كيف تكون قائداً لقادة : تحديات القيادة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال
تعتبر القيادة صفة من صفات النشاط الجماعي، وهي عملية يتم بها توجيه وإلهام الآخرين لتحقيق أهداف ورؤية مشتركة، والفرد القائد هو الشخص الذي يتخذ دورا مرشدا وموجها ويؤثر بشكل إيجابي على الآخرين، لتحقيق النجاح والتطور في مجموعة معينة أو في سياق معين.
لقد أصبح مفهوم القيادة من أكثر المفاهيم شيوعا في المؤسسات الحديثة بما فيها المؤسسات التربوية، وعلى الرغم من ذلك لدى العديد من الباحثين والدارسين خلط بين كل من مفهومي الإدارة والقيادة، فهما مفهومان يختلفان عن بعضهما اختلافا جوهريا فالقائد يمكن أن يكون مديرا فعالاً، ولكن ليس بالضرورة أن يكون المدير قائداً، ولعل هذا ما يفسر حاجة المؤسسات إلى قادة وليس إلى إداريين، وهو ما يؤكده الأخرس (2006) “بأن دور القائد الإداري في المؤسسات الحديثة هو إعادة تشكيل العاملين في المؤسسة وتحفيزهم للعمل، وتبصيرهم بأهداف ورسالة المؤسسة، ومن مسؤولياته تدريب العاملين، وتنميتهم، وتطوير كفاءتهم التي تمكنهم من الاضطلاع بأدوارهم، ووظائفهم بكفاءة وفعالية واقتدار”.
ويرى العديد من الباحثين أن القيادة ليست مقتصرة على الأفراد الذين يشغلون مناصب عليا في المؤسسات المختلفة، بل يمكن أن تمارس من قبل أي شخص في أي موقف وضمن أي مجموعة، حيث تُظهر القيادة نفسها في الأسرة، والمجتمع، والمدرسة، وأماكن العمل، وفي السياقات الحياتية المختلفة، ويرى البعض أن للفرد القائد سمات عديدة لا بد من امتلاكها، وتأتي السمات الشخصية في مقدمتها (مع عدم إغفال أن القيادة علم بحد ذاته يمكن التدريب عليه)، ولكن الاستعداد الفطري للقيادة عنصر هام أيضاً، فنحن نرى أطفالا في سنيهم الأولى ما قبل المدرسة، أو في الصفوف الأساسية تبرز لديهم ملامح القيادة بين زملاءهم، فيكون لهم الأثر القوي على المجموعة، ونرى قادة القبائل والعشائر قديماً وحديثاً كيف يربون أبناءهم على سمات القيادة، بحيث يحافظون على القيادة لقبيلة ما رغم أن عدداً منهم لم يلتحق بجامعة لتعلم مبادئ القيادة.
ما أستوقفني لكتابة هذا المقال مقولة قرأتها لأحد المفكرين في مجال القيادة يقول فيها “إن وظيفة القيادة هي إنتاج المزيد من القادة، وليس المزيد من الأتباع”، إذا تمعنا النظر فيها نرى أنها مقولة عظيمة، وتعتبر قاعدة لسياسة عامة، وسياسة تربوية لبناء مجتمع مدني ومجتمع تربوي يعنى ببناء القيادات، وليس فرض القرارات والقوانين والطلب من الآخرين تنفيذها، كما أنها مهمة جدا في عصر نحن أحوج فيه لكل فكرة إبداعية تخرج من أي فرد، واستثمارها لفرض ميزة تنافسية لأي مؤسسة، فكيف بنا إذا كنا نتحدث عن مؤسساتنا التعليمية. فالقيادة بهذه الصورة هي فن يكتسب وينمى، ويمارس بدرجات مختلفة من قبل أي شخص مؤهل، لتحقيق غاية أو تنفيذ مهمة معينة، وباستطاعة أي شخص أن يكتسب فن القيادة وينميها بدرجات، إذا وجه بصورة صحيحة، وكان يتمتع بالإمكانات العقلية والبدنية الضرورية، وبذلك تتأثر مقدرة الفرد على القيادة برغبته في الدراسة والتمرين والتطبيق لأساليب القيادات الصحيحة. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة للعديد من القضايا التي تجعل القائد قادراً على أن يكون قائداً لقادة آخرين، وهي سمات أو صفات أو قد نسميها سلوكيات لا بد له من امتلاكها ومنها:
- القدرة على التكيف مع فريق العمل، وأن يدرك القائد أن كل شخص يتعلم بطريقة مختلفة، وبوتيرة مختلفة، وليس مطلوباً من أي عضو في الفريق أن يقوم بالعمل بالطريقة التي كان يقوم بها القائد نفسه قبل أن يصبح قائداً، وبالتالي الاستفادة من أفكارهم وأساليبهم والحرص على عدم بناء نسخ مكررة عنه.
- إقناع فريق العمل من خلال الأفعال والسلوكيات بالسبب الذي جعله يستحق أن يكون قائداً للفريق، وليس فرض نفسه بحكم قوة سلطة القيادة، وهذا ما سيولد الثقة بينه وبين فريقه ويقتنعون به كقائد، ويتأثرون بفكره، ويساهمون معه في بناء وتنفيذ رؤية المؤسسة.
- تفويض المهمات للآخرين، فالقائد الحاذق لا يخاف أبدا من التفويض ويكون لديه الإدراك القوي بأنه ليس بالإنسان الخارق القادر على كل المهمات، فالقائد بشر وله قدرات وطاقات، ولذلك عليه استكشاف مواطن القوة فيمن يعملون معه، ويفوض المهام لهم وفقا لما لديهم من نقاط قوة، وهذا بالتأكيد سينعكس على عمل المؤسسة بشكل كامل، ويسهم في تعزيز التنوع والشمولية ضمن مجموعات العمل.
- إلهام أعضاء الفريق، فليس من الصعب على قائد حقيقي إلهام شخص آخر وتوجيهه باتجاه إيجابي، وهناك مقولة تقول “عندما تبذل مجهودا في إلهام الجيل القادم فإنك بذلك تكون قد أنفقت وقتك بحكمة”، وهذا واقع فالأصل دوما استمرار حلقة الإلهام لتبقى منتجة ومتجددة وتسعى للتميز. وحتى يكون القائد ملهماً لا بد وأن يدرك أن أي عضو في الفريق يحتاج لأن يشعر بأنه إنسان مهم ووجوده ضروري ضمن الفريق.
- القدرة على استكشاف سمات القيادة لدى أعضاء فريقه، واستثمار إمكاناتهم وإتاحة الفرصة لهم على الظهور فالقائد الواثق هو من لا يخشى وجود قادة حوله في فريقه.
- إدارة النزاعات: فالقادة الجيدون يلعبون دورًا مهمًا في حل النزاعات بين الأفراد وتحفيز التعاون والتفاهم بينهم.
- الثبات والاستقرار: القادة يمكنهم توفير الاستقرار في الظروف الصعبة والتحديات، والمساهمة في بناء الثقة والأمان في الفريق، فالقادة الذين يعملون بنزاهة وأمانة يمكنهم بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات.
- التحفيز العاطفي: القادة يمكنهم تحفيز الآخرين عاطفيًا ونفسيًا، مما يساعد على التغلب على التحديات والصعوبات.
وخلاصة القول، تأثير القائد على الآخرين يمتد إلى مجموعة متنوعة من الجوانب الشخصية والمهنية والعاطفية، القادة الفعّالين يمكن أن يساهموا في تطوير وتحسين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات التي يديرونها، ويكون لديهم المقدرة الدائمة على الاستعداد لسنوات قادمة بإعداد قادة للمستقبل تستلم المسؤوليات بعدهم، وبالتالي القيادة الفعّالة تتطلب فهمًا عميقًا للمعرفة القيادية، ومهارات فنية في التواصل والإدارة، وأخلاقية قوية تشكل أساس القرارات والتصرفات. تجمع هذه العناصر معًا لتشكيل نمط قيادي فعال يمكن أن يؤثر إيجابيًا على الأفراد والمجتمعات.