حرب عالمية على قطاع غزة ، بقلم : تمارا حداد
ما زال المشهد في قطاع غزة مُعقد الى درجة ان ايجاد حُلول في الوقت الحالي غير قائم نظراً لان اسرائيل مُصممة على تحقيق الاهداف الامنية والعسكرية مُتمثلة في القضاء على القدرة العسكرية والقيادية والحكومية لحركة “حماس” وتقليل الكثافة السكانية لقطاع غزة من خلال اطالة الحرب لإستنزاف المقاومة من خلال استمرار القصف الجوي والحصار وتعميق الازمة الانسانية للضغط على “حماس” لتقديم تنازلات وفك الرهائن الاسرائيليين دون شروط.
وان فكت المقاومة الرهائن لا يعني ان اسرائيل ستُوقف اطلاق النار فهي تستغل عملية “طوفان الاقصى” لانهاء المُؤرق الوحيد لامنها القومي في الحديقة الجنوبية متمثلاً بقطاع غزة حيث حسمت موقفها النهائي في التغيير الجغرافي والديمغرافي للقطاع، اذ ان الاستمرار في القصف الجوي هو لاستكمال تطهير شمال القطاع من المقاوميين والمدنيين ومن ثم “التوغل المبدئي” في منطقة الشمال واقامة منطقة امنية يتولى أمرها الجيش الاسرائيلي، الذي لن يقف عند هذا الحد وانما سيستكمل تفريغ السكان قدر الامكان من المحافظات الوسطى حتى انتقالهم الى المحافظات الجنوبية والضغط على المدنيين اما ان يختاروا بين ثلاثة خيارات احدها تخفيف وطأة القصف الجوي او الموت البطيء لنقص الغذاء والمياه واما التهجير قسراً بعد فتح فجوة بين القطاع والعريش الى سيناء.
ان معركة القطاع ليست بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية وانما حرب بين القطاع والدول الامبريالية التي تريد انهاء الوجود الفلسطيني من القطاع لاجل السيطرة الكلية على غاز غزة قُبالة سواحل القطاع وتنفيذ المشاريع المالية والاقتصادية.
بعد هذا التصميم من قبل اسرائيل على القضاء على “حماس” السؤال الذي يطرح نفسه هل سيتم انقاذها من قبل محور المقاومة ؟
في عالم السياسة فإن اطراف القوى لكل منها حساباتها ومصالحها وخطوطها الحمراء بمعنى ان حزب الله حتى اللحظة بعد تدمير القطاع لم يدخل الحرب لانقاذ المدنيين الذين جُلهم من الاطفال والنساء .وما زالت الحرب بين حزب الله واسرائيل ضمن البقعة الحدودية بمعنى ان الضربات التي تحدث هي عبارة عن مُشاغلة لاسرائيل عما تقوم به في القطاع وهذه المشاغلة لم تمس الخطوط الحمراء لكلا الطرفين بمعنى ان اسرائيل لم تضرب العمق اللبناني وايضاً حزب الله لم يضرب العمق الاسرائيلي. وهذه المشاغلة تأتي في سياق “تسجيل مواقف” لكسب ماء الوجه وليس انقاذاً للمقاومة في قطاع غزة، وكما ايران كذلك لديها حساباتها ومصالحها فهي لن تحرق جميع اوراقها في معركة تعرف مخاطرها في منطقة الشرق الاوسط حيث ان اشتعال حرب اقليمية بين اسرائيل وايران واميركا هذا يعني استمرارية الحرب لأكثر من خمس سنوات واعادة منطقة الشرق الاوسط الى خمسين عاماً الى الوراء، لذا فإن عملية دخول ايران وحزب الله والحوثيين وحزب الله السوري والحشد الشعبي العراقي ما زالوا ضمن التحرك الاستباقي الحذر لم يصل الى الضربة الاستباقية وهذا مُرتهن حسب التطورات التي تحصل في المنظومة الامنية الاسرائيلية -الاميركية.
قد تكون مرحلة الاجتياج البري قائمة، رغم ان هذا الخيار تم اتخاذه سياسياً وامنياً من قبل اسرائيل لكن يتم تأجيل ذلك نظرا لواقع التحديات التي ستُواجه الجيش من خسائر مادية وبشرية . وهم يعلمون تماماً ان “حماس” تسعى لاستدراجهم نحو الدخول البري ومن ثم تفعيل سياسية المفاجآت وتفعيل الكمائن والاطباق على الدبابات وتفجيرها بقذائف “الياسين” لذا تقوم اسرائيل حاليا ضمن المراحل التمهيدية من خلال القصف الجوي وبعدها عبر التوغل المُتدرج نحو القطاع واذا حدث هذا التوغل سيكون هذا اختبار لمحور المقاومة بعملية تدخلها في انقاذ “حماس”. فاذا لم يتدخلوا فهذا يعني خسارة المحور معنوياً وشعبياً.
ان الضحية الكُبرى في سياق ما يحدث هم المدنيون الفلسطينيون الذين جُلهم اطفال ونساء لا دخل لهم باي واقع سياسي. وذنبهم الوحيد انهم سكان القطاع الذي اصبح منطقة منكوبة بكل المعايير . وقد تكون كلمة منكوبة بسيطة لما يحدث من جرائم ابادة جماعية وعقاب جماعي مقصود.
في هذا الاطار فإن تشجيع اميركا على استمرار تنفيذ الاهداف بحاجة لمواجهة بحيث يصبح الخيار الوحيد امام الفلسطينيين لمنع تطور الامور لصالح اسرائيل وحسم النزاع هو الصمود في القطاع لعرقلة محاولات تصفية القضية الفلسطينية، لذا فان قمة القاهرة الاقليمية والدولية التي ستُعقد اليوم السبت تأتي في الوقت المناسب امام المنعطفات التي تواجه القضية الفلسطينية . فالقمة مهمة لتكون خارطة طريق ووضع النقاط على الحروف لايجاد حل جذري يحمل أفقاً سياسية وطنية وانسانية قبل تحول المعركة من معركة محدودة الجغرافيا الى معركة ذات الحدود المتعددة الجغرافية ووقوعها يعني اثاراً مُدمرة لأمد بعيد.
ان الموقف المصري كان فعالاً وحيوياً فيما يتعلق بقطاع غزة ليقينه التام ان هجرة فلسطيني واحد يعني القضاء على القضية الفلسطينية وانهاء الدولة الفلسطينية فعلى الشعب ان يبقى على ارضه بدل الذهاب الى سيناء. وان يذهب الى ارض النقب وهي فلسطينية بحته فهي ارض استولت عليها اسرائيل والشعب الفلسطيني فعليا عليه ان يُحرر ارضه، فاذا نجح المُخطط الخبيث في التهجير فالصورة المستقبلية ستكون في الضفة الغربية وتهجير السكان الى الاردن لذا كان الموقف الاردني ايضا صلباً في هذا السياق من خلال اقوال الملك الاردني واشارته الى ان هجرة الفلسطينيين خط أحمر فبدل التهجير وتأزيم الموقف العربي يجب ايجاد حل سياسي وهو الاسلم في هذه المرحلة الخطرة التي تتداخل فيها حسابات الدول العظمى والمُتنافسة فعلياً على منطقة الشرق الاوسط ودوماً الخاسر الاكبر والضحية لتلك الحسابات الاقليمية والدولية هو المدني الفلسطيني الاعزل الذي اصبح بين ناري القتل او الموت البطيء.