شفا – قال رئيس جمهورية كوبا، ميغيل دياز – كانيل بيرموديز في الجلسة الافتتاحية لقمة رؤساء دول وحكومات “مجموعة الـ 77 والصين”، إن كوبا محاصرة بكل ما للكلمة من معنى منذ ستة عقود ومُحاطة بكل الصعوبات المنبثقة عن هذا الحصار الذي تم تشديده في الوقت الراهن.
وأضاف الرئيس الكوبي أن التحديات العملاقة تأتي بسبب النظام الدولي الجائر القائم، ومنذ نحو ستين سنة اتّحدت الصعوبات على كوبا وغيرها من الدول، وهو ما دفع لميلاد مجموعة السبعة وسبعون والصين.
وتابع: “إن شعوب الجنوب هي الأكثر معاناة للفقر والجوع والبؤس والموت من أمراض قابلة للعلاج والأمية والنزوح البشري وغيرها من عواقب التخلف. كثير من بلداننا تسمّى اليوم بلداناً فقيرة مع أنه يجب أن تعتبر في الواقع بلداناً مُفقَرة. ولا بدّ من قلب هذا الوضع الذي أغرقونا فيه قروناً من التبعية الاستعمارية والنيوكولونيالية، لأنه ليس بأمر عادل ولأن الجنوب لم يعد يحتمل وزر كل المصائب”.
وفيما يلي النص الكامل لخطاب رئيس جمهورية كوبا، ميغيل دياز-كانيل بيرموديز:
الخطاب الذي ألقاه رئيس جمهورية كوبا، ميغيل دياز-كانيل بيرموديز، في الجلسة الافتتاحية لقمة رؤساء دول وحكومات “مجموعة الـ 77 والصين” حول التحديات الراهنة التي تواجه التنمية: دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار. هافانا، 15 أيلول/سبتمبر 2023.
أصحاب السعادة،
حضرات المندوبين والمدعوّين الكرام؛
أهلاً وسهلاً بكم جميعاً في كوبا، أرض خوسيه مارتيه، الذي ندين له بالفكرة الرائعة التي تقول بأن “الوطن إنسانية”.
نشكركم على تلبية الدعوة التي تجمعنا اليوم في الدفاع عن مستقبل الأغلبيات الواسعة التي تكوّن صلب هذا المفهوم العظيم والموحِّد: الإنسانية.
كما أعلن وزير العلاقات الخارجية الكوبي في وقت سابق، فإن هذه القمة هي قمة متقشّفة ونرجو أن تعذرونا على ما يُمكن أن تواجهونه من احتياجات مفقودة. فكوبا محاصرة بكل ما للكلمة من معنى منذ ستة عقود ومُحاطة بكل الصعوبات المنبثقة عن هذا الحصار الذي تم تشديده في الوقت الراهن.
ونحن نواجه أيضاً، بطبيعة الحال، التحديات العملاقة المتأتية عن النظام الدولي الجائر القائم، لكننا لسنا الوحيدين. فمنذ نحو ستين سنة اتّحدت الصعوبات مع الأمل بأن نتمكّن معاً من مواجهتها وتذليلها، ما جعلنا نولد كمجموعة. نحن السبعة وسبعون والصين. ونحن أكثر من ذلك.
كما ستلاحظون في هذه الأيام، نفتقد لأمور كثيرة، لكنها وافرة لدينا مشاعر الصداقة والتضامن والأخوّة. وتفيض لدينا الإرادة في جعلكم تشعرون بأننا عائلة واحدة. إنكم في بيتكم.
كونوا على ثقة أيضاً بأننا سنفعل كل ما يلزم لكي تؤدي مداولاتنا إلى نتائج ملموسة، في مناخ التضامن والتعاون اللازم لنجاح أي مهمة جماعية.
تقع على كاهل “مجموعة الـ 77 والصين” المسؤولية الكبيرة في أن تمثّل على المسرح الدولي مصالح أغلبية بلدان المعمورة. لأسباب تاريخية وانتمائية نحافظ على الاسم الأصلي، لكننا أكثر بكثير من 77 بلداً. نحن اليوم 134، ما يعادل أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، يعيش فيها 80 بالمائة من سكان العالم.
