استمرارية دعم الاعلام العربي و العالمي للقضية الفلسطينية ، بقلم : الدكتورة دانييلا القرعان
الإعلام هو السلطة الرابعة وصوت من لا صوت له ومرآة الوطن والمواطن وهو أحد عوامل النصر أو الهزيمة والبناء والهدم والتقدم والـتأخر، الإعلام هو عنصر فاعل ومكون من مكونات الوعي والرأي والفهم ورادع للتمادي في ارتكاب الجرائم، الإعلام مكون أساسي من مكونات السياسة والفكر والثقافة، فإذا أصبح الإعلام مجرد ناقل للصورة فقط فمعنى هذا أنه لا يقوم بدور الارتقاء بالوعي.
إن الاحتلال الإسرائيلي يحارب شعبنا الفلسطيني بكل الوسائل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويسخر كافة قدراته الإعلامية التي يعتمد فيها على فصاحة اللغة والبحث في ثقافات الشعوب ليسهل عليه مخاطبتهم وبالتالي التأثير وإقناع الرأي العام العالمي، محارباً الرواية الفلسطينية ومن يؤازرها في الإعلام العربي بالاعتماد على وسيلة الخداع والمبادرة الأولى في سرد الرواية الإعلامية، منكراً سرد الحقائق التاريخية للقضية الفلسطينية لكسب التعاطف الدولي، وبالمقابل فإن الإعلام الفلسطيني والعربي دائماً في دائرة رد الفعل وهذا أسلوب غير مؤثر في مواجهة الإعلام الإسرائيلي وإقناع الرأي العام العالمي، فهل يمتلك إعلامنا القدرة والخبرة في مواجهة الإعلام الإسرائيلي؟ وهل بمقدوره الأخذ بزمام المبادرة ووقف التغلغل الإعلامي الإسرائيلي في وسائل الإعلام الدولي؟
إن فلسطين تعيش اليوم في حالة فريدة من الحصار والانقسام فرضه وجود الاحتلال الإسرائيلي، لذلك يجب علينا التنويع في شكل الرسالة الإعلامية كوننا نخاطب عقولا متنوعة، كل منها حسب ثقافته وعرقه وجنسيته ولغته، مع الحفاظ والالتزام بنفس المضمون لهذه الرسالة حتى تصل بالشكل الايجابي الذي نريد، لاشك أن هناك بعض القصور في تعاطي الإعلام الفلسطيني والعربي مع استحقاقات القضية الفلسطينية والهبة الجماهيرية ويعود ذلك لأن وسائل الإعلام الفلسطينية أصبحت كل منها تحمل وجهة سياسية وفقاً لهذا الحزب أو ذاك، والانقسام، مما خلق حالة من الإرباك لدي وسائل الإعلام للتعامل مع الأحداث. وهذا سبب رئيس من أسباب ضعف التأثير على المجتمع الفلسطيني والعربي والدولي، وسبب من أسباب عدم الثقة بالرواية الإعلامية الفلسطينية.
” الإعلام العربي” قبل ما يسمى بالربيع العربي وإبان انتفاضة الأقصى وقبلها انتفاضة الحجارة كان يولي قضيتنا الفلسطينية أهمية من حيث تغطية الأحداث وتقديم التقارير والمقابلات الصحفية وأيضاً إنتاج الأفلام السينمائية والوثائقية التي تحاكي نضال شعبنا الفلسطيني وإبراز جرائم الاحتلال الإسرائيلي، مما خلق حالات التفاعل والتضامن مع شعبنا الفلسطيني فخرجت المظاهرات والاحتجاجات لتجوب العواصم العربية رغم تعرضها للمنع والتصدي من قبل قوات الأمن العربية، وهو ما بتنا نشاهده مؤخرا في دعم القضية الفلسطينية، لكن يجب التنويه الى استمرارية مثل هذا الحراك العالمي دعما ورفضا لما يحدث في فلسطين، وليس فقط فترة وتنتهي. ولكن المتابع لبعض الوسائل الإعلام العربية المسموعة منها والمرئية اليوم يلاحظ بشكل واضح، غياب القضية الفلسطينية وأخبارها ومعاناة شعبنا الفلسطيني بصفتها قضية جوهرية وجوهر الصراع العربي الإسرائيلي حيث لا تتعدى المساحة الإعلانية التي تحتل أخبارها مساحة إعلان تجاري، فالإعلام العربي لم يعد يتعاطى مع القضية الفلسطينية بحماسة ولا حتى يتناولها بمهنية. منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني يتعرض لأبشع أشكال الجريمة والإرهاب المنظم على أيدي قوات الاحتلال، تٌسلب الأراضي وتهوّد القدس ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ، معتقلات مليئة بالأسرى ذنبهم الوحيد أنهم دافعوا عن كرامة شعبهم.
