كفر قدوم وبوابة القدس (الخان الأحمر) والانتصار للحقيقة الفلسطينية الأزلية ، بقلم : موفق مطر
يؤكد قادة المقاومة الشعبية السلمية في كفر قدوم أن نضالهم سيستمر ما دام الاحتلال والاستيطان قائما، وأنهم يسترشدون بتوجيهات الرئيس أبو مازن رئيس الشعب الفلسطيني، وقائد حركة تحرره الوطنية، وبطل معركة فلسطين في ميدان القانون الدولي، فشباب كفر قدوم باتوا نموذجا للالتزام والانتماء، وقدوة لمن أراد سلوك دروب الحرية، فعلى أرض كفر قدوم يؤكد مناضلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في كفر قدوم وزر المقاومة الشعبية السلمية في القرية ، ليؤكدوا للإنسانية كلها أن الشعب الفلسطيني هوالحقيقة الأزلية الخالدة على أرض وطنه، وأن الغزاة المحتلين والمستوطنين حدث طارئ سينتهي ولو بعد حين.
سجل أبناء شعبنا في كفر قدوم صورة جديدة من صور التضحية والإيثار إلى حد التضحية من أجل إنقاذ الأخ والشقيق وابن العم والجار والصديق وابن البلد، فهذه الخصال الحميدة المعروفة عن أهلها الصامدين كانت ولا تزال أحد أهم مقومات وركائز المقاومة الشعبية السلمية التي رفعت لها كفر قدوم قواعد مدرسة منهجية عملية، تثبت يوما بعد يوم نموذجيتها لاعتمادها مبادئ وأخلاقيات وسلوكات وأفكار وأدبيات حركة التحرر الوطنية الفلسطينية. فهنا إرادة شعب حية منذ فجر التاريخ على هذه الأرض وهنا شعب يؤكد أن للارادة والعمل المنظم مدرسة، مفتوحة أبوابها للمعلمين ذوي الكفاءة، وللدارسين الراغبين بالتزود من علوم المقاومة الشعبية. فلعل الدارس يتعلم كيف يعيش المواطنون الفلسطينيون في كفر قدوم بكبرياء وإباء، وكيف يواجهون بالعلم والراية والإرادة سلاح اللصوص الصهاينة ومنظمات المستوطنين الإجرامية الإرهابية.
ثبت للباحثين عن جدوى منهج المقاومة الشعبية السلمية في فلسطين، صحته وصوابه، والبرهان العملي في كفر قدوم في محافظة قلقيلية، وقرية الخان الأحمر بوابة القدس الشرقية نحو أقدم مدينة على وجه الأرض أريحا، فهنا المواطنون الفلسطينيون الوطنيون الصامدون ومتضامنون مؤمنون بالأخوة الإنسانية، وبقيم العدالة والحرية، قد وضعوا النصر خيارا وهدفا وحيدا لمعركة صمودهم، وهنا يتجسد مبدأ التجذر والصمود في الأرض، ويتجلى إيمان الشعب الفلسطيني بحقه التاريخي والطبيعي الأبدي في أرض وطنه، وإدراكه البعيد المدى للأخطار المحدقة بوجوده كفرد ومجتمع وشعب وهوية.
تحتاج كفر قدوم إلى خطة صمود خاصة مميزة، رسمية وشعبية، تطبقها قيادات العمل الوطني والمقاومة الشعبية، إذ لا بد من تعزيز الصمود، للارتقاء بنموذج العمل الوطني المقاوم الشعبي القائم أصلا بمبادرة من مناضلي حركة فتح ومعهم شباب ورجال ونساء البلد منذ سنوات، فهنا تتجسد مبادئ التكافل والتضامن، والتعاون والتآخي، والعقلانية، والحوار والنقاش واستخلاص العبر، وسيرة الاعتماد على الذات، ففي كفر قدوم يكتب المواطنون فصلا من رواية الحرية والاستقلال.
ما بين بداية تجربة الخان الأحمر وتجربة كفر قدوم في المقاومة الشعبية السلمية حوالي عقد وأكثر، حيث يناضل سكان القرية التاريخية لاستعادة حق طبيعي منحته الطبيعة لهم، لا يحق لسلطة الاحتلال مهما بلغ جبروتها سلبه منهم.
الوطنيون في قرية كفر قدوم مستمرون بنضالهم ضد المشروع الاستيطاني الاحتلالي الإسرائيلي كمبدأ ثابت، ويتظاهرون كل يوم جمعة من الأسبوع، وزادوا عليه السبت، ولم تشهد رزنامة حركتهم الدؤوبة المنظمة الممنهجة توقفا واحدا، رغم رد الفعل الاحتلالي العنيف والمتطور دائما شكلا ومضمونا، ابتداء من الرصاص المعدني وصولا إلى إطلاق الرصاص المتفجر على الشباب، مرورا باستخدام الكلاب الشرسة، والتفنن في صنع الكمائن، والسيطرة على بيوت في القرية لتصيد المناضلين، وصولا إلى جريمة رش المتظاهرين بـ (المياه السوداء) وهي مياه عادمة (نجسة) كريهة الرائحة، تسبب آثارا سلبية على صحة المصاب.
كفر قدوم والخان الأحمر تجربتان ماثلتان في السجل اليومي لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار الاحتلالي العنصري الإسرائيلي، لكل منهما حيثياتها، لكنهما تجتمعان عند نقطة واحدة وهي الانتصار للمشروع الوطني الفلسطيني، وإيقاف زحف المشروع الاستعماري الإسرائيلي، فإن كانت قرية الخان الأحمر بوابة القدس الشرقية، والمعركة فيها لمنع تطويقها بالمستعمرات بالكامل من جهتها الشرقية، ومنع فصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها، فإن معركة المقاومة الشعبية السلمية في كفر قدوم هدفها أيضا منع استكمال مشروع استيطاني، يفصل بين مدن وقرى رئيسة في شمال الضفة كنابلس وقلقيلية، ويحولها إلى معازل.
صحيح أن الهدف المباشر لمناضلي كفر قدوم هو فتح الطريق السابق من القرية إلى الشارع الكبير المؤدي إلى نابلس ومدن فلسطينية أخرى، كانت سلطات الاحتلال قد أغلقته لصالح مستوطنة يهودية (كفار ادوميم) – لاحظوا اغتصاب الاسم أيضا بعد اغتصاب الأرض- ما يضطر المواطنين إلى استخدام طرق أخرى يزيد طولها حوالي ثلاثة أضعاف الطريق، لكن قضية تغول الاستيطان على أراضي المواطنين ومصادرتها ومنعهم من حراثتها وجني ثمار أشجارها، فهذه جريمة حرب هدفها إفقار المواطنين الفلسطينيين لإجبارهم على الهجرة، ما يعني إفراغ الأرض من أصحابها واقتناص الفرصة لاغتصابها بقوة سلاح الاحتلال.
ما تحتاجه كفر قدوم اليوم هو البناء على نفس مواطنيها ومناضليها الطويل، وقدرتهم على الصبر، ومقدرتهم على إبداع وسائل الصمود، كما تحتاج إلى إسناد وطني هرمي كالذي تجلى في قرية الخان الأحمر، ومبعث هذه الرؤية أن لا تمييز ولا مفاضلة في مكانة وقداسة بين أي بقعة وأخرى في أرض الوطن.
نحتاج إلى دراسات وأبحاث بمنهج علمي عن تجربتي كفر قدوم والخان الأحمر، والمقاومة الشعبية كسبيل كفاح وطني إستراتيجي، لا بد من رفعها على عطاء بلا حدود، وتنظيم على الأرض، وضمان مقومات صمود ومتابعة وديمومة، وتطوير وتوسيع دوائرها وإبداع وسائلها.
كفر قدوم تجربة رائدة في المقاومة الشعبية السلمية، والخان الأحمر تجربة رائدة أيضا، وبمزج التجربتين يمكننا منح الوطن تجربة وطنية نوعية في المقاومة الشعبية السلمية، قد تكون علامة فارقة في تاريخ كفاح الشعوب من أجل الحرية.