إن اجتماعنا على مستوى قمّة يمنحنا الفرصة للتداول بشكل جماعي وعلى أرفع مستوى سياسي من أجل توحيد الجهود في الدفاع عن مصالح هذه الأغلبيات. ويساعدنا على التوفيق بين المواقف في وجه التحديات الراهنة للتنمية ورفاهية شعوبنا. ولكنه يفرض علينا مساءلات أيضاً.
بعد نحو ستين سنة من المعارك الدبلوماسيّة، في خضم المحاولة الصعبة والخائبة حتى الآن لإصلاح النظم الجائرة والبالية التي تحكم العلاقات الاقتصادية الدولية، يجدر التذكير بدعوات قادتنا التاريخيين لدمقرطة منظمة الأمم المتحدة، وتحذيرات فيدل كاسترو من أن “غداً سيكون الوقت قد أصبح متأخراً جداً” وعبارة خالدة للكومندان هوغو تشافيز، قال فيها بأننا “نحن الرؤساء ننتقل من قمة إلى أخرى والشعوب من هاوية إلى أخرى”.
كان القائد البوليفاري يدعو إلى اجتماعات مفيدة بالفعل، من تلك التي يُمكن أن تنبثق عنها منافع ملموسة للشعوب التي تنتظر حلولاً، على شفير الهاوية التي أوقعتنا فيها أنانية أولئك الذي منذ قرون وهم يقطعون الكعكة ويتركون لنا الفتات.
يأتي انعقاد هذه القمة في لحظة حققت فيها البشرية قدرة علمية-تقنية كامنة ما كان للعقل أن يتصورها قبل عقدين من الزمن، بقدرة ما فوق العادية على خلق الثروة والرفاهية اللتين يمكنهما، في ظروف من المساواة والتكافؤ والعدل الأكبر، أن تؤمن مستويات من العيش الكريم والمريح والمستدام لكل سكان المعمورة تقريباً.
“إنها ساعة الأفران، التي لا يُرى فيها إلا النور”، بحسب قول خوسيه مارتيه. بما نتمتع به من حق لكوننا -الأغلبية الساحقة من “مجموعة الـ 77”- الضحايا الرئيسيين للأزمة الاقتصادية ومتعددة الأبعاد الراهنة التي يعانيها العالم، وضحايا العيوب المتواترة للتجارة والمال الدوليّين، والتبادل اللامتساوي المجحف، والفجوة العلمية والتكنولوجية والمعرفية، وخطر الدمار التدريجي ونفاد الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الحياة على وجه الأرض، نطالب بالدمقرطة المعلّقة لنظام العلاقات الدولية فوراً.
إن شعوب الجنوب هي الأكثر معاناة للفقر والجوع والبؤس والموت من أمراض قابلة للعلاج والأمية والنزوح البشري وغيرها من عواقب التخلف. كثير من بلداننا تسمّى اليوم بلداناً فقيرة مع أنه يجب أن تعتبر في الواقع بلداناً مُفقَرة. ولا بدّ من قلب هذا الوضع الذي أغرقونا فيه قروناً من التبعية الاستعمارية والنيوكولونيالية، لأنه ليس بأمر عادل ولأن الجنوب لم يعد يحتمل وزر كل المصائب.
أولئك الذي شيدوا مدناً مبهرة بموارد وعرق ودم بلدان الجنوب، أصبحوا يعانون وسيعانون أكثر من الآن فصاعداً عواقب الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن النهب، لأننا نبحر في ذات المركب، ولو أن بعضهم مسافرون بتصنيف “VIP” وآخرون خدماً لهم.
الطريق الوحيد الصالح لمنع هذا المركب-العالم من الانتهاء إلى ما انتهت إليه الـ “تيتانيك”، هو طريق التعاون والتضامن وفلسفة “أوبانتو” الأفريقية، التي تفهم التقدم البشري بلا إقصاء، حيث يكون ألم وأمل كل واحد ألم وأمل الجميع.
أصحاب السعادة.
لقد اقترحنا كموضوع لهذه القمة دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار كعناصر جوهرية للمداولة السياسية المرتبطة بالقانون.
نفعل ذلك ونحن على قناعة بأن الإنجازات والقفزات في هذا المجال هي التي ستحكم في نهاية الأمر إذا ما كان ممكناً ومتى تحقيق “أهداف التنمية المستدامة المثلى المتعلّقة بإنهاء الفقر والقضاء على الجوع في العالم، وتأمين الصحة والرفاهية والتعليم النوعي، وتحقيق المساواة بين الجنسين؛ وتوفير المياه النظيفة والسلامة، وحل مشكلات الطاقة والعمل والنمو الاقتصادي والتصنيع والعدالة الاجتماعية.
