12:13 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

قراءة في مسرحيّة: -بيت ليس لنا- للأديب عمر كتمتو ، بقلم : رفيقة عثمان

قراءة في مسرحيّة: -بيت ليس لنا- للأديب عمر كتمتو ، بقلم : رفيقة عثمان

قراءة في مسرحيّة: -بيت ليس لنا- للأديب عمر كتمتو ، بقلم : رفيقة عثمان

قراءة في مسرحيّة: “بيت ليس لنا” للكاتب عمر كتمتو


(مهداة لروح الشّهيد الصّديق غسّان كنفاني)
يسّرني أن أقدّم قراءة بسيطة، حول مسرحيّة الكاتب الدّكتورعمر كتمتو، ( الأديب والشّاعر والرّوائي والدّبلوماسي الفلسطيني، مقيم في الدول الاسكندنافيّة، عمل رئيسًا لبعثة “منظّمة التحرير الفلسطينيّة” لدى الدنمارك وآيسلندا بين منتصف عقد 1980 ومنتصف عقد 200).


هذه المسرحيّة احتوت على ستّين صفحة، وقُسّمت إلى أربعة فصول، واشتمل كلّ فصل فيها على وحدات المكان والزّمان والموضوع. قرات هذه المسرحيّة إلكترونيًّا، ولم يُشر الكاتب تاريخ إصدار المسرحيّة، ربّما لم تُنشر بعد.
ابتدأت فكرة المسرحيّة ببساطتها، وتطوّرت أحداثها لغاية قبل النّهاية، حيث بلغت ذروتها، وظهرت قوّة رسالتها.
نجح الكاتب في عرض المسرحيّة بأسلوب متدرّج، بواسطة الحوار بين الشّخصيّات المختلفة، والتي اختارها الكاتب لتحريكها في عرض الأحداث وتطوّرها؛ في إظهار صفاتها، وأدوارها المختلفة، مع توظيف الحركات الدراميّة لكل شخصيّة وأخرى. برأيي من الممكن تصنيف نوع الحوار، بالحوار الإقناعي.


لعب دور البطولة في المسرحيّة السيّد سامر، الناقد والكاتب في مجلّات وجرائد عربيّة وعالميّة، وهو مواطن يمني مغترب. من خلال هذه الشحصيّة، أظهر لنا كاتبنا شخصيّة إنسان مفكّر، ذي ثقافة عالية، وذكاء حاد، ولا تنقصه الحنكة، والجرأة على إبداء الرأي بصراحة؛ وهو إنسان مغترب في إحدى الدّول العربيّة الرّجعيّة والقمعيّة.


اختار الكاتب بقيّة الشّخصيّات في البطولة الثّانويّة مثل: ضابط بوليس سابق فراس صمدي، وطبيب الأسنان شقيق وزير الصحّة، وسكرتيرة الوزير سلوى وجدي، والسّيّدة نور رئيسة المنظّمة النسائيّة، والنادل خالد، ومدير البنك العربي الأمريكي السيّد سليمان، والقاضي ومحامي الدّفاع، والسّجّان والنائب العام؛ التقى جميعهم في مصعد واحد يخص نفس العمارة. وصف الكاتب كل شخصيّة بمفردها، وطريقة حديثها، وأسلوب الحديث، والحركات، والملابس.


وظّف كاتبنا الحوار بين الشّخصيّات المذكورة أعلاه؛ لتطوير الأحداث وتسلسلها، وكشْف نقطة الصّراع القائم، وهو محور من المحاور الأساسيّة للمسرحيّة، ظهرت من خلال الحوار، الطبقة الاجتماعيّة، والمستوى العلمي والانتماء لكل بطل من الأبطال. لا شك بأنّ المستوى الثقافي، والجدل الفلسفي أحيانًا كان جليّا، خصوصّا على لسان البطل سامر.


