية، فكيف الحال في هذه الظروف؟
ويضيف” صحيح ان البطالة في الضفة تتركز في صفوف الخريجين، وصحيح أن السوق المحلية قبل أحداث 7 تشرين الأول كانت تعاني من نقص في الأيدي العاملة الماهرة بسبب جذبها في السوق الاسرائيلية، لكن يظل السوق المحلي محدود الفرص أمام هذا العدد الكبير من العاملين”.
رهان وانتظار
في ظل المعطيات الاقتصادية والسياسية الحالية، يبدو أن الانتظار في موضوع العمال هو سيد الموقف، فلا بديل جدي يلوح في الأفق، مع رهان على أن “اسرائيل” لن تستغني بشكل نهائي عن العمال الفلسطينيين.
يقول د. أبو الروس “استبعد بشكل كبير أن يتم إحلال العمالة الأجنبية أو العمالة الإسرائيلية مكان العمال الفلسطينيين “، مشيراً إلى أنه في السابق حاول الاحتلال اتخاذ خطوات جادة لاستبدال العمال الفلسطينيين، ولكنه لم ينجح نظرا لأن العامل الأجنبي له سلبيات كثيرة، منها أن العامل الأجنبي لم يثبت كفاءته في ميدان العمل كالعامل الفلسطيني، بالإضافة إلى أن “اسرائيل” تضمن بقاء السيولة النقدية داخل نطاقها الاقتصادي في حالة منح أجور للفلسطينيين، بدلا من تصدير عملة أجنبية للخارج إذا ما كان العمال من الأجانب.
هذا الأمر يتفق معه وزير العمل نصري ابوجيش، دون وجود أي خيار بديل في الجيب حتى اللحظة وسط اشتداد الحرب والحصار على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية.
هذا الرهان الفلسطيني ينتظر تطورات المستقبل، فها هو اليمين المتطرف في الحكومة الاسرائيلية ورغم مطالبات رجال الأعمال وأصحاب المنشآت في “اسرائيل” بالسماح بعودة العمال الفلسطينيين إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، بعد تضرر عدة قطاعات بسبب نقص العمالة، يضرب بعرض الحائط تلك المطالب، ويصر حتى وقت إعداد هذه المادة على موقفه المتزمت ليس فقط تجاه العمال، لا بل تجاه كل ما هو فلسطيني على هذه الأرض.
- الاحتلال أعلن الحرب الاقتصادية على شعبنا توازياً مع عدوانه العسكري الواسع
- لا حلول بديلة في المدى المنظور بسبب الأزمة المالية الحكومية و”تجفيف” المساعدات الخارجية وخسائر القطاع الخاص
- حرمان الأسواق المحلية من سيولة نقدية بقيمة 1.4 مليار شيقل يعني تراجعاً حتمياً في ايرادات الخزينة العامة
- 190 مليون دولار إجمالي قروض عمال الخط الأخضر من البنوك العاملة في فلسطين حتى نهاية تشرين الثاني الماضي
- هذه المادة تدريبية ضمن مساق “الصحافة الاستقصائية” لطلبة كلية الإعلام في جامعة القدس المفتوحة.