شفا – تفتتح مدينة “كونمينغ” عاصمة مقاطعة “يوننان” جنوب غربي الصين، صباحها أيام السنة كافة بباعة الزهور الذين ينتشرون في الطرقات محملين بالألوان والروائح الزكية.
في مشهد عالي الجمال مع بداية كل صباح، وقبل أن ترحل عتمة الفجر كاملةً، تشهد “كونمينغ” حركة كثيفة للدراجات النارية وعربات النقل الصغيرة – من ثلاث عجلات- التي تدور عجلاتها ناقلة الزهور من السوق وإليه في جنوب المدينة، هناك، يحتشد آلاف الباعة، وعشرات آلاف المتبضعين منذ السادسة صباحا وحتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل.
ولشدة تعلق المدينة التي تعتبر مصدراً رئيساً لزراعة وإنتاج الزهور في الصين بزهورها، صُممت أعمدة الإنارة على شكل ورود، في شكل جمالي لافت، تبدو فيه المدينة عندما تحل ساعات المساء مضاءة بزهورها.
ما إن يطلع النهار أكثر حتى تتحول شوارع المدينة إلى زهور تعبر الشوارع الرئيسة والفرعية، ألوان وروائح تنتشر في معظم الأرجاء، وفي ساعات المساء، تسيطر عربات الزهور المتنقلة على الشوارع خاصة المحيطة بسوق الزهور.
وعلى مقربة من السوق، تجلس صبايا وعجائز ورجال في محال صغيرة لتنسيق الزهور، أو حتى على الأرصفة، تمتد أمامهم أنواع الزهور التي يحولونها إلى باقات ورد.
تتقاطر الزهور إلى السوق من جبال كونمينغ وبساتينها، ناثرة روائحها الزكية وألوانها المتفتحة، عبر شوارع المدينة، ليتم تداولها بين الباعة والمشترين، أو تجهيزها للتسويق الداخلي والخارجي، فتنقل جواً إلى الدول الحدودية وأبعد، ناقلة إرث مدينة التصقت بها ألقاب مبهجة: “مدينة الربيع” و”عاصمة الزهور”.
يبدو السوق مكتظا في ساعات المساء، وهي ساعات الذروة، إلى درجة أن دخوله أو الخروج منه، مشياً على الأقدام أو في مركبة، صعب. فالأزمة التي يخلّفها الإقبال الشديد على الزهور تحتاج إلى سوق إضافي وربما سوقين اثنين، لاستيعاب الحشود البشرية التي تتوافد على المكان والتي تقدر يوميا بأكثر من عشرة آلاف، وهو العدد الذي لا يحتمله المكان على وسعه، إلى درجة استسلام شرطي المرور على مدخله من تنظيم السير، نظراً إلى كثافة المتجولين والداخلين بمركباتهم ودراجاتهم وعرباتهم. في المساء قريبا من سوق الزهور، يأتيك شعور بأن المدينة بأكملها تعمل في تجارة الزهور.
في كل مجمع تجاري، تباع زهور كونمينغ ومقاطعة يوننان، حتى المحال المتوسطة والصغيرة، غالبيتها تحوي زهوراً معدة للبيع، وفي سوق مطار كونمينغ، محال بيع الزهور تتفوق على أي تجارة أخرى. حيث يبدو المطار كسوق صغير للزهور.
ووصل عدد الزهور المقطوفة في العام 2021 إلى أكثر من 16 مليار وردة، وتجاوز اجمالي انتاج الزهور في يوننان 100 مليار يوان.
فيما صدّرت كونمينغ 11 مليار وردة في العام 2022 إلى دول اليابان، وكوريا، وسنغافورة، وتايلاند، وأستراليا، ومعظم دول جنوب، وشرق آسيا، 11 مليار وردة.
فيما وصل عدد الورود التي صدرت للخارج خلال العام الجاري إلى 12 مليار وردة.
تُصدَّر زهور كونمينغ إلى أكثر من 80 مدينة في الصين، وأكثر من 46 دولة حول العالم، وسبعة من كل عشرة زهور تُقطف في الصين مصدرها مقاطعة “يوننان”.
كما أنه يُزرع في كونمينغ ويوننان أكثر من 1600 نوع من الزهور، وهو ما منحها لقب “قاعدة الزهور في الصين”، وأكبر سوق للزهور المقطوفة في آسيا.
الزهور في كونمينغ لا تذبل، بل هي متفتحة طوال العام، بفضل جوها الربيعي، وهوائها النقي، وشمسها المشرقة معظم الأوقات.
تقع كونمينغ التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 8 ملايين ونصف المليون –إحصائية 2020-، في وسط هضبة يوننان- قويتشو بجنوب غربي الصين، على مساحة أكثر من 21 ألف كيلومتر، وهي عاصمة مقاطعة يوننان، وبوابة الصين إلى جنوب شرقي آسيا وجنوبي آسيا، وإحدى المدن الرئيسة غرب الصين.
منذ “طريق الحرير الجنوبي” قبل ألفي سنة حتى مبادرة “الحزام والطريق” حاليا، تعتبر كونمينغ شريانا بريا للتبادلات الاقتصادية والسياسية بين الصين ودول شرقي وجنوبي آسيا. وهي محاطة بثلاثة جبال، ومطلة على بحيرة ديناتشي، لترسم حدودها الجغرافية مشهدا طبيعيا خلابا، متوجةً بغطاء نباتي كثيف يعطي المدينة خضرة طوال العام، إضافة إلى ألوان زهورها المبهجة، وأمطارها الموسمية الخفيفة والمتوسطة التي ترطب جوها وتمنحها طقساً خريفياً خرافياً.
ولأهمية المدينة تاريخيا وثقافيا واقتصاديا، أنشئ متحف السكك الحديدية في مقاطعة يوننان في قاعة انتظار الركاب لمحطة كونمينغ الشمالية للسكك الحديدية.
يعرض المتحف تاريخ تطور السكك الحديدية في كونمينغ، خاصة آثار السكة الضيقة التي يبلغ عرضها مترا واحدا فقط. خط السكة من كونمينغ إلى هانوي بفيتنام هو أقدم خط سكة حديدية ضيقة، وله قيمة تاريخية وثقافية كبيرة.
تبلغ مساحة المتحف 3176 مترا مربعا، ويبلغ عدد مقتنياته تسعة آلاف وخمسمئة قطعة، كلها ذات قيمة معرفية تاريخية، مثل الصور والوثائق القديمة لخط كونمينغ- هانوي الحديدي، والوثائق القديمة.
هذا المتحف يعد المتحف الوحيد لتطور السكك الحديدية المحلية في الصين.