ظهرت عقدة الصّراع في المسرحيّة، عندما وُجّهت تهمة قاتل الضّابط فراس من قِبل الكاتب سامر، أثناء تجمّع الشّخصيّات في المِصعد، بالوقت اللّذي توقّف بهم فجأة، وانطفأت الأنوار. يبدو الصّراع نحو الشّر ظاهرًا، بتدبير التّهمة للكاتب المغترب؛ بهدف الحكم عليه بالموت، والتّخلّص منه.


زُجّ سامر في السّجن بتهمة القتل، وحاول كلّ من الشّخصيّات المذكورة آنفًا إقناعه بأنّه هو القاتل، مع تقديم إغراءات ماديّة، ومنحه الجنسيّة، وقبوله في الانتماء للحزب اللّذي ينتمون إليه؛ لإقناعه بارتكابه جريمة القتل.


في الفصل الأخير من المسرحيّة، تدرّج الكاتب الى الحل، وإبراز النقد اللّاذع، اللّذي رغب بإيصاله للقارئ، وهنا تبرز الفكرة الرئيسيّة من المسرحيّة؛ عندما عُقدت محكمة شكليّة ومُحبكة، حكّامها مثقنّعون ومتنكّرون، حاولوا إثبات تهمة القتل المُتعمّد للكاتب المُغترب سامر.


دافع سامرعن نفسه، وكشف كل المؤامرة التي أحيكت ضدّه بنفسه، وصرّح عن كشفه للحقيقة، بأن الحُكّام، المُقنّعين هم الأشخاص أنفسهم اللّذين التقى بهم بالمِصعد، وكانت رغبتهم في توريطه بتهمة قتل الضّابط فراس صمدي؛ ليتمّ إعدامُه. أثناء التحقيق أدلى بأنّه مواطن يمني، من أصل فلسطيني؛ وتمّ تبنّيه بعد النكبة عام 1948، من قبل عائلة يمنيّة، بعد قتل واستشهاد والديه في دير ياسين. على الرّغم من تصريحه هذا، فلم تشفع له النكبة ولا جنسيّته الفلسطينيّة، بل على العكس اتّهم بتزوير جنسيّته والكذب، وحُكم عليه بالإعدام.


ِ استقى الكاتب عنوان المسرحيّة “بيت ليس لنا”، عنوان مُلفت للإنتباه، ويوحي بأنّ الفلسطيني يظلّ غريبًا ومغتربًا، مهما ارتقت درجات ثقافته وعلمه، ولا يقدّره أحد ولا يحتويه سوى وطنه. ليس هذا فحسب، بل تُغتال كلمته، ويُغلق فمه، ولا حريّة للتعبير الفكري والعقائدي، والانتماء السّياسي. في هذه المسرحيّة قصد الكاتب توجيه البوصلة نحو المواطن الفلسطيني على الخصوص.


ليس غريبًا علينا أن نفهم كلمة الإهداء في بداية المسرحيّة، كما ذكر الكاتب عمر: ” المسرحيّة مهداة إلى روح الشّهيد الصّديق غسّان كنفاني” ، اللّذي أغتيل غدرًا على يد الموساد الإسرائيلي في بيروت، عام 8.7.1972 واللّذي كان متأثّرًا في القوميّة الفلسطينيّة والنكبة ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة. (ويكبيديا).


عبّر الكاتب عن الفكرة الرئيسيّة، على لسان بطل المسرحيّة السيّد فراس صمدي؛ بأنّ حكّام الفساد ذوي الأقنعة، يختلقون ويلفّقون التّهم، ويصدرون الأحكام الظالمة ضد المثقّفين والمفكّرين، ويقمعون أصحاب الرأي الحر، ويقتلون ويبطشون وفق مصالحهم الخاصّة، ويحيكون المؤامرات على هواهم؛ لتحقيق مآربهم وقمع حريّة الأقلام والكتابة والتعبير الحر.
تطرّقت المسرحيّة لجانب التوظيف المُعتمد على الوساطة، والإنحياز للأشخاص المنتميين حزبيًّا على لرّغم من انخفاض مستوياتهم العلميّة، وعدم اختيار أصحاب الكفاءات والمؤهّلات العالية للتخصّصات المختلفة.


