متى تتحلى فتح وحماس بالمسؤولية لإنهاء الانقسام؟ بقلم : سليم الزريعي
يبدو أن الولايات المتحدة قد استغلت في هذه اللحظة التاريخية من حرب الإبادة، والسعي الصهيوني لتهجير أهل غزة، التي تعيد إلى الذهن نكبة عام 1948، مستغلة هذا الوضع الفلسطيني الشاذ الذي يمثله الانقسام الفلسطيني، كي تعطي لنفسها حق الوصاية على قطاع غزة وأهله، في غياب موقف فلسطيني موحد ، وكأـن قطاع غزة إقليم قائم بذاته وليس له علاقة عضوية بالضفة الغربية بصفته الجناح الجنوبي في إقليم الدولة الفلسطينية صاحية الولاية الشرعية عليه.
ومن ثم سيبدو مفارقا أي قبول لقيام الولايات المتحدة بهندسة وضع قطاع غزة بمشاركة صهيونية وأوروبية بقرار أحادي خارج ولاية مجلس الأمن الدولي أو سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة بفرض نفسها وصية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو تصرف يمكن توصيفه على أنه أعلى أشكال العدوان، لأنه سلوك عدائي مستفز من دولة هي في الأساس من صناع الكيان الصهيوني وحاميته في مواجهة الحق الفلسطيني.
وقد كثف الرئيس الأمريكي طبيعة هذه العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بقوله في مقطع فيديو عندما كان عضوا في الحزب الديمقراطي عام 1986، من أن “إسرائيل هي أفضل استثمار فعلته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتكلفة 3 مليارات دولار. وأضاف أنه “لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحنا في المنطقة”. وضمن هذه المقاربة تتعامل واشنطن مع القضية الفلسطيني وغزة الآن، في حين أنه يجب أن تدرك واشنطن أن غزة هي جزء من إقليم فلسطين، لا يمكن لأحد أن يمارس الوصاية عليه في وجود أهله الذين يرفضون السياسية الأمريكية كونها صهيونية بامتياز، ومعادية لتطلعات الشعب الفلسطيني ممثلة في حقه في تقرير المصير والعودة.
وليكن معلوما أن الفلسطينيين عندما يقررون التعامل مع بايدن كصهيوني، معاد للشعب الفلسطيني، فإن ذلك يعود إلى أنه هو بنفسه قد كشف عن انتمائه الصهيوني في زيارته الأخيرة لفلسطين المحتلة، عندما قال ” ليس شرطا أن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا” مؤكدا انحيازه الوقح لسياسة الكيان في الضفة وغزة،
وهذا يعني أنه لا يمكن بأي حال الفصل بين الكيان وأمريكا، كون كلاهما عدو، وعلى هذا الأساس يجب فهم والتعامل مع الدور الأمريكي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني مع كيان الاحتلال في جانبه السياسي على الأقل، بأنه لا يمكن لأي طرف فلسطيني أن يكون جزءا من ترتيباتها لغزة ، بما ينزع من يد واشنطن ورقة هندسة وضع القطاع عبر طرف فلسطيني، بما يخدم رؤية كيان الاحتلال لترتيب وضع القطاع، على حساب الحق الفلسطيني في التحرير والعودة، باعتباره حقا أصيلا لا يمكن القفز عنه.
لكن مع ذلك تبقى هذه القراءة في حدود المقاربة النظرية، طالما لا يوجد موقف فلسطيني عملي موحد في مواجهة مشروع تصفية القضية الفلسطينية ، وشرط وجود هذا الموقف الفلسطيني يبدأ بتصويب الوضع الشاذ الذي خلقته حماس بانقلابها في عام 2007 وتشكيل نموذجها السلطوي الخاص، الذي هو في أحد جوانبه سببا في التعامل مع القطاع كإقليم جغرافي لا علاقة له بالضفة الغربية وإنما بصفته إقليما تابعا لحماس وخارج ولاية منظمة التحرير الفلسطينية ولو نظرياـ
وكان الانقسام وسيطرة حماس على القطاع بالعنف المستمرة ، التي كانت قد شجعته ومولته أطراف عربية بضوء أخضر أمريكي صهيوني. حتى عملية طوفان الأقصى، قد أعطى لواشنطن والكيان الصهيوني وغيرها من الدول، في غياب الشرعية الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطيني مهما كان الرأي فيها، من سيطرة حماس على القطاع كسلطة أمر واقع ، الذريعة كي تتصرف واشنطن وكأنه لا وجدود لطرف فلسطيني له الولاية القانونية والواقعية على القطاع في ظل الانقسام الفلسطيني وغياب الثقة التي خلفها الانقسام بين فتح السلطة المعترف بشرعيتها دوليا وعربيا ، وحماس التي تتعامل معها بعض الدول كسلطة أمر واقع في غزة، لكنه لا يمنحها أي شرعية.
وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على العامل الخارجي كمحدد أساس فيما عاني ويعاني منه قطاع غزة، كون من يتحمل المسؤولية هما طرفي الانقسام مع تفاوت المسؤولية بين من فجر التناقض عام2007، ومن كانت تعوزه الإرادة الصادقة في طي صفحة الانقسام التي كان عنوانها المحاصصة، أي التعامل مع الوضع الفلسطيني كغنيمة يجب أن تتقاسمها فتح وحماس، حتى وصل الأمر إلى ما نعيشه الآن، الذي يبدو أن محرقة غزة لم تنجح حتى الآن في جعل الطرفين يتجاوزان تلك الفترة السوداء من الانقسام، بدل أن يكيد كل طرف منهما للأخر بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا من شأنه السماح لقوى الهيمنة الدولية محاولة التعامل مع القطاع من موقع الوصاية لغياب الطرف الفلسطيني الذي يحظى بالثقة والاحترام والمسؤولية، والتعامل مع القضية الوطنية ليس كمشروع حزبي خاص، وإنما كمشروع وطني يقرر مصيره سلما أو حربا ممثلو هذا الوطن، وهو يعني أن يتحملوا معا نتائج خياراتهم وقراراتهم، الذي يبدو أن الطرفين قد فقداها خلال الستة عشر عاما الماضية من الانقسام. لنجد أنفسنا أمام هذا التلاعب بمصير ليس غزة فقط، ولكن بكل المشروع الوطني جراء هذا العبث الأمريكي الصهيوني.
وللأسف جاء عرض إسماعيل هنية في أول نوفمبر عن استعداد حماس الدخول في مسار سياسي من موقعها كسلطة أمر واقع في غزة لتجاوز موقف تلك الدول المعادي لحماس، هي رسالة خاطئة تحمل في ثناياها استعداد حماس الالتفاف على منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبنفس المستوى كان عرض السلطة في رام الله استعدادها للتعاطي مع النوايا الأمريكية ترتيب وضع إدارة غزة كجزء من الحرب على حماس، هي أيضا رسالة خاطئة . تشير إلى أن الطرفين لم يتعلما بعد شرط حل التناقض الداخلي من أجل مواجهة التناقض التناحري الخارجي الذي يستهدفهما معا ومعهما القضية الوطنية الفلسطينية لو كانا يدركان ذلك.
ليكون السؤال ألم يحن الوقت بعد لإزاحة التناقض الفلسطيني الفلسطيني جانبا، من أجل مواجهة مشتركة للتناقض الرئيس على قاعدة أن التناقض الآن هو مع ما يستهدف غزة ؟ ثم ألم يحن الوقت كي تشكل نوايا العدو لغزة والضفة فرصة ليستعيد الطرفين الحس بالمسؤولية الوطنية وتشكيل إطار قيادي شرعي فلسطيني بدعم عربي إسلامي ومن قبل كل قوى الخير في العالم لمواجهة ما يحضر لغزة وأيضا للضفة؟
وفي اعتقادي إن ذلك يحتاج إلى شجاعة تنتصر لدم وأشلاء أطفال غزة ونساءها، ونزيف دم أهل الضفة المشتبكين على مدار الساعة مع جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، من أجل مواجهة مخطط واشنطن والكيان في غزة والضفة. فهل يتحليان بالشجاعة والمسؤولية..لفعل ذلك قبل فوات الأوان؟