إنني على قناعة مطلقة بأنه لن يكون بالإمكان أيضاً التقدم نحو شكل من الحياة المستدامة منسجماً مع الظروف الطبيعية التي تضمن الحياة على كوكبنا من دون هذه الشروط.
ومن الواضح أن عملية الإصلاح نحو تحقيق هذه الأهداف تشمل، بطريقة أو بأخرى، دور المعرفة كمولّد للعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
لا بد من الهدم الفوري للحواجز الدولية التي تعرقل وصول البلدان النامية واستغلالها للعوامل الحاسمة بالنسبة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
أتحدث عن حواجز يرتبط مكنونها بنظام اقتصادي دولي جائر وغير مستدام، يديم إلى الأبد ظروف امتياز البلدان المتطورة ويحيل الغالبية من البشر إلى ظروف التخلّف.
من دون الاهتمام بهذه المسائل، لن يكون بالإمكان تحقيق أي شكل من أشكال التنمية المستدامة التي هي من حقنا جميعاً، مهما علا سقف الأهداف الموضوعة.
لن يكون بالإمكان أيضاً تضييق الفجوة الشاسعة التي تفصل ظروف الحياة المتميّزة لجزء صغير من سكان كوكبنا وبين التخلّف الذي يتعمّق عند الأغلبيات الكبرى.
لن يكون بالإمكان الوثوق من وصولنا إلى عالم سلام، تختفي فيه الحروب والنزاعات المسلّحة من كل نوع.
تلعب العلوم والتكنولوجيا والابتكار دوراً مفصليّاً في تشجيع الإنتاجية والفعالية وخلق القيمة المضافة وجعل ظروف العمل أكثر إنسانية والدفع بالرفاهية وضمان التنمية البشرية.
إنما نحن أمام أكبر ثورة علمية-تقنية عرفتها البشرية. لقد غيّرت العلوم مجرى الحياة نفسها، فتمكّن الإنسان من التعرف على الفضاء الفلكي واستنباط آلات متقدّمة تؤتمت حتى أكثر العمليات أساسية المرتبطة بوجوده.
لقد قضى الإنترنيت على الحدود الفضائية والزمنية. وسمح التطور التكنولوجي بربط العالم وإزالة آلاف الكيلومترات من المسافة بمجرد كبسة “كليلك”. وقد تضاعفت القدرات على التعليم والتعلّم، وتسارعت عجلة العمليات البحثية واكتسب الكائن البشري قدرات غير مسبوقة لتحسين ظروف حياته.
في هذا الشأن، أبرزت “منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية” (ONUDI) بأن استحداث ونشر تكنولوجيات الإنتاج الرقمي المتقدم ما يزال مركّزاً على المستوى العالمي، بنمو ضعيف جداً في معظم الاقتصادات الناشئة. عشر اقتصادات فقط -رائدة في تكنولوجيات الإنتاج الرقمي المتقدم- تتولّى أمر 90 بالمائة من كل براءات الاختراع العالمية و70 بالمائة من مجمل الصادرات المتصلة بها مباشرة.
بعيداً عن التحوّل إلى أدوات لسدّ فجوة التنمية والإسهام في الخروج من المظالم التي تهدد مصير البشرية نفسه، إنما هي تنحو إلى التحوّل إلى أسلحة لتعميق هذه الهوة وثني إرادة الكثير من حكوماتنا وحماية نظام الاستغلال والنهب اللذين غذّيا على مدار عدة قرون ثروة قوى الاستعمار القديمة وأعطيا لبلداننا دوراً ثانويّاً.
هذا ما يفسّر أن العالم، في خضم أكبر تطور علمي-تقنيّ في كل العصور، تراجع ثلاثة عقود إلى الوراء في مجال تقليص الفقر، بمستويات من المجاعة غير مشهودة منذ عام 2005.
وهو ما يفسّر بقاء أكثر من 84 مليون طفل في ما يُسمّى “العالم الثالث” بلا مدارس، وأكثر من 66 مليون شخص بلا كهرباء ؛ وأن 36 بالمائة فقط من السكان يستخدم الإنترنيت في البلدان الأقل تقدماً وفي البلدان النامية بلا سواحل، مقابل 92 بالمائة من القدرة على استخدامه في البلدان المتقدّمة.
يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن متوسط كلفة الهاتف الذكي بالكاد يمثّل نسبة 2 بالمائة من المداخيل الشهرية للفرد في أمريكا الشمالية، بينما تصل هذه النسبة إلى 53 بالمائة في جنوب آسيا و39 بالمائة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. لا يُمكن الحديث جدّياً عن تقدّم تكنولوجي أو عن وصول متساوي إلى وسائل الاتصال أمام هذه الوقائع.
ويحدث الانتقال الطاقيّ أيضاً في ظروف تفاوت عميق ينذر بالاستمرار إلى الأبد. إن عدم التناسب في استهلاك الطاقة بين البلدان المتقدّمة (167.9 جيجا جول للشخص الواحد سنوياً) والدول النامية (56.2 جيجا جول للشخص الواحد سنوياً) هو نتيجة للفجوة الاقتصادية والاجتماعية القائمة، ويؤدي أيضاً إلى استمرار هذه الفجوة في النمو. ويبلغ نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2.38 مرة أعلى من المتوسط العالمي و16 مرة أعلى من نظيره في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
إن جزءاً كبيراً من الأمراض، الأكثر انتشاراً في البلدان النامية، هي تلك التي يمكن الوقاية منها و/أو علاجها. ذكرت منظمة الصحة العالمية[4] في تقريرها عن الصحة العالمية أن ما يقدر بنحو ثمانية ملايين شخص يموتون قبل الأوان بسبب أمراض وحالات يمكن علاجها كل عام. وتساهم هذه الوفيات في ما يقرب من ثلث الوفيات البشرية في العالم كل عام.
يقدر متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة في الدول الغربية بنحو 947 دولاراً مقارنة بـ 20 دولاراً للفرد في الدول ذات الدخل المنخفض.
من واجبنا أن نحاول تغيير قواعد اللعبة، ولن نحقق ذلك إلا إذا حشدنا العمل المشترك.
إننا جميعاً، أو معظمنا، نحاول جذب الاستثمار الأجنبي المباشر باعتباره عنصراً ضرورياً لتنميتنا وإدارة اقتصاداتنا. في بعض الأحيان نحقق الهدف المتمثل في أن يكون ذلك مصحوباً بنقل معين للتكنولوجيا.
لكننا نعلم أنه في أغلب الأحيان لا يكون مصحوباً بنقل المعرفة والمساعدة في بناء القدرات. ويؤدي هذا الغياب إلى وقوع البلدان النامية في أدنى حلقات سلاسل القيمة العالمية، وتكون أبحاثها في مجالات الصحة والغذاء والبيئة وغيرها محدودة للغاية أو تعاني من انخفاض منهجي في قيمة العملة.
تحدث هذه الظاهرة جنباً إلى جنب مع هجرة المواهب أو ما يسمى عادةً “سرقة الأدمغة”: ممارسة الدول الأكثر تقدماً للاستفادة من تدريب ومعرفة المهنيين الذين تدربهم الدول النامية بجهد كبير، وغالباً بدون أي دعم من أغنى البلدان.
وهذا استنزاف هائل ومساهمة مالية ملحوظة تقدمها البلدان النامية للأغنياء، وهي بالمناسبة أكبر بكثير من مساعدات التنمية الرسمية، القائمة على تدفق الهجرة المدمر للبلدان المتخلفة.
والحقيقة الأخرى هي الميل إلى تسجيل براءات الاختراع لكل شيء، بما في ذلك أشكال الحياة، كما تروج منظمة التجارة العالمية. وهذه ممارسة تزيد من خزائن الشركات الكبرى العابرة للحدود الوطنية في أقوى الدول وتجعل الاقتصادات المتبقية أكثر هشاشة. وبهذه الطريقة، تساهم عملية خصخصة المعرفة المتفشية في توسيع الفجوة وبالتالي تُحدّ من الوصول إلى التنمية.
تعد براءات الاختراع جزءاً من اللاهوت النيوليبرالي، والذي بموجبه يمكن خصخصة المعرفة وشراؤها وبيعها كأي سلعة أخرى.
وتتعرض الدول النامية لضغوط لحملها على سن قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية، بالتغافل عمداً عن أن العديد من الدول الصناعية تطورت على وجه التحديد من خلال قرصنة المنتجات والتكنولوجيا خارج حدودها الجغرافية، وخاصة في ما يعرف الآن بالدول النامية.
واستمرت طلبات براءات الاختراع في الارتفاع حتى وسط الجائحة في عام 2020 (1.5 بالمائة) وارتفعت بشكل كبير في عام 2021 (نمو بنسبة 3.6 بالمائة). وواصلت التكنولوجيات المتعلقة بالصحة تسجيل أسرع نمو بين جميع القطاعات. خلال عام 2021، وصل عدد طلبات العلامات التجارية إلى 3.4 مليون طلب على مستوى العالم (زيادة بنسبة 5.5 بالمائة مقارنة بعام 2020). ومع ذلك، فقد كانت النسبة متفاوتة حسب المنطقة، حيث تلقت آسيا ثلثي (67.6 بالمائة) إجمالي الطلبات المودعة مدفوعةً بشكل رئيسي بالنمو في الصين وأمريكا الشمالية 18.5 بالمائة بينما مثّلت أوروبا 10.5 بالمائة. وأفريقيا (0.6 بالمائة)، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (1.6 بالمائة) وأوقيانوسيا (0.6 بالمائة) أدنى النسب المئوية لمجموع الطلبات.
ولا تزال الفجوة بين الجنسين في مجال الابتكار قائمة. فقد زاد عدد العاملين في مجال البحث بمعدل ثلاث مرات (13.7٪) أسرع من النمو السكاني العالمي (4.6٪) في الفترة 2014-2018 وفي هذا العام الأخير من الفترة المذكورة ارتفع عدد الباحثين إلى 8.854 مليون باحث. ومع ذلك، فإن ثلث الباحثين فقط هم من النساء. وفقا للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، لا يزال الرجال يمثلون أغلبية كبيرة من الأشخاص المرتبطين بالاختراعات الحاصلة على براءات اختراع في العالم. 17 بالمائة فقط من الأشخاص الذين تم تسميتهم كمخترعين في طلبات البراءات الدولية كانوا من النساء، في عام 2021.
إن خصخصة المعرفة تضع قيوداً على تداول المعرفة وملاءمتها. فهي تقيّد التقدم والحلول العلمية للمشاكل، وتشكل عائقاً كبيراً أمام التنمية والدور الذي يجب أن تلعبه العلوم والتكنولوجيا والابتكار فيها. وهي تؤدي إلى تفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية لدول العالم الثالث.
يكفي أن نشير إلى أنه في خضم أعظم جائحة عرفتها البشرية على الإطلاق، تركّز 70 بالمائة من إنتاج اللقاحات ضد كوفيد-19في أيدي عشر شركات مصنعة فقط. لقد أظهر الوباء بواقعية صارخة تكلفة الإقصاء العلمي والرقمي، الذي زهق أرواحاً ووسع المسافات بين الشمال والجنوب.
نتيجة لذلك، لم يكن لدى البلدان النامية سوى 24 جرعة من اللقاحات لكل 100 نسمة، في حين كان لدى أغنى البلدان ما يقرب من 150 جرعة لكل 100 شخص. وفي مواجهة الدعوة إلى مضاعفة التضامن ووضع الخلافات جانباً، انتهى الأمر بالعالم إلى أن يصبح أكثر أنانية بعيداً عن أي منطق.
وقد صاغت منظمة الصحة العالمية متلازمة 90/10 المعروفة، والتي بموجبها يتم تخصيص 90 بالمائة من موارد البحوث الصحية للأمراض التي تنتج 10 بالمائة من الوفيات والإصابات المرَضية، في حين أن تلك التي تولد 90 بالمائة منها، لا تملك إلا 10 بالمائة من الموارد.
بعد الجائحة، كان على بلداننا أن تمر بظروف معقدة للغاية، حيث لا تزال تكافح بشدة للبقاء على قيد الحياة.
وبالتحول إلى الأسواق المالية، واجهت دول الجنوب أسعار فائدة تصل إلى 8 مرات أعلى من أسعارها في البلدان المتقدمة.
وقام نحو خمس الاقتصادات النامية بتصفية أكثر من 15 بالمائة من احتياطاتها من النقد الأجنبي الدولي لتخفيف الضغوط على العملات الوطنية.
وفي عام 2022، اضطرت 25 دولة نامية إلى تخصيص أكثر من خمس دخلها الإجمالي لخدمة الدين الخارجي العام، وهو ما يعادل شكلاً جديداً من أشكال العبودية.
ارتفع الإنفاق العالمي على البحث والتطوير بين عامي 2014 و2018 بنسبة 19.2 بالمائة، متجاوزاً معدل نمو الاقتصاد العالمي (14.6 بالمائة). ومع ذلك، فإنها لا تزال مركزة للغاية حيث تساهم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بنسبة 93٪.
والموارد اللازمة لإيجاد حل جذري لهذه المشاكل موجودة. ففي عام 2022 وحده، وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى رقم قياسي بلغ 2.24 تريليون دولار، أي بلايين الدولارات. فما هو حجم ما يمكن فعله بهذه الموارد لصالح الجنوب؟
وسوف يتطلب تحقيق المشاركة العالمية والشاملة في الاقتصاد الرقمي الاستثمار في بلداننا بما لا يقل عن 428 مليار دولار بحلول عام 2030، وهي حاجة يمكن تغطيتها بنسبة 19 بالمائة فقط من الإنفاق العسكري العالمي.
ومع ذلك، يبدو أن الجنوب مقدر له أن يعيش على الفتات الذي احتفظ به النظام الحالي له. ولا يتجاوز الدعم المالي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي لأقل البلدان نمواً وغيرها من البلدان المنخفضة الدخل، منذ عام 2020 وحتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ما يعادل ما أنفقته شركة كوكا كولا وحدها على الإعلان عن علامتها التجارية في السنوات الثماني الأخيرة.
إلى ذلك، تم تخصيص أقل من 2 بالمائة من مساعدات التنمية الرسمية المنقوصة بالفعل لقدرات العلوم والتكنولوجيا والإبداع.
وتشير التقديرات إلى أن 9 بالمائة من الإنفاق العسكري العالمي يمكن أن يمول التكيف مع تغير المناخ في غضون عشر سنوات (اقتراح من “اللجنة العالمية للتكيف”) وأن 7 بالمائة سيكون كافياً لتغطية تكلفة التطعيم الشامل ضد الوباء.
بنية مالية دولية تعمل على إدامة هذه الفوارق وتجبر الجنوب على شل حركة الموارد المالية والدخول في الديون لحماية نفسه من عدم الاستقرار الذي يولده النظام نفسه، والذي يوسع جيوب الأغنياء على حساب احتياطيات أفقر 80 بالمائة هي، بلا شك، بنية معادية لتقدم دولنا. ويجب هدمها إذا كنا نطمح حقاً إلى تعزيز تنمية الكتلة العظمى من الأمم المجتمعة هنا.
أصحاب السعادة:
يجب أن تكون المهمة ذات الأولوية الإطاحة نهائياً بنماذج البحث التي تقتصر على البيئات الثقافية ووجهات نظر الشمال، والتي تحرم المجتمع العلمي الدولي من رأس مال فكري كبير.
ويثير هذا الاتجاه فرضية لدى دولنا: الحاجة الملحة إلى إنقاذ الثقة في العنصر الأكثر ديناميكية في مجتمعاتنا: الإنسان ونشاطه الإبداعي.
وفي هذا المسعى، يعد بناء القدرات أمراً أساسياً لتحقيق الوعود التي يحملها العلم والتكنولوجيا والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة.
وبهذا المعنى، فإننا ندرك مزايا مبادرة التنمية العالمية، التي روج لها رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ. إنه اقتراح شامل ومتماسك أمام الحاجة إلى نظام دولي جديد عادل ومنصف، يضع التنمية القائمة على المعرفة في مكانها الصحيح، وفي قلب أولويات النظام الدولي.
على الرغم من كونها دولة نامية ومثقلة بصعوبات اقتصادية كبيرة، فإن كوبا تتمتع بقدرات علمية لا ينبغي الاستهانة بها، وهي جزء من إرث الزعيم التاريخي للثورة الكوبية، فيدل كاسترو روز، الذي عرف، ببصيرته، هذا المجال كمصدر معزز للتنمية.
لدينا نظام إدارة حكومي قائم على العلم والابتكار، والذي أصبح قوة مهمة للحفاظ على سيادتنا، وجاء أفضل تعبير عنه في إبداع لقاحاتنا الخاصة ضد كوفيد-19.
ومع ذلك، فإن ربط المعرفة بحل مشاكل التنمية مهمة ضخمة بالنسبة لكوبا، لأن هذه الجهود يجب أن تتم في خضم حصار اقتصادي وتجاري ومالي صارم يؤدي إلى قيود ملحوظة على الموارد.
على سبيل المثال لا الحصر، بموجب قرار سياسي اتخذته حكومة الولايات المتحدة، تم حجب العديد من مواقع الإنترنت المخصصة للمعرفة والعلوم أمام الباحثين الكوبيين على وجه التحديد.
ليست هذه الفسحة المثلي للتوسع في شرح تأثير الحصار الاقتصادي الإجرامي الذي تفرضه الولايات المتحدة على اقتصادنا وتقدمنا العلمي والتقني وتنميتنا، مع تكلفة إنسانية واضحة.
لكن لا بد لي من تصنيفه بأنه عقبة أساسية، ورغم ذلك، وانطلاقاً من الإرادة السياسية القوية، تمكنت كوبا من تحقيق نتائج لا تقبل الجدل في مجالي العلم والإبداع.
أدعوكم للتداول في هذه الأيام حول تحديات تنمية دولنا، والمظالم التي تفصلنا عن التقدم العالمي، ولكن أيضاً حول قيمة وحدتنا وثروتنا الغنية من المعرفة.
لنوجه تفكيرنا نحو البحث عن الإجماع والاستراتيجيات والتكتيكات وأشكال التنسيق. ولنضع تراثنا بأكمله على الطاولة، ولنعزز التآزر. ولنظهر قيمة وخبرة الجنوب في وجه أولئك الذين يحاولون تقديمنا ككتلة غير متبلورة تبحث عن الصدقة أو تستجدي المساعدة.
ولنتذكر أن كثيراً من الأمم الفريدة الممثلة بمجموعة الـ 77 والصين سطرت صفحات مبهرة من الإبداع والبطولة في تاريخ الإنسانية، قبل أن يفقر الاستعمار والنهب مصائر قسم منها.
فلنستعيد تلك الروح الكفاحية والمعارف التقليدية والتفكير الإبداعي والحكمة الجماعية. ولنناضل من أجل حقنا في التنمية، وهو أيضاً الحق في الوجود كجنس بشري.
بهذه الطريقة فقط سنكون في وضع يسمح لنا بالمشاركة في الثورة العلمية والتقنية على قدم المساواة. بهذه الطريقة فقط سنكون قادرين على احتلال المكان الذي هو من حقنا في هذا العالم حيث يحاولون أن ينزلونا إلى وضع المساهمين الوديعين في ثروة الأقليات. لنحقق معاً المهمة المشرفة المتمثلة في إكمالها وتحسينها وجعلها أكثر عدالة وعقلانية، دون أن يثقل التهديد الدائم بالزوال على أحلامنا.
أصحاب السعادة:
قبل 23 عاماً، في لقاء كهذا، قال الزعيم التاريخي للثورة الكوبية، فيدل كاسترو:
“بالنسبة لمجموعة الـ 77، لا يمكن أن يكون الوقت الحالي زمن استجداء الدول المتقدمة، أو زمن الخضوع والانهزامية أو الانقسامات الداخلية، بل هو وقت إنقاذ روحنا الكفاحية ووحدتنا والتفافنا حول مطالبنا.
لقد وعدونا قبل خمسين عاماً بأنه في يوم من الأيام لن تكون هناك فجوة بين البلدان المتقدمة والدول المتخلفة. “لقد وعدونا بالخبز والعدالة، واليوم هناك خبز أقل وعدالة أقل”.
يمكن لسريان هذه الكلمات حتى يومنا هذا أن يُفسَّر كهزيمة لما سعت إليه هذه المجموعة وفشلت في حله. أطلب منكم أن تعتبروه بمثابة تأكيد على الطريق الطويل الذي قطعناه معاً وعلى جميع الحقوق التي تحضرنا للمطالبة بالتغييرات العالقة.
تكريماً لمن آمنوا وأسسوا. بالنيابة عن الشعوب التي نمثلها، لنحقّق احترام أصواتهم ومطالبهم.
نحن أكثر. وسننتصر.
شكرا جزيلاً