أخرجوا الألوان من قفص الاتهام، بقلم : زبيدة صبحي سلمان
أيام قبيل حلول العام الدراسي، اصطحبت أم رامي ولدها ابن الخمس سنوات إلى المكتبة ليختار حقيبة الروضة ،فهي تؤمن أن إعطاء ابنها دوره في اختيار احتياجاته منذ صغره سيعمل على تنمية شخصيته واستقلاليته مستقبلا. دخلا المكتبة وتاهت عينا رامي بين الرفوف ، فألوان الحقائب رائعة وجذابة ، كلها جميلة إلا أن رامي وبعد تردد كبير اختار حقيبة عليها رسمة حصان وفوق الحصان شعاع من الطيف الضوئي بألوانه الزاهية والجميلة فهو دائما يلعب بفقاعات الصابون ليرى الوان الطيف تتلألأ فيها.
وفي يومه الأول، حمل رامي حقيبته فرحا بها وبما فيها، وبعد استقبال الأطفال من قبل المربية طلبت منهم الجلوس على الكراسي وأردفت قائلة: من يسمع اسمه يأتي إلي حاملا حقيبته لأني سأضع عليها لاصقا يحمل اسم كل منكم، وحين سمع رامي اسمه جاء بحقيبته بكل فخر فهي بعينيه أجمل حقيبة وما أن وضعها بين يدي المربية إلا بشهقة منها أوقفت شعر رأسه المترسل على جبينه. لم يفهم رامي سبب هذه الشهقة وكاد يغمى عليه من الخوف الا أن صوت المربية وهي تقول له قول لماما هذه الحقيبة ممنوعة أشعره بالإحباط والحزن غير المفهوم.
هل أذنب رامي؟ أم هو ذنب العالم الفيزيائي إسحاق نيوتن حين بدأ بسلسلة من التجارب مع ضوء الشمس والمنشور الثلاثي، حيث أظهرت تجاربه أن الضوء الأبيض الصافي يتكون من سبعة ألوان مرئية رئيسية يطلق عليها ألوان الطيف الضوئي. أم هو ذنب الجهل الذي ساوى بين الحق والباطل فكلاهما براق وجذاب وله أنصاره وأتباعه.
آن الأوان أن نبتعد عن الموضة وعن استيراد كل كبيرة وصغيرة، أن نقف قليلا ونستخدم المنطق خاصة في ردود أفعالنا، ألا نأخذ الأمور كما تقدم لنا، بل كما يجب أن تكون، علينا أن نفكر ونتفكر وننقل الحصاد الجيد الى أبنائنا حتى ينهضوا بالمجتمع.
نحن لسنا ملزمون بالسير مع التيار ومسخ طعم الألوان، ولسنا ملزمون بتحويل ألوان قزح إلى رمز للمثلية فهذا اقحام غير مرحب فيه لرمزية الألوان، فهل يعقل أن تكون كل الألوان هي رمز المثلية ونحرم من التمتع بها؟
نحن عادة نميل إلى التفكير في الألوان على أنها لغة عالمية، إلا أن الأمر ليس كذلك دائمًا. لا يتم تفسير الألوان دائمًا بنفس الطريقة، أحيانا يمثل اللون الأبيض النقاء والبراءة والبساطة. وأحيانا أخرى، فإنه يقترن بالموت، والبعض يحب الأبيض وآخرون يمقتونه، وما ينطبق على الأبيض ينطبق على جميع الألوان. علينا الابتعاد عن الفلسفة الجدلية حول الألوان وكيفية فهمها وتفسيرها وربطها بما لا يناسبها هناك مغالطة شائعة في التركيز على الكماليات ووضع الأساس جانبا. فالمثلية في ثقافتنا الإسلامية ليست حرية شخصية ولا هي خيار فنحن لا نختلق المعايير بأنفسنا، والحال ذاته في الثقافة المسيحية فالمثلية هي خطيئة وضد الخطة الإلهية، فنحن نعلم أن الله العليم والحكيم يشرع لنا ما هو الأفضل لنا في الدنيا والآخرة، حتى وإن لم ندرك ذلك فعلمه عز وجل محيط بعلمنا. إن دورنا هو تربية وتوجيه أبنائنا ضمن سياق ثقافتنا ومبادئنا وتوعيته بما يمكن أن يكون مضللاً ومتسببًا في تعزيز المفاهيم الخاطئة البعيدة كل البعد عن أخلاقنا.
في النهاية، الألوان ليست مجرمة ولا يجب وضعها في قفص الاتهام. هي جزء من جمال الطبيعة والعالم من حولنا، وهي هبة من الخالق اصطفاها لتضيف للطبيعة والكائنات الحية وكل شيء من حولنا جمالًا فريدًا وتنوعًا.