إسرائيل استثمار أميركيّ متعثّر ومحرج ومكلف ، بقلم : نبيل عمرو
المفاجأة التي حدثت صبيحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والردّ الإسرائيلي المتسرّع والانفعالي عليها، والفوضى التي ظهرت على مستوى صنّاع السياسات والقرارات في إسرائيل، كلّ ذلك وضع الإدارة الأميركية في موقف صعب وغير محسوب، وذلك في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للإدارة ورئيسها بايدن، الذي يخوض معركة الرئاسة الثانية، وهو أعزل تماماً من إنجازات ذات قيمة، توفّر له فرصة مضمونة للنجاح.
مثلما ارتبكت إسرائيل وتخبّطت، حدث الشيء نفسه بالنسبة للإدارة، التي وجدت نفسها أمام زلزال شرق أوسطي ثار فجأة وأنتج موتاً ودماراً، وقطع مسار أهمّ جهد سياسي تفرّغت له، وهو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
إضافة إلى ظهور احتمالات لتوسّع نطاق الحرب إقليمياً، إمّا بفعل جنوح إسرائيلي نحو ذلك، أو بدخول أطراف أخرى مرجعيّتها إيران وأداتها الأقرب الحزب، وهذا ما لا يلائم أميركا الغارقة في حرب أوكرانيا والتي تعاني من تراجع نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط، وخروج العديد من الكيانات عن ولائها التلقائي، بما في ذلك إسرائيل.
لم يعد في الجعبة الأميركية ما يكفي من حجج ومقولات تستر بها عري موقفها الممالئ لإسرائيل حدّ الشراكة
هيّأت أميركا نفسها لمعالجة الاحتمال الأسوأ، فأرسلت حاملات طائراتها مع يقينها بأنّ الحرب على غزّة فقط لا تتطلّب ذلك، وخصّصت أربعة عشر مليار دولار إضافية، كمساعدات عاجلة، ولا ضمانات لديها بأن يكون كلّ ما فعلته هو آخر ما هو مطلوب منها.
غير أنّ ما اتّخذته أميركا من مواقف في الأيام الأولى التي تلت صدمة “طوفان الأقصى”، يبدو الآن استثماراً متعثّراً، نظراً لثقل الأعباء التي فُرضت عليها بفعل الحرب التي أوشكت على إكمال شهرها الأول من دون نتائج حاسمة، ونظراً لما أفرزته الحرب الجنونية التي تخوضها إسرائيل من تشوّهات غلّفت صورة الدولة العظمى ووضعتها في مأزق أخلاقي وقيميّ، بحيث ظهرت أمام العالم شريكةً في قتل عشرة آلاف فلسطيني وجرح ضعفهم، وكلّهم من الأطفال والنساء والمدنيين، وما زاد الطين بلّة أنّ هذه الحرب ستطول أكثر بكثير من كلّ الحروب السابقة، واحتمالات اتّساعها بصور مختلفة تتزايد حتى لو بدا أنّها حاليّاً محصورة في أضيق نطاق.
إنّ تعثّر الحرب البرّية سجّل تعثّراً فادحاً للاستثمار الأميركي، وهو ما دفع الإدارة إلى إرسال بلينكن للمراجعة، ودفع الرئيس بايدن إلى إدخال تعديلات على موقفه بشأن وقف إطلاق النار المؤقّت، وتدفّق المساعدات، وانتقاده المبطّن للإفراط في استخدام القوّة، خصوصاً عندما تزامنت أحداث حرب غزّة الكبرى مع حرب على الضفّة الغربية، وهذا ما أحرج الإدارة التي انتقدت وإن بغير فاعلية العمليات التنكيلية المشتركة بين الجيش والمستوطنين، بل إنّها حثّت الحكومة الإسرائيلية على وقفها، كما تحفّظت الإدارة على استيلاء إسرائيل على أموال المقاصّة الفلسطينية، التي من شأنها إضعاف السلطة التي هي استثمار أميركي فوق ضعفها الأساسي.
لم يعد في الجعبة الأميركية ما يكفي من حجج ومقولات تستر بها عري موقفها الممالئ لإسرائيل حدّ الشراكة، وما يحرج أميركا أنّ إسرائيل التي فُتحت الخزائن لها، ووُضعت تحت تصرّفها، لا تساعد الإدارة على الأقلّ في تحسين صورتها.
إنّها حقّاً حرب محرجة، في الزمن الذي دخلت فيه فظائعها إلى كلّ بيت في أميركا والعالم، وهو ما جعل حكاية حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بضاعة لا يمكن لأحد أن يشتريها، وهي كذلك حرب متصاعدة الكلفة، بما أنّ إسرائيل تخسر ما يزيد على مليار ونصف مليار شاقل كلّ يوم، فالتعويض سيكون من أميركا التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية، ولهذا وصل بلينكن الذي كان ورئيسه أوّل الحرب شركاء وقادة ميدانيين، وها هو يصل وعلى لسانه عبارات التأييد والدعم، وفي جعبته تحذيرات وتحفّظات.