فلسطين وحق العودة ، غازي الصوراني ، بقلم : غسان ابو نجم
وثيقة تاريخية أخرى يضعها بين يدينا الكاتب والباحث التقدمي الفلسطيني وأحد رواد الفكر التقدمي العربي تضاف لسلسلة مؤلفاته القيمة حول الحق التاريخي للشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه سبقها العديد من الدراسات والابحاث والوثائق منها نشاة الصهيونية أهمها من الناحية التاريخية التي وثقت أكذوبة الحركة الصهيونية والدينية اليهودية بوجود شعب أو قومية أو امة يهودية ليضف اليها دراسته القيمة حملت عنوان فلسطين وحق العودة
من الصعوبة بمكان الإحاطة بالدراسة في مقالة ولكن سأورد اهم مفاصلها التي قسمها الباحث تحت عناوين فرعية فبعد التمهيد الذي استعرض فيه بداية الغزو الصهيوني اليهودي لفلسطين بعد إنهيار الدولة العثمانية التركية وتغلغل الصهاينه لها عبر شراء اراضي في الشمال الشرقي للبلاد من عائلات لبنانية واستبدال الأيدي العاملة الفلسطينية بأخرى يهودية واشتعال جذوة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني والوجود الصهيوني تجلى في ثورة البراق عام ١٩٢٩ وبداية تشكل الوعي الوطني الفلسطيني واحساسه بالخطر الوجودي للصهاينه الذي استمر بالتصاعد وتنامي في ثورة ١٩٣٦ ووقوع حرب عام ١٩٤٨ وتصدي شعبنا الفلسطيني شبه الاعزل للعدو الصهيوني وحلفائه من الرأسمالية العالمية وانتهاءها بسيطرة الاحتلال على أرض فلسطين وطرد وتهجير شعبها وإحلال شذاذ الافاق محل سكانها الأصليين بعد هذا التمهيد الضروري لوضع خلفية تاريخية للصراع يقسم الصوراني الدراسة لمجموعة عناوين شملت ٦٤ عامًا على النكبة والاسئلة المثارة بعدها وحول السيادة على فلسطين والقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة حول حقوق الشعب الفلسطيني وحول تغيير أسم وكالة الغوث والصراع من اجل حق العودة وماذا بعد وصول حل الدولتين إلى أفق مسدود واستقطاب فتح وحماس والبديل الغائب في المشهد الفلسطيني ويورد معطيات وأرقام حول حق ألشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينين في الوطن والشتات وفي نهاية الدراسة يورد الباحث مجموعة من الاحصاءات والجداول والملاحق توضح وتدعم ما اورده الكاتب يؤكد الصوراني أن حق العودة اهم القضايا التي يحاول الكيان الصهيونى إسقاطه ومحاولة حصاره وحصره في الجانب الإنساني لانه يشكل مفصل اي موقف سياسي من القضية الفلسطينية وهو جوهرها وعقدة أعصاب الصراع الفلسطيني الصهيوني لما يكشفه من حجم وفظاعة الاحتلال الصهيوني ويكشف عمق مأساة الشعب الفلسطيني السياسية والأخلاقية والانسانية ويمثل الخط الاحمر الذي يهدد الوجود الصهيوني في فلسطين والاعتراف به يعني كشف زييف الرواية الصهيونية وعدم احقيتهم بالأرض الفلسطينية ولهذا عمدت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على رفض الاعتراف به هي ومن يساندها من قوى الرأسمالية العالمية لانه يعطي الحق للفلسطيني بالعودة لوطنه واستعادة ارضه ومنزله ووسيلة انتاجه التي اغتصبها الاحتلال الصهيوني واقتلعوا شعبًا باكمله من ارضه ووطنه واحلوا بدلًا منه مغتصبًا صهيونيا لهذا نجد ان حكومات الكيان تلجأ دائما الى تجزئة الحلول السياسية وتحارب اي قرار قد ينشأ في المؤسسات الدولية ودعمت حلولا لا تمس جوهر وجودها في الأرض وتؤكد موقفها السياسي الواضح لا إنسحاب من القدس بشقيها او وادي الاردن وترفض إزالة المستوطنات وترفض عودة اللاجئين وترفض قيام دولة فلسطينية بل دعمت وعبر إتفاقيات أوسلو الى إنشاء سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حولتها بالتعاون مع حلفائها لاحقًا إلى سلطة امنية تخدم وتعزز وجودها وعزلت الضفة عن القطاع وتم لاحقًا الى اقتسام السلطة بين فريقي الاقتسام فتح وحماس لقد عانى الشعب الفلسطيني الذي هجر وشتت في أصقاع الارض من ويلات التهجير وكشف عدم جدية الانظمة العربية الرسمية في استعادة ما احتل من فلسطين وفقد الامل بعودته السريعة لأرضه ووطنه السليب في ظل حالة التراجع النضالي العربي وحجم وقوة الهجمة الصهيونية مدعومة من حلفائها ضده واختلال موازين القوى لصالح الكيان الصهيونى والتي تشير إلى استحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة في ظل الوضع القائم وضرب من الوهم وان اليمين التفريطي المتنفذ ساهم في دفع القضية الفلسطينية الى مزالق خطيرة أضرت بنضاله وبحركة التحرر العربية والعالمية بشكل عام وان الأوضاع التي يعاني الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من فقر وبطالة نتيجة الانقسام ووجود سلطة ريعية امنية منتفعة من وجود الاحتلال تهيمن على الضفة وهيمنة حماس على القطاع وتعمق الانقسام جلب الويلات على شعبنا الفلسطيني أصاب ألشعب الفلسطيني بحالة من الاحباط وسيادة شعور شعبي بالخيبة والانكفاء عن العمل الوطني مع ما يعانيه من اجراءات الاحتلال في التضيق والحصار وعزل المدن والقرى عن بعضها البعض وتعميق الانقسام الجيوسياسي بين الضفة والقطاع وبناء المستوطنات وحالات القتل والاقتحامات اليومية يقابل هذا الوضع سرعة تطور أدوات وقدرات الكيان الصهيونى العسكرية وازدياد تغلغله في الجسد العربي عبر مشاريع تطبيعية مع بعض الانظمة العربية مما يكشف الوجه الحقيقي له وخطر وجوده على الامة العربية جمعاء مما يستدعي قيام جبهة وطنية عربية تقدمية عريضة التي تفترض عدة اشتراطات منها انتزاع فكرة الامة المهزومة من الذهنية العربية وتطوير النضال الوطني والقومي الديموقراطي عبر العمل المنظم وان عدونا ليس الكيان الصهيونى فقط بل حلفائه الامبريالين وخاصة الامريكية وبتحقيق هذه الشروط يمكن الحديث عن امكانية قيام دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية في اطار الدولة العربية الديموقراطية التقدمية
وحول السيادة على فلسطين يعرض الصوراني التعريف اللفظي لمفهوم السيادة والتي تعني السلطة العليا لدولة ما على اراض معينة وعلى شعبها بغض النظر عن امتلاك الشرعية وان السيادة ممكن ان تتحقق عبر احتلال وهنا يجب التفريق بين السيادة السياسية والسيادة القانونية فيما تعني الاولى ممارسة السيادة عبر القوة أو الاحتلال بينما الاخيرة مرتبطة بالحق الشرعي والقانوني التاريخي مما يعني ان السيادة الصهيونية على فلسطين سيادة سياسية وليست قانونية لذلك ترفض حكومات الاحتلال المتعاقبة على رفض أي قرار ينتقص من سيادتها كقرار ١٨١ رغم الرفض الفلسطيني له وترفض قرار ١٩٤ الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينين لارضهم التي هجروا منها ويرى الصوراني ان الحل الاوحد أمام الصهاينه لتجاوز هذا الوضع الغير قانوني وغير شرعي يتم عبر تفكيك الكيان واندماج اليهود ضمن ألشعب الفلسطيني صاحب الحق التاريخي والشرعي والقانوني في فلسطين في اطار دولة ديموقراطية على كامل الارض الفلسطينية
ثم يورد الصوراني قرارات الامم المتحدة حول حقوق ألشعب الفلسطيني منها القانون الدولي والاعلانان العالميان لحقوق الانسان وقرارات الامم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينين وحق العودة وتقرير المصير واهمها قرار ١٩٤ وما تلاه من قرارات تؤكد على حق العودة منها قرارات ٣٠٢ الصادر بتاريخ ٨/١٢/١٩٤٩ وقرار ٣٩٤ عام ١٩٥٠ وقرار ٧٢٠ الصادر عام ١٩٥٣ وبرتوكول لوزان ورغم آن هذه القرارات لم تنصف الشعب الفلسطيني الا انه تم التراجع عنها لاحقًا بفعل الضغوطات التي مارستها القوى الامبريالية العالمية على الانظمة العربية وبعض قوى اليمين الفلسطيني المتنفذ كما تم التراجع عن قرار التقسيم الصادر عام ١٩٤٧ولم تتوقف المحاولات الإمبريالية العالمية والكيان الصهيونى لشطب كافة القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية والمتعلقة بحق العودة للاجئين الفلسطينين امام حالة الانهيار العربي الرسمي والارتهان لقوى الشر العالمي والهرولة الغير مسبوقة من قبل اليمين الفلسطيني المتنفذ لمزيد من التنازلات توجت باتفاقيات أوسلو التي كانت الأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني والتي منحت الاحتلال الاعتراف الرسمي الفلسطيني وشكلت خنجرًا في خاصرة النضال الوطني الفلسطيني والعربي والدولي لأنها جاءت من صاحب الحق وشطبت كليًا حق العودة للشعب الفلسطيني عمليًا وسهلت مهمة الكيان الصهيونى في تقويض عمل كافة المؤسسات الدولية التي تعمى باللاجئين الفلسطينين ومنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين التي مارست قوى الإمبريالية العالمية ابشع الضغوط عبر تقليص خدماتها ووقف تمويلها لولا الضغوط الشعبية لاستمرارية عملها الذي بدأته منذ عام ١٩٥٠ في تقديم الغوث للاجئين وبعد أوسلو تم تقليص هذا الدور وتحويل حق العودة الى تعويض وتحويل القضية الفلسطينية الى قضية لاجئين مكرسين حالة الاحتلال والتهجير للشعب الفلسطيني الذي تم الاستيلاء على ارضه ومنزله ووسيلة انتاجه ولمواجهة هذه الحالة من التراجع العربي الرسمي واليميني الفلسطيني يرى الصوراني انه بات من الضرورة تشكيل لجان شعبية او كتلة تاريخية بمفهوم غرامشي من كافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وهيئات ومؤسسات المجتمع الفلسطيني والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات تعمل على تعميق فهم حق العودة وإعطائه بعدًا عربيا واستخدامه في كافة الوثائق والمصطلحات واهمية أعادة قضية اللاجئين الى المفوضية العليا للاجئين الفلسطينين بوصفها هيئة دولية معنية بحق العودة السياسية للاجئين الفلسطينين الى ديارهم وفضح كافة المطالبين بالتعويض بدل العودة في الشارع الفلسطيني ودعوة المثقفين الفلسطينين لإعتماد أقتراح قسطنطين زريق بتأسيس علم النكبة وتفعيل الدراسات حول الواقع الفلسطيني ودعوة السلطة لمنح جنسيات فلسطينية للاجئين الفلسطينين
ويلخص الصوراني رؤيته بالتأكيد على الحق إن لم يسند بالقوة بكافة اشكالها سيكون منقوصا وان قوة العقل وتفعيله مهمة رئيسية لان صراعنا مع العدو صراع وجود وتحدي ويجب علينا فهم العدو وإدراك تطور ادواته ووضع خطة للمؤسسات الوطنية الفلسطينية لتطوير مفهوم حق العودة
وحول وصول حل الدولتين لافق مسدود يرى الصوراني مسوغات القبول بهذا الحل بوصفه مرحليًا لا يشترط التسليم بوجود الاحتلال وانما يخدم الهدف الاستراتيجي في بناء دولة علمانية ديموقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني ولكن عدم الثقة بجدية الاحتلال في قبوله لهذا الحل واستهدف منه تحقيق تنازل تلو الاخر اضافة لضعف حركة التحرر العربية وبعض الاطراف الفلسطينية التي هرولت نحو أوسلو جعل ميزان القوى لصالح الاحتلال مما اسقط امكانية تحقيقه على الارض مطالبًا بالعودة للشعار الاستراتيجي بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني ويذكر ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ينتمي لها الباحث كانت قد اقرت إسقاط حل الدولتين والعودة لشعار تحرير فلسطين كل فلسطين
ثم ينتقل الكاتب الى إستقطاب فتح وحماس والبديل الغائب في المشهد الفلسطيني يرى الصوراني ان الوضع الاكثر قلقًا في أوساط الشارع الفلسطيني في جميع اماكن تواجده هو حالة الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس اذ يهدد وحدة شعبنا السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية ويفتح المجال أمام المزيد من تغول السلطتين على مقدرات وافراد ألشعب الفلسطيني خدمة لمصالح فئوية ففي الضفة ترقد على صدور شعبنا سلطة ريعية وشريحة كمبرادورية لها مصالح مشتركة مع الاحتلال وتعمل وكيلا أمنيًا له تلاحق وتقتل وتسحل المقاومين والمعارضين يقابلها سلطة في غزة تديرها حماس التي تمتلك مصالح مشتركة مع مهربي الانفاق ولها تمويلها وارتباطاتها الخارجية مع اكثر من طرف عربي وغير عربي وتمارس السلطة ضمن اجندتها الخاصة وتقمع المعارضين وتدفع بتسلطها باتجاه المزيد من الانقسام
في نهاية الدراسة يورد الباحث العديد من الملاحق والاحصائيات والجداول التي تؤشر للحالة الفلسطينية
أخيرآ اجدد التأكيد بضرورة اعتماد هذه الدراسة ودراسات أخرى شبيهة للباحث كمادة علمية تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات كي تدرك الاجيال الفلسطينية الناشئة حفها في فلسطين وضرورة العمل على تحقيق هذا الحق بشتى الوسائل كي نستعيد فلسطين كل فلسطين