شفا – نبيل عمرو : يوم هُزمت فتح في الانتخابات التشريعية الثانية، اتصل بي كثير من المعارف والاصدقاء من جميع أنحاء العالم، معبرين عن صدمتهم بما حدث، حتى ان سيدة من الكويت قالت انه سقوط لخط دفاع هام عن الليبرالية والديموقراطية.
كانت صدمة المواطن الفلسطيني العادي كصدمة معظم المواطنين العرب، أقوى وقعا على النفس والروح من شعور الفتحاوي بها، لقد وجه السقوط بقدر ملفت من اللامبالاة، ومع ان حدثا كهذا يكفي لان تعقد فتح مؤتمرا لمعالجته، إلا أنها لم تفعل، وحتى المجلس الثوري المفترض انه المؤتمر المصغر الذي يملك صلاحيات بحث الازمة واتخاذ الاجراءات والترتيبات لتطويقها، أو إيجاد الحلول لها… حتى هذا المجلس لم ينعقد إلا بعد ثمانية أشهر من السقوط، وحين انعقد تحدث في كل شيء إلا في الترتيبات التي يجب اتخاذها للمعالجة.
ومنذ السقوط المروع في الانتخابات التشريعية الثانية، وحتى أيامنا هذه، وفتح تتراجع كما لم تتراجع من قبل، ولقد فرضت عليها اختبارات متعددة وآخرها انتخابات المجالس المحلية، وكانت النتيجة أنها خسرت بصورة ملحوظة في ثلاثة مواقع نوعية ذات دلالة، أولها نابلس وثانيها جنين وأهمها رام الله، أما المناطق أو المواقع التي لم تخسر فيها، فلم يكن لقيادتها الرسمية أي فضل في هذا الفوز، بل انه ينسب لحسن أداء منظمي الاىنتخابات في مناطقهم ونجاحهم في تجميد الصراع الداخلي ولو إلى حين، فكان أن فازت مع ان المنافسين ليسوا الا بعض الفتحاويين الساخطين او ممثلي عائلات لا أكثر ولا اقل.
فماذا فعلت فتح لمعالجة هذه المعضلة الطازجة، هل درستها؟
هل اتخذت إجراءات تنم عن الإفادة من دروسها؟
هل قرأت المعركة بكل تفاصيلها حتى تتفادى أسباب الاخفاق في المحليات للنجاح فيما هو اكبر واهم؟؟
جميع الفتحاويين يقرون بان شيئا كهذا لم يحدث، وان لا اعتراف أساسا بالفشل، وان عبقرية التحليل تجلت في تحميل الاخرين المسؤولية، ولا ندري ما هو مصير قرارات الفصل التي سبقت الانتخابات، والى أي مدى امّنت هذه القرارات انضباطا ضروريا داخل الحركة كي تفوز في المرة القادمة..
كلمة السر .. في الاخفاقات المتواترة، تعرفها فتح بكل عناصرها وكوادرها وقياداتها. تعرفها حق المعرفة، ولكنها لا تحرك ساكنا لمعالجتها .. أنها باختصار.. إدمان الصراع الداخلي فيها .. ومنحه الاولوية على أي صراع مع اي جهة أخرى. الصراع الداخلي في فتح، لا يكتسب سمة ديموقراطية، لأنه اقرب إلى الاقتتال الغرائزي.. ولانه يتم بصورة عشوائية، حيث لا قوانين تنظمه.. ولا ضوابط ترشّد مخرجاته، ولا إطارات فاعلة تحول الصراع الداخلي من اقتتال على المسميات والمواقع والنفوذ .. الى تفاعل آراء واجتهادات تغني الاداء السياسي والقيادي، وتوصله الى مرتبة هي الاقرب الى الكمال.
ولو سألت أي عضو في أي إطار كم أنت راض عن دورك القيادي لقال لك على الفور ‘لا دور لي’. وهذه الكلمة يتحد فيها أكثر من تسع وتسعين بالمائة من أعضاء وكوادر وقيادات فتح .. قد لا يجاهرون بالأمر في الصحافة خشية الاتهام بنشر الغسيل غير النظيف، إلا أن هذا بالضبط هو واقع الحال.
بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال أي على ضفاف الساعة العاشرة صباحا سأتوجه إلى اجتماع للمجلس الاستشاري لحركة فتح وهو الاجتماع الرابع أو الخامس غير الاجتماعات التي نحب تسميتها باجتماعات المتواجدين، ولقد علمت من زملائي أن الوضع الداخلي للحركة سيكون هو الموضوع الأساس في اليوم الثاني للاجتماعات، وان توصية بعقد مؤتمر عام سابع ستصدر عن الاجتماع، وهنا أجد نفسي متأكدا من نتيجة واحدة ملموسة لذلك، وهي أن موسوعة جينيس للأرقام القياسية يمكن أن تخصص ركنا لفتح بعنوان…
‘ آلاف القرارات التي لم تنفذ!!’