من المُلاحظ في هذه المسرحيّة، هو عدم وضوح المكان، ولم يظهر الزّمان أيضًا. ربّما قصد الكاتب من ذلك، تعميم الأحداث على معظم الدّول العربيّة في كل الأزمان؛ وللقارئ الحريّة في التفكيروالتكهّن بزمكنة الأحداث.
زخرت المسرحيّة بالحركات الدراميّة والإيماءات أثناء الحوار، كذلك أثناء الصّمت، كما ظهرت عندما دخل الزاّئرون للسجن؛ لزيارة المتّهم سامر، بالوصف الدّقيق عند دخولهم، وحركاتهم، وجلوسهم، وكذلك عند الخروج.


هذا العنصر التصويري الفنّي للحركات الطبيعيّة، أضفى صدقًا وواقعيّة للأحداث المعروضة، وقرّبتها إلى الواقع ممّا أضافت لإنجاح المسرحيّة. عُرضت الموسيقى بالخلفيّة قبل إغلاق الستارة والتي ساهمت بدورها الهام، بما يتناسب مع الأحداث.


هذا بالإضافة؛ لإستخدام الدّيكور من خلال الوصف للمكان، فيه رؤية فنيّة للجو العام للمسرحيّة، ممّا يؤثّر في الجمهور، كما وصف كاتبنا قاعة المحكمة، ولباس الأقنعة، وتعليق الصور، لشخص يضع يده على فمه، وآخر يضعها على اذنيه والثّالث على عينيه، هذا الدّيكور فيه دلالات رمزية قويّة، دون الحاجة للتعبير اللّفظي.


تمثّلت اللّغة بجزالتها وقوّتها، وعبّرت عن القوّة الفكريّة العميقة، التي عكست الشّخصيّات المثقّفة والمُفكّرة من خلال الحوار بينها، فاستخدم كاتبنا بعض الأفكار المُقتبسة من بعض الفلاسفة، والتي اوحت بالفكر والجدل الفلسفي، اللّذي يدل على عمق الفكر الناقد والتحليلي لكاتب المسرحيّة المُثقّف. لا شكّ بأن هنالك علاقة وثيقة ما بين الفكر العميق واللّغة الجزيلة والقويّة.


لم يستخدم اللّهجة العاميّة في المسرحيّة، بل كل نصوص المشاهد خُطّت باللّغة الفُصحى فقط؛ لأنّ استخدام اللّهجة العاميّة تدل على الشعوب التي تستعملها. إنّ استعمال اللّغة الفصحى يمنح النصوص تقييمًا أفضل.
تعتبر مسرحيّة “بيت ليس لنا” مسرحيّة نقديّة لاذعة من وحي الواقع المنسوج بالخيال، وتُصنّف تحت نوع المسرحيّة التراجيديّة (المأساويّة). ذكّرتني هذه النصوص، بكتابات الكاتب الناقد الماغوط.Tragedy
اكتملت كافّة العناصر الضروريّة في مسرحيّة “بيت ليس لنا”، ممّا أضافت قيمة ادبيّة للفن الأدبي، وتصلح لتمثيلها على خشبة المسرح، مع إخراج وممثّلين أكفّاء؛برأيي عرض المسرحيّة سيساهم في نشر الوعي الفكري، ونقد نهج الحياة السياسيّة والاجتماعيّة السّائدة في بعض الدول العربيّة؛ من أجل الإصلاح والتقدّم نحو الأفضل لمجتمعاتنا.

شاهد أيضاً

الصحفي حسن أبو قفة

استشهاد الصحفي حسن أبو قفة في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة

شفا – استشهد، مساء اليوم الجمعة، الصحفي الفلسطيني حسن أبو قفة ونجله عماد بعد غارة …