ألا يتوجب على الإعلام العربي أن يضع المواطن العربي في صورة ما يعيشه الشعب الفلسطيني من معاناة في القدس والخليل وغزة والجليل وغيرها من المدن الفلسطينية؟ أليس من مسؤولياته أمام الرأي العام العالمي كشف الانتهاكات الإسرائيلية العنصرية؟ ألا يستحق ما يتعرض له الشعب الفلسطيني أن يُولى أهمية كبيرة في الإعلام العربي، فهل يوجد قضية أهم من قضية شعبنا الفلسطيني؟ إن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني جديرة بأن تبقى على رأس سلم الأولويات في الإعلام العربي والعالمي؛ لأن الشعب الفلسطيني جزءء لا يتجزأ من الكل العربي، ولكن بكل أسف أن الإعلام العربي يتناول أخبارنا كحدث مرحلي فقط وليس العكس، لا شك بأن الأحداث الدائرة في الوطن العربي نتجت عما يسمى بالربيع العربي قد ألقت بظلالها وغيبت القضية الفلسطينية في الإعلام العربي وهذا يعود لانشغال العرب بهذه الأحداث وهي عامل رئيسي من عوامل تهميش القضية الفلسطينية إعلامياً. إلى متى سيستمر الإعلام العربي يتناول قضيتنا الفلسطينية كجزئيات ويختزلها وفق مفهوم نزاع وليس صراع على حقوق وثوابت؟ فهل سنرى تغييرا في صياغة الخبر العربي المتعلق بالقضية الفلسطينية؟ فهل سيتجدد الخطاب الإعلامي العربي تجاه الإرهاب الإسرائيلي ونظرته لقضيتنا الفلسطينية ويكون بمستطاعه لملمة شتات القضية وجمعها في قضية واحدة شمولية لتصبح محط اهتمام الأمة العربية والعالمية؟ إن القضية الفلسطينية اليوم تحولت إلى قضية ثانوية في الإعلام العربي فلم يعد الإعلام العربي يتفق أو يجتمع على رواية واحدة من أجل القضية أو القدس التي تهم كل عربي.
أما الإعلام الغربي فهو يتعاطى مع القضية الفلسطينية كأنها نزاع بين طرفين( فلسطيني وإسرائيلي) ومواده الإعلامية تخلو تماماً من السياق التاريخي للقضية الفلسطينية بل ويتعاطى مع تغطية الاعتداءات الإسرائيلية بحروبها بشكل متساوٍ ويتعمد سرد تفاصيل القتلى الإسرائيليين أما شهداءنا فهم أرقام في إعلامهم دون أدنى تفاصيل، وهذا يعود إلى مدى تغلغل الإعلام الإسرائيلي في داخل الإعلام الغربي وتأثيره الكبير في تحرير سياساته ومرتبط في نوعية العلاقات الاستراتيجية التي تربط دولة الاحتلال مع هذه الدول، ودائما الإعلام الإسرائيلي هو السباق في القصة الإعلامية بكافة تفاصيلها وهذا ما يميزه عن الإعلام الفلسطيني والعربي الذي يبنى مواده الإعلامية على رد الفعل. في زمن التطور التكنولوجي وتعدد وسائل الاتصال وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي فقد انفتح المجال أمام حرية الرأي والتعبير فبدأ الكتاب والمثقفون والناشطون الغرب بنشر مقالاتهم وما يشاهدونه بأعينهم في الأراضي الفلسطينية من جرائم الاحتلال الإسرائيلي وكان لبعض الجاليات الفلسطينية دور في ذلك، فاجتاحت المظاهرات الكثير من العواصم الغربية مما غير من سياسات بعض الدول التي لا تربطها علاقات استراتيجية مع دولة الاحتلال فبدأت حملات المقاطعة لمنتجات المستوطنات وكذلك المقاطعة الأكاديمية، وبالتالي بدأنا نلاحظ التغيير في التعامل مع القضية الفلسطينية ولكن ليس بحجم الشكل الذي نريده.
الدكتورة دانييلا عدنان القرعان – محامية وأستاذة القانون المدني- جامعة جدارا سابقاً.
أكاديمية وباحثة في الشؤون القانونية والسياسية.
عضو اتحاد الكتاب والصحفيين العرب في أوروبا.
عمان – الأردن.