حتى لا نفجر ذاتنا ووحدتنا الوطنية المقدسة بحزام “الفتنة” الناسف! بقلم : موفق مطر
اعتقادنا الثابت أن الوحدة الوطنية الفلسطينية تزداد تألقا بصلابتها وتماسكها، كلما كانت الشدائد أشد وأفظع فتكا بأرواح الأبرياء، وكلما أدركنا أبعاد وأهداف المؤامرات المخطوطة بإتقان من جبهة منظومة الاحتلال والإرهاب والاستعمار العنصرية ورديفتها الكبرى جبهة أعداء الشعب الفلسطيني الاستعمارية، لكن هذا الاعتقاد الراسخ لا يمنعنا من الإشارة الى مكامن الاختراقات الخطيرة التي قد تؤدي لانهيارها بأسرع مما نتوقع، ذلك أن منظومة الاحتلال على يقين أن الانتصار على الشعب الفلسطيني أو إخضاعه على الأقل لن يحدث بالأسلحة الفتاكة والمدمرة، أو بالمجازر والمذابح، وإنما باستهداف أساسات الانتماء الوطني، بسلاح الفتنة المدمر للعقل الفردي والجمعي، وتجميد فعالية حواسه، وتحديدا الحاسة السادسة في أضيق نطاق انفعالي، لا ينتج إلا فوضى وانفلاتا أمنيا ينخر بركائز العلاقة الانسانية بين المواطن الفلسطيني وأخيه باعتبارها جذورا طبيعية بسماتها التاريخية والثقافية التي أنتجت الكيانية السياسية، فهذه العلاقة الراسخة كرسوخ الجبال في الأرض، ليست كجسور العلاقات السياسية بأشكالها ومضامينها المتعددة، القائمة على فكرة الانشاء والصناعة القابلة للتغيير والتجديد، على عكس العلاقة الطبيعية التي تعتبر مقدسة، بالنسبة للوطني الحر المستقل بمرجعياته الفكرية والنظرية وقراره، واطروحاته وخططه وبرامجه.
الوحدة الوطنية لدى شعبنا الفلسطيني، أو لدى أي شعب في العالم ليست شعارا يشهر اليوم، ويطوى غدا، ليست نظرية حزبية سياسية، لأنها لو كانت كذلك لكانت معظم شعوب ودول العالم قد انفرط عقدها مع الوطن، وباتت مجرد مجموعات بشرية هائمة على وجوهها، إنها سر وجودنا المرتبط جذريا بكل تفاصيله مع وجود الكون، ونزيد على ذلك وجودنا المقدس المستمد من خالق الكون، كما الوجود المقدس لكل الشعوب في الدنيا.
الوحدة الوطنية هي الهواء والماء والغذاء اللازم لحياة إنسانيتنا وديمومتها على أرض وطننا المقدسة، هي الروح للجسد (الوطن) الواحد، والشعب الواحد، وإرادته التي سميت في قواميس الشعوب الحضارية بالقانون والنظام، هي الجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، هي الدماء اللازمة لشرايين وأوردة قلوبنا، التي إذا صار قطعها بسكاكين الحماقة والعبث والفوضى عادة، سنسقط، حينها لن نقوى على النهوض من جديد، أما من أراد فعلا تجسيد الأسطورة حقيقة واقعة، ان يكون الشعب الفلسطيني كالعنقاء يخرج حيا من بين الجمر والرماد، عليه أولا تطهير مراجعه وأدبياته من نار بلا نور، تطلقها ألسنة، وتبعثرها كفوف سوداء.!
الوحدة الوطنية عقلانية حتى بلوغ الحكمة، وعمل صالح كما في شرائع السماء، وكما أمر رب الناس في كتبه المقدسة، لا يحق لأي كان ركوب صهوة الحق الطبيعي، كالحرية والتعبير عن الرأي وشرائع الحريات كوسيلة – لإطلاق سهامه السامة على بصائر رسلها، أو لنحرها بسيف جهله، أو إحراقها بنار انفعالاته، لأنه بعد لحظات سيجد نفسه مطوقا بالشر المطلق، وبالمحتل العنصري والمستوطن الإرهابي، وسيدرك ما فعل ولكن بعد فوات الأوان!، فلا أخ أو شقيق سيسمع استغاثته، لأنه بكل بساطة قرر وهو في حمأة اغتيال عقله وبصيرته بيديه، قد اغتال ذاته عندما فجرها كحزام ناسف في صدر الوطن.