7:21 صباحًا / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

تقديس مهنة التعليم وأخلاقياتها ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

ثروت زيد الكيلاني

تقديس مهنة التعليم وأخلاقياتها ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

تسعى المؤسسات التربوية جاهدة إلى تحقيق الغايات التي وُجِدَت من أجلها، المتمثلة في طلبة يمتلكون الكفايات اللازمة التي تمكّنهم من الاندماج في النسيج الاجتماعي كمواطنين لديهم قدرات إبداعية خلّاقة، ومتفاعلين بإيجابية ومسؤولية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي تفاعلًا نشطًا؛ بالتركيز على الوعي والشجاعة والتفكير الأخلاقي بفاعلية، وإيجاد حالة من التوازن بين نظام الثقافة الأخلاقية والقيم التنظيمية من جهة، والبيئة الأخلاقية الملتزمة بأفضل الممارسات من جهة أخرى.

تتطلّب مساهمة المؤسسات التربوية في عملية الإنتاج الاجتماعية تحديد مرتكزات للتحوّل من التصورات القديمة إلى ابتكار صيغ أكثر قدرة على تحفيز قوى التوليد الكامنة في الكينونة البشرية للمجتمع الفلسطيني برمته، وحشد الطاقات، وتوحيدها في الاتجاه نفسه لتمتدّ عبر الأجيال، ولتزيل الأوهام التي كبّلتها إسقاطات القوى الخارجية المهيمنة، وَفق رؤية جديدة تبيّن ما تمثّله المؤسسات التعليمية والتربوية والقيم المتوقع ترسيخها، وما تقدّمه من خدمات على المستويات كافّة يُعَدّ بمثابة إرشادات للأسرة التربوية جميعها.

لعلّ توفير قواعد للسلوك، ومبادئ تُعَدّ وثيقة شرف لأخلاقيات مهنة التعليم، يُلزم الكادر التربوي والعاملين جميعهم على قدم المساواة حماية استقرار النظام التعليمي؛ لضمان تعلّم الطلبة في بيئة تعلّمية جاذبة غير طاردة لهم، وربّما يكون الامتثال الأخلاقي لذلك في الحالة الفلسطينية خاصّة أقوى من إعمال موادّ القوانين والتشريعات دون الانتقاص من مبدأ سيادة القانون، علمًا أنّ الفوارق بين الأخلاق والقانون تتقلّص مع تطوّر المجتمع لتتحوّل القواعد الأخلاقية إلى قوانين مع مرور الزمن.

ونظرًا لثراء المستحدثات التكنولوجية، وسرعة تطورها، وانعكاس ذلك على مهنة التعليم، فإنّ الكادر التعليمي لا بدّ من أن يمتلك الكفايات المهنية ليواكب المستجدات التربوية؛ ما يستوجب مراجعة شاملة ودورية لمعايير الأخلاقيات الخاصة بعملية التعلّم والتعليم، وفي الوقت نفسه مواءمة التشريعات والنظم المعمول بها، وتنفيذ برامج التنمية المهنية للكادر التربوي على كيفية اتخاذ قرارات أخلاقية وقيمية وَفق المستوى الوظيفي، ودمج مجال تطبيق الأخلاقيات والقيم في عملية تقييم أداء العاملين.

إنّ متابعة المؤسسات التربوية لإنفاذ الأخلاقيات يتطلّب الاستجابة السريعة والشفّافة في التقارير الواردة جميعها (الخطّ السريع) لجهة الاختصاص؛ لمعالجة أيّ مشكلة بطريقة منصفة، واتخاذ الإجراءات التأديبية العادلة على قدم المساواة دون تمييز أو استثناءات في الوقت المناسب، مع الحفاظ على حماية المبلِّغين عن انتهاك الأخلاق التطبيقية في المواقف الواقعية في البيئة التعليمية والتربوية.

تشكّل حاجةُ المؤسسات التربوية إلى نسق من المبادئ والقيم والآداب الخاصة بالمهنة حجرَ الزاوية في المسألة الأخلاقية، وتوجيه سلوك الكادر التربوي والعاملين إلى تحمّل مسؤولياتهم المهنية على نحو أخلاقي، ويُعَدّ الواجب جوهر التفكير في مجال أخلاقيات مهنة التعليم؛ فهو نداء الضمير، وصوت الروح الذي يمارس وظيفة الإلزام في مجال ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للطلبة جميعهم، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة، وتتجلّى عظمة هذا الإلزام عندما يكون نابعًا من الذات، وليس مجرّد استجابة لما تفرضه البيئة الخارجية المحيطة بما تنضوي عليه من معايير أخلاقية، فالواجب المهني في العملية التعليمية ينطلق من أعماق الحياة الوجدانية تُجاه الطلبة، بما يمثّله من التزام أخلاقي بدافع الواجب، وليس الحقّ من أجل الحقّ، حتى وإن تعارض مع المصالح الشخصية، ومقتضيات رغبات الذات وميولها.

تفتح المدارس أبوابها للطلبة في ظلّ تفاقم الفاقد التعليمي الذي بات يمثّل خطرًا واضحًا على مستقبل الطلبة والمجتمع الفلسطيني بمكوّناته كافّة، وانقطاع الطلبة عن مدارسهم لأسباب مختلفة؛ من انتهاكات السلطة القائمة بالاحتلال، مرورًا بجائحة كورونا، وصولًا إلى امتناع المعلّمين عن أداء واجبهم تُجاه الطلبة؛ ما تسبّب باضطراب العمليّة التعليميّة على نحوٍ غير مسبوق في النيل من استقرار النظام التعلّمي، وعليه فإنَّ حتمية إقرار أخلاقيات مهنة التعليم أضحى ضرورة أوجبتها قيمة المهنة من جهة، والظروف الموضوعية والذاتية من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه إعمال نظام مزاولة مهنة التعليم؛ لضمان تطبيق معايير الجودة فيه، والمساءلة من أجل المحاسبة في المؤسسات التعليمية، والارتقاء بجودة الأداء فيها.

التربية هي عصب الأمّة الرئيس، وصِمام أمنها القومي القادر على النهوض بمقدّرات المجتمع، والحكمة منطوق الكادر التربوي صاحب الفكر الثاقب، والرأي السديد، وتطوير المنظومة التربوية والتعليمية كفعل اجتماعي يرتبط بعلاقة وثيقة لازمة بقيمة أخلاقية، ورسالة تربوية سامية قائمة على شراكة فاعلة ومسؤولة، وحوار هادف يمثّل محطة فارقة يعمّق الوعي الديمقراطي في المنظومة تمثيلًا شموليًّا، وإيجاد حلول لعديد من القضايا وَفق رؤية وطنية قائمة على حماية سيادية التعليم وقدسيته، ويؤسّس لمستقبل أفضل لمجتمع لا خيار أمامه إلّا أن يكون، أو لا يكون.

شاهد أيضاً

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

شفا – رحب (نداء فلسطين